الجمعة، 7 ديسمبر 2012

كان عيد وما كنت يا أبت!

منبر مازن عبود 2012-12-07 كان عيد احتفاء بقديسَي انطاكيا الشهيدة بربارة البعلبكية والمعلم يوحنا الدمشقي. دخلت الكنيسة تلك العشية، ولم اخرج منها حتى ساعات الفجر الاولى. ارتفعت الكنيسة بتراتيلها وبالاطياب السماوية، كبرت. وسعت حتى صار لقاء ما بين الارض والسماء. وافى الحماطوريون لإحياء المناسبة، كما جوقة صاحب العيد. تقاطرت طغمة من رؤساء الاديار والكهنة والشمامسة والرهبان. ارتفعت تلك الكنيسة الارضية بناسها الى العلى لساعات، مخلفة وراءها ارضا تتخبط دماء. كانت الملائكة تشدو في الداخل. اما في الخارج فكانت اناس تبكي. كان اهل المعلم الدمشقي يبكون من هول العنف. واصواتهم كانت تصل الى مسامع الحمل المذبوح لاجل العالم. كان ينظر اليهم بعطف ويرفعهم اليه. فرحنا اذ أن المناسبة هي شريفة وقد اقيمت لمعلم وشهيدة. المعلم كان زعيم ناظمي الاناشيد والشهيدة كانت بعلبكية اسقطت كل الاقنعة. راحت جوقتا الشمال واليمن تغردان باجمل ما لحّن يوحنا الدمشقي وسائر ناظمي التراتيل. الكل كان يشدو. والايقونات كانت تزهو. خرج معلم دمشق من ايقونته، حمل ايقونة والدة الاله وسار ما بين محفل الكهنة الذين حملوا ايقونته، وهو المدافع عن الايقونات. خرج الدمشقي من الخشبة والزيت مرتاحا ومسرورا. وقف قرب العرش ينظر كل منا. ابتسم فاعاد الى اذهاننا قصته مع ام الاله. ارانا اليد التي قطعها له الخليفة واعادتها له مريم. شددنا في الايمان. وابلغنا بأنه قد وافى اليوم كي يفتقد حبر انطاكيا وسيدها. انتصب قرب عرشه، وقد انتصبت قبالته بربارة، تلك التي خطبها يسوع له يوما، فقضت من اجله. كان بخور ودفء وترانيم. وملائكة تسبح. وبشر تخرّ. وكان ليل. وكان نور ونهار، الا انه غاب عن تلك الامسية من كان ينتصب على كرسيه كل سنة. فيرصد كنسر كل نغمة من اصداء منشديه. غاب عن المناسبة ذاك الذي سمع في ايامه الاخيرة يخاطب ربه شاكيا له اوضاع قطيعه الصغير، وطالبا منه النصح والغفران. ذكر على المذبح كبطريرك للمرة الاخيرة. اذ انه ما كان توارى بعد. الكل كان في السهرانية يرتل ويصلي من اجل البطريرك. كانوا ينتظرونه. وكانت كل طغمة بخور ترتفع الى فوق على نيته، محملة بكل الامنيات له بالشفاء. فما زالت الحاجة اليه كبيرة على رغم تقدمه في السن. ما زالت الحاجة كبيرة الى حكمته وتبصره في زمن التقلبات والتبدلات. فقطيعه الصغير ينتظر منه كلمة سواء، هو الذي يعمل ما يوافقنا ويتوارى. هو الذي يسير ما بين الاضواء من دون ان تدركه. البطريرك اغناطيوس المتقشف والسهل والممتنع. ذاك الذي ما كان يكشف سره الا عند الضرورات، التي لها احكامها. انه الرقم الصعب في كنيسته، الذي له رؤية خاصة بالكنيسة وادوارها. هو ابن "محردة" البار الذي اخذ عن الغربيين حبهم للعمل ورغبتهم في تطويع التقليد لخدمة العصر. هو الذي يقول انه لم يستطع ان يفي والديه فضليهما، فكان ان بنى على روحهما كنيسة في الضيعة. فالاسقف لا يعود لاهله بل لابرشيته، كما كان يقول. البطريرك اغناطيوس، سيد تلة البلمند التي اوكلته نطارتها مريم العذراء، فأقام هناك جامعة واناط معهد اللاهوت الى المعلم الدمشقي يوحنا القديس. حبر المريمية وباب توما وانطاكيا وكل المشرق غيّبه المرض عن كرسيه في صرحه المفضل هذا العام. لكن بالجسد ليس الا! ادركوه مرارا في الايام الاخيرة يتكلم وحده. فعلى ما يبدو كان يناجي ربه وشفعاءه. ليتكم كنتم معنا ماديا في تلك الامسية يا أبت. فالانغام كانت رائعة يا سيدي البطريرك، تماما كما ترغبون يا صاحب الغبطة. وجوقتا اليمين والشمال افاضتا عطورا نغمية فواحة في كنيستكم الضاربة عميقا جدا في التاريخ. فالكل ضيوف عندنا في هذا الشرق، يا سيدي، كما كنتم تقولون، ولمن اراد ان يقرأ التاريخ. انغام تلك الامسية، يا سيدي الراقد، طرب لها من اتى ليحملكم الى فوق. عنيت به زعيم ناظمي التسابيح يوحنا، صاحب العيد وحبيبكم. كنتم هناك ولم تكونوا. ليس بالصدفة ان يبدأ مخاضكم في تلك العشية، وينتهي مع عيد القديس سابا المتقدس حيث امضى يوحنا الدمشقي آخر ايامه، في ديره. كلا ليس من باب الصدفة! فلكل شيء رمزيته في كنيستنا يا رب البيت. لقد شغلت اوضاع قطيعكم الصغير تفكيركم، وها انتم اليوم تشغلون باله. حملتموه في وجدانكم حتى الموت، ويحملكم هو اليوم في صلواته. والله يضبط الخليقة بأسرها. سيدنا وبطريركنا القديس، يا وريث بولس واغناطيوس، أسأل شفعاء انطاكيا ان يلتمسوا ثباتنا وخلاص نفوسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق