الثلاثاء، 4 مارس 2014

طوني مراد في كتاب مازن عبود "قصص وأزمنة من أمكنة"


مازن عبود يسمّي كتاباته خربشات ، وهي خربشات وليست كالخربشات .
الماضي في الغالب يسكننا بالأبيض والأسود ، لكنه مع مازن ملوّن ، ودود وحيّ ، كأنه للتّو .
قد يحلو للبعض القول : " فرقت على حرفين " بين اسمه واسم مارون عبود . لا هو يدّعي ولا نحن نصنّفه مارون عبود آخر . لعله مارون عبود أورثوذوكسي "لايت" ، ما يجعلني أدعوه مازينيوس . أو لعله صاحب مفكرة ريفية جديدة تستكمل ما فات أمين نخلة . مازن عبود من قلة قليلة يعنيها الزمن الجميل فيكتب عنه وكأنه يقول : إننا فيه إن شئنا .
يأتي مازن دائماً من حيث لا أعرف ومن حيث لا يأتي الآخرون .
قد يداهمني بتذكار من جبل آتوس أو بأيقونة من دير سيدة حماطورة
أو يُرفق خبرية من دوما بدعوة إلى كابوتشينو
أو يرقعك محاضرة في البيئة والصحة العامة ، ومن أين ؟ من مكتبه في الريجي !
إنه مازن عبود .
بيته في غزير علّية دومانية بناها حديثاً ، ولكن من حجر وقناطر وتراث وذاكرة وروح ، حيث تسرح اللهجة المحبّبة والمناكفات الطريفة والحب الخام .
كل ذلك لأقول : إنه مازن . هو مجموعة أشخاص وحالات في رجل ، لا هو وهو كهل ، ولا هو وهو طفل .
دوماني حيثما حلّ . مثقف محب للبيئة والطبيعة ، ولكل مؤامرة بين البشر والحجر والشجر ، وبين الماء والهواء والسماء .
يا لها من روح تقود مازن وتجرّ وراءه الحنين ، من حنايا سوق دوما وطقطقة تكنات قرميدها إلى البخور الذي يضمّخ القبب المذهبة في كنائس الروسيا وأديرة اليونان .
عاشق للحرية حتى عبوديتها. يتركها لك إذا تمنى شيئاً . يقول عندي كذا . كمن يعرض الراحة والبسكوت في أحد دكاكين سوق دوما ولا يدلّل عليها ، ولو بارت أو باخت أو باتت .
يوحي ولا يطلب ، وهو شاكر في الحالتين .
مهذب ولأنه مهذب تبدو الخطايا في أقاصيصه مغفورة والزعرنات مستورة.
ولعل ما يُغني صدقية مازن أنه مؤمن
مؤمن نيره خفيف ولطيف وشفيف
كأيقونة غير دَعيّ
قد يرى فيها أحدهم مجرد لوحة
وقد يرى فيها آخر نداء الله ، وهي رضيّة هنيّة بهيّة في الحالتين .
ومع ذلك يترك دائماً فيك ذاك الشعور بأورثوذكسية ، كما أحبها أنا الماروني الكسرواني : عناد في الحق ، ولكن ليس إلى حد التكفير أو الاتهام والتخوين .
بدأتُ بمارون عبود الماروني العلماني وأختم بمخايل نعيمة الأورثوذكسي المبكر في العولمة . وبكلاهما يذكّرني مازن .
نعيمة تنسّك الشخروب ولملم ريشاته من موسكو إلى نيويورك . وكلما أتذكّره أتذكر قصته أكابر ، حيث الأكابر يحق لهم إذا أتوا الضيعة أن ينتزعوا من صبي العائلة التي تشتغل بالشركة في أرض الاكابر ، الجدي والديك أعزّ ما لدى الصبي ومن دون أن يلووا على عويله ... لأنهم أكابر !
مازن عبود ليس بهذه القسوة . إنه في الجانب العذب من تاريخنا العذابي في هذه البقعة !
مازن عبود في يدك بعض أقفال أدبنا التراثي ، فلا تفرّط بمفاتيحها ولا تتركها فريسة الصدأ والنكران والهجران . والسلام .
 
                                                                 أنطوان مراد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق