الأربعاء، 14 مايو 2014

"برهوم" الصغير والاغطية


 

كان الشتاء يخيّم على كل كفرنسيان ونواحيها.  والعواصف تمنع "برهوم" واخوانه من الخروج الى ملاعبهم.  فيصبح المنزل الملعب.  ولا يكتمل الملعب الا بعيدا عن عيون الاهل.  وغرف النوم هي النائية عن الرقابة ورغبات صنعة قرار المنازل. 

 راح يلهو واخوته واخواته الذين كانوا يصلحون ان يشكلوا عصابة.  راحوا يتسابقون على جمع الاغطية التي صاروا تزينون بها فتعلو رتبهم الروحية.  ومن كان يرتدي افضل حلة يصير المرجعية ما بين الاولاد.  فيصبح الامر والناهي ويحكم اخوته.  الذين يطيعونه ويتحكم بهم.  بدأ السباق ومعه الصراع ما بين الاولاد الى ان تعثر "برهوم" بأغطيته فوقع على رأسه وكسر اسنانه.  وصار يبكي.  ولولا انّ اخته "فوتين" اتت لنجدته لكان كسر رأسه ايضا جراء تلك الوقعة.  "ومن يدري ماذا يحوي الرأس؟؟  اتراه اذا وقع يؤلمني اكثر من الاضراس؟؟ تبا للرئاسات وللوجع ولسباق الاغطية".   هذا ما قاله يومها.

 اضحى يكتفي بغطاء واحد صار يستعمله دون غيره كي يصلي ويعظ على شاكلة الكبار الذين كانوا يصيرون شمامسة وكهنة ورهبانا واساقفة.   وصار يقيم قداديس ولاّدية الى ان علم به العم "نيقولاوس" الذي يحمل القاموس ويمشي.   فيسأل هذا "ما معنى اسمك؟؟ ويجيب عنه شارحا". وقد وافى "برهوما" ذاك اليوم مستقصيا عن اعماله وممارساته.  وابلغه بأنه لا يجوز لصبي صغير ان ينتحل صفة الخوري الذي هو "رجل الله".  لانّ هذا محرم امام الله والشعب. 

ثمّ راح يبلغه كم هو صعب على المرء ان يكون كاهنا.  فبحسب العم "نيقولاوس" من يرتدي الاسود يصبح فحمة.  فامّ ان يتقد بلهب الله فيظهر سواده نور ربه؟؟ ام ان يدخل دياجير الشياطين، فلا يعود الناس يرون فيه الا سوادا يعمي القلب.  رهّبه.  وابلغه بأنّه ان عاد فتجاسر على لعب دور الخوري.  فانه سيعلم خوري "كفرنسيان" بالموضوع، الذي سيبلغ حتما سيدنا المطران.  و"المطران سيبرق الى سيدنا البطريرك.  ومن الممكن ان يأخذوك الى "الكركون" اي حيث سجن "سفر برلك" ".   خاف "برهوم" كثيرا.   فهو لم يفكر يوما في "الوجع" و"الاضراس" و"الكركون" وكل ذلك.   

فكان ان طلب مشورة "نظيرة" التي كان الاولاد يتبولون على باب قبوها ويعذبونها كي تلعن.   ويرمونها بالحجارة حين تمضي الى بيت خلائها في خارج المنزل.   طلب مشورتها، وقد اشتهرت في كل المحيط، بانها تقرأ الاحلام وتدرك بعض ما في الغيب.  تقدم اليها سائلا رأيها  في ما قاله "نيقولاوس".   لم تكن العرّافة تحب الصغار كثيرا الا انها اجابته لانه قدم اليها من قبل عمه "ايليا".   فأبلغته انّ الكثير من اصحاب الجبب علقت ارجلهم في وهاد الجبال والتهمت اطرافهم الذئاب.  صار سوادهم قاتما كسواد السلطة التي تلتهم من يمسك بها.   اختفوا كاناس.   واخفى سوادهم الفراغ.  فاضحوا غير موجودين في عوالم ربهم لانهم لهجوا بغير ما فعلوا وخدعوا الناس.   ومن ليس له طاقة على التحرر من المشاعر الذابلة، لا يقتربنّ من السواد.   ثمّ تنهدت قائلة: " انا لا اخاف من خطيئتي لانها معلمتي...  ابتعد عن "لعبة الاغطية" يا ولد، فهي خطيرة تكسر الاسنان".

كبر "برهوم" ومازالت كلمات تلك التي قيل فيها انها عرّافة،  تطن في اذنيه.  صار يأمل لو انه يعود في الزمان كي يعتذر منها هو وصحبه عن كل حجر رموه.  وقد رحلت ابان الحروب الصغيرة.  ماتت في بيت للراحة بعيدة ووحيدة.  وجلبت بقاياها الى "كفرنسيان" بعد زمن كي تدفن حيث ولدت وعاشت. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق