الاثنين، 29 أكتوبر 2012

على بساط الريح الى بلاد العم سام

b>وكان ان ودّعت نصب ابراهام لنكولن الاسطوري وهامته الشامخة التي ما تزال تفوح عبيرا وكلمات في السنترال بارك في واشنطن، ورحت اسأل نفسي لم بعض الناس لا تشتهي ابطالها الّا في القبور؟ تهاجمهم وتحاربهم احياء وتتحسّر عليهم وتتذكرهم وهم اموات. أيخشون روح التغيير التي فيهم؟؟ هل انّ الأبطال فعلاً يزعجون البشر ويجعلونهم يتألمون من واقعهم الذي لا يحبونه كثيرا ويخشون تغييره مغبّة الوقوع في المجهول؟؟ ام انّ عاصفة تغييرهم تحمل معها الرمول التي تعمي عيون من قاربها؟؟ ركبنا سيارة مضيفتنا وذهبنا الى احد الكنائس الواقعة في احدى ضواحي عاصمة العالم، كي ألتقي بأناس من طينتي ممّن أخذتهم رياح الغربة والارق والخوف من المصير الى تلك الدنيا. وصلت تلك الكنيسة التي كانت غاية في الروعة، ودخلتها بوَرع إذ كان القداس بالعربية قد بدأ لتوّه. هموم المنطقة وهجرة المسيحيين من ارض الناصري حضرت بقوة في خطبة الكاهن القادم من عكار اساساً، كما حضرت لاحقاً الانتخابات الاميركية على مائدة الطعام التي تلت القداس، اذ انّ الرئيس اوباما كان قد انهى مناظرته مع خصمه رومني. ما صبّت رياح انطاكيا الاميركية لصالح الرئيس، اذ انه بالنسبة لهم أجاز عدداً من المسائل المعاكسة للدين، كزواج المثليين مثلا. كلام الكاهن على مائدة الافطار التي تلت القداس لم يتجانس مع مضامين خطبته، اذ انه بدا مهتماً بفصل كنيسة المغترب عن اصولها وتأسيس اخرى تعكس خصائص القادمين الى بلاد العم سام. لم تعجبني وجهة نظره في هذا الاطار لأنها تعكس رغبة في التخلّي عن كل القضايا والارث. فأحسست بأنّ في ذلك فعل دفن وطمر لِما تبقّى من لبنان ومن مشرق متألق. أحسست ان تلك الخطوة على واقعيتها تشكل بترا معنويا للأمل بعودة من اريد لهم ان يكونوا فعل شهادة لذلك الذي وافى شرقنا وعالمنا يوماً كي يُدخل اليه حضارة التسامح والمحبة والتحرر. وقد هجروا أو هجر اجدادهم على امل العودة. انزعجت من ذلك كثيراً، ابلغتهم بأنّ عليهم واجب دعم من اراد ان يبقى ولو معنوياً. ثمّ اوضحت لهم بأنّ استمرار الكثير من أمثالي في ارض الاجداد ليس لانسداد ابواب الهجرة ولغياب الفرص، لا بل على العكس تماما، فموضوع بقائنا في ارضنا يشكّل شهادة لكي يبقى الشرق اكثر تنوعا واقل تطرّفا، وبالتالي العالم اكثر أمنا وسلاما. قلت ان الرفاهية والفرص والجمالات لن تغريني على الاقل في هذا الظرف الى نسيان رسالتي. كما انّ غياب الاستقرار والثورات والاضطهاد والازمات في الشرق لن تدفعني الى الهرب والاستقالة من شهادتي. احسست بالمرارة كثيرا، وارتفعت نبرتي، لا عليهم، بل على الصوت المتراخي الذي فيّ. الذي يدعوني الى الهجرة الى بلاد رغد العيش والرفاهية. خرج الصراع الذي فيّ الى العلن، ومعه خرجت روح الحق التي تصوّب وتنهر. وراحت الروح تضربني كأني حديد خرج لتوّه من كور الحداد. ما الهدف من وجودك يا ابن آدم؟ هل وافيت كي تأكل وتتوالد وتعيش فقط؟؟ ام انّ ثمّة اشياء اخرى خرجت من التراب لأجلها؟؟ ماذا فعلت بصليبك؟؟ وكيف ستقوم معي اذا لم تصلب؟؟ لِمَ لم يأمر معلمك، ذاك الذي تتفاخر به، أجواق الملائكة ان تأتي فتخلّصه ممّا اتى كي يقوم به؟ فصرت أردد في صمت سكوني: تباً لك يا روحا عالمية، انك تغريني. ولكم اغريت قبلي. لا لا، لن ادعك تغلبيني. لن اهرب من ارضي. لا لن استقيل من رسالتي، اتيت الى هنا من اجل هناك. واني سأعود، لست ادري ما قيل عني هناك. اعتقد بأنهم قد قالوا إنّ المقيم حاقد على المغترب. لكن لا!! فأنا حاقد على ذلك الصوت الذي فيّ والذي يدفعني الى الرحيل ليس الّا!! وما همّي ما سيُقال طالما اني اسير في النور الذي اوجده الخالق فيّ. كانت هذه المغامرة الصفحة الاخيرة من مغامراتي في عاصمة العالم التي غادرتها صبيحة اليوم التالي الى رالي عاصمة نورث كارولينا.

الاثنين، 22 أكتوبر 2012

على جناح بساط الريح إلى بلاد «العم سام» (الجزء 2)

وكان ان دخلت الى الكابيتول الذي بدأ ببنائه «جورج واشنطن» في العام 1793 كي يكون القمقم السحري الحاوي للروح الاميركية التي اريد لها ان تكون من حرية وديموقراطية ومساواة. فكان ان استوطن فيه النسر التشريعي الاميركي بجناحيه: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، منذ العام 1800. من دون ان يرقد هو فيه، اذ انه آثر ان يستلقي في حديقة منزله ربما هرباً من الدهاليز. رافقتني في زيارتي الى هناك ايضا المهندسة ميراي وصديقتها د. فاديا صادق التي تبرعت مشكورة ان تواكبنا في زيارتنا الى عاصمة هذا العالم. في الكابيتول استقبلت مع مئات القادمين لزيارة هذا المعلم. لقد كان ذلك المعلم مفتوحاً امام الزوّار على رغم الكابوس الامني. فمن اراد ان يكون بيته للحرية يشرّع لها بواباته، لأنها لا تطيق الأمخال والابواب المرصودة. هناك استمتعت بمشاهدة فيلم وثائقي قصير حول طبيعة الولايات المتحدة الاميركية وتاريخها وروحها وفلسفة الحكم فيها. بهرت بتوَثّب الروح الاميركية ونجاح ذلك الأنموذج الذي ترعرعنا في مدارسنا وجامعاتنا على محبته. فالحرية كانت في اساسه، والانسان يضحي ترابا لولا نفحات الحرية التي فيه. لقد كان الكابيتول كبيرا للغاية وقببه ضخمة ومذهّبة ومذهلة. فالقبب تؤشر الى السماء، الى الحلم، الى عظمة الحلم الاميركي. الّا انّ الكابيتول لم يكن قاعات كبرى حصراً، بل كان ايضا اقبية ودهاليز وغرفا صغيرة. فالسياسة تخرج احيانا من تحت الارض الى الصالات، وما هو تحت الارض في عالمنا يؤسس للكثير ممّا فوقها. اختلطت الدهاليز بالقبب في ذلك المكان، كما في كل مصانع القرار في هذا العالم. دهاليز تشعبت وما شاهدناه منها كان شيئاً قليلاً. فقلت للكابيتول: "اني اعشق قببك وصالاتك يا معبداً اريد له ان يكون للحرية. الا اني اخشى دهاليزك خشيتي من الموت". فأجاب: "انا ما انا. إمّا أن تقبلني بكليّتي او ان ترفضني بكليّتي". فما اجبت، اذ اني على عادتي متردد لا احسن اتخاذ القرارات الا تحت الضغط. نظرت طويلا وعميقا في المعلم الرمز لكرامة تلك الامة وعظمتها، هو الذي تعافى من جروحه وندوبه وأوّلها كان حرقه من قبل الانكليز. وتنفست بعضاً من أهويته، وسألت: "هل يتعافى اهل الشرق يوما من ندوبهم ايضا فيبنون لانفسهم صرحاً من حرية وديموقراطية وتحرر بعد كل هذا الكم من العنف والدماء؟؟". سلمت في الكابيتول على روح اميركا ابنة اوروبا، تلك التي قيل في الاسطورة انها تتحدر من فينيقيا وصور، ومضيت لاكتشاف سائر معالم عاصمة هذا العالم. كانت واشنطن رائعة. تغري كل من يزورها وتستهويه. كانت خمرة عتيقة. كانت عطرا شذيّا. كانت لؤلؤة ولوحة فوّاحة. ومن كرهها بالمطلق فهو لم يدركها حتما ولم يعرف منها شيئا. واشنطن متاحف مجانية رائعة ترسم وهوليوود اجمل الصور عن انماط المعيشة الاميركية وعظمة تلك الحضارة. هي ايضا شوارع عريضة وابنية جميلة. اما قلبها فحديقة مترامية الاطراف واروقة ونصب تذكارية لأناسها. وقفت طويلا امام نصب "ابراهام لنكولن" الذي عشقت سحر كلماته وضياء سيرته، ورحت اردد اجمل ما عشقت من اقواله: "لست مجبرا على الفوز، الا اني مجبر ان اكون نفسي. ليس مكتوبا عليّ النجاح بل مكتوب عليّ ان اعيش في النور الذي فيّ. يتوجب عليّ ان ادافع عن اي شخص يقف مع الحق واتركه لمّا يبتعد عنه"، و"لا تستطيع امة ان تكون حرة اذا ما كان نصفها مستعبدا"، وغيرها من الاقوال. فقوة اميركا كانت في الاسس الاخلاقية التي وضعها هو وامثاله. فلا القوة العسكرية اضافت عليها شيئاً ولا التسلط. رحلت من عنده وانا احمل في قلبي حلاوة اللقاء مع زعيم جعل الاخلاق في صلب السياسة، كي التقي اناساً من بني قومي استوطنوا ارضه. في واشنطن التقيتُ بأناس من قومي ممّن رحلوا اليها طلباً للاستقرار او بحثا عن فرَص افضل وحياة افضل. كانت حياتهم بالفعل هناك اكثر رفاهية واستقرارا، لكن اقلّ نورانية.

على جناح بساط الريح إلى بلاد «العم سام»

لقد اردت ان اذهب ولو لأيام الى حيث قيل لي يوما انّ الحرية قد بنت لها معبدا هناك. اردت ان اذهب الى البلد الذي انتقده كثيرا، واحبه كثيرا. قررت ان امضي الى حيث مضى ثلث اهل قومي يوم حصدت منهم الحرب العالمية الاولى الثلث. وانا كنت من ذلك الثلث الذي كتب عليه ان يبقى فيحمل شعلة الحرية في هذا الشرق المعذب حيث تتخابط الالهة وتتعارك. 1 - في واشنطن: ذهبت اليها، وانا محمّل بهواجس منطقة يحكمها الخوف الذي دفع بنا الى شياطين العنف والتطرف. الا اني لم آت الولايات المتحدة الاميركية طلباً لمنصب او لكي اسهم مثلا في رسم سياسات او خرائط لشرق اوسط يتغيّر على عادة الكثير من ساستنا. جئتها سائحا يبحث عن اسرار العالم الغامض، او لكي يكتشف روحها كما رسمها "مارك توين". جئت كي اعيش مغامرات وقصص "ارنيست هامنغواي" في "الكهل والبحر" فأنظر ثلوج جبال كليمنجارو وأدرك لمن تقرع الاجراس. الّا انني وبصراحة لو لم يسألني رئيس لجنة الادارة في ادارة الحصر الزميل ناصيف سقلاوي الذهاب اليها لإتمام مهمة تقنية عائدة للريجي، لما كان في قدرتي حالياً القدوم. لم تكن زيارتي هذه الاولى اليها، الا انها كانت الاولى الى واشنطن ونيويورك وبوسطن وكانتكي وكارولينا. وصلت واشنطن وبرفقتي المهندسة ميراي فرح. فكان ان أقمت على بعد اميال قليلة من السنترال بارك الذي تحيط به المعالم من كل جهة، والذي تطربش بالكابيتول وتمنطق بالبيت الابيض وتسلّح بعصا جورج واشنطن وبمعبد ابراهام لنكولن المغدور ورصيده الاخلاقي والمعنوي. احتفت حوله الوزارات والمتاحف من كل جهة، فشكّل قلب اميركا الذي انشطر باغتيال كيندي وغياب صوت مارتن لوثر كيندي. تبّاً لك يا قدر كيف تسكت الكبار وتشطبهم من سجل الاموات الاحياء في دنيانا !! فيرحلون من دون ان يتمموا ما كتب لهم ان يقوموا به. وقفت هناك وشعرت بصفير طيارات اعتداء الحادي عشر من ايلول التي اريد منها ان تغتال الكرامة الاميركية، ثمّ سمعت اصوات القتلى وعايَنت بحر الدماء من افغانستان حتى العراق. قيل لي انّ الدماء هي اثمان الحرية، فاستكنتُ لأنّ الدماء والحروب هي ايضا وقود الأمبراطوريات. أبصرتُ طيف جورج بوش الابن وانين الاطفال يملأ الدنيا من حوله، وابواق الحرب تقرع. وبان لي في اللحظة نفسها طيف ريغن يعانق غورباتشيف والحوائط تتداعى من حولهما. آه منك يا واشنطن والف آه عليك!! فكل ما يقال فيك من جيد وسيئ صحيح. نعم لأنك عاصمة العالم، فإنك تحوين كل ما هو من تراب وما هو من روح. لا لست ملعونة!! الا انك لست بمباركة ايضا!! واشنطن يا مدينة الرجل الطويل الذي لا يعلو فوق مسلّته مبنى فيك!! يا مدينة لفظها نهر البوتوماك كي تستلقي على كرسي بابل وروما!! من أي كأس شربت؟؟ وماذا تشربين الناس ممّن يعشقونك؟؟ انك تشربينهم حرية وطقوسا، تمزجين لهم الحلو والمر، والليل والنهار في خليط فريد لا يدركه احد غيرك. من يحكمك يا مدينة تحكمين العالم؟ أيكون من في الواجهة حقاً حاكمك؟ ام انّ لك اسراراً اخرى لا يعرفها الّا من يرتاد منتدياتك، ويحتسي من خمرتك ويتكلم بلغتك؟؟

الخميس، 4 أكتوبر 2012

عبود: للادعاء على مجهول بشأن حرائق "الشمال"

وكالة أنباء آسيا , 3 تشرين الأول 2012 ساعة 11:23 لبنان (آسيا) : ابدى الناشط البيئي مازن عبود أسفه لعدم قدرة الدولة على إقرار وتمويل وتطبيق أي خطة لمكافحة الحرائق، على الرغم من كل الكلام وكل الوعود. وطالب عبود في بيان له النيابة العامة في الشمال التحرك للادعاء على مجهول، على اثر الاخبار حول امكانية ان تكون حرائق عكار مفتعلة داعيا القضاء الى "التشدد في هذا الاطار لحماية ما تبقى من البقعة الخضراء في لبنان والتي اضحت بحدود ال ١٢ بالمئة ليس الا". وتمنى على المرجعيات الدينية الدعوة الى "اقامة صلوات الاستسقاء على كامل التراب اللبناني، من اجل درء خطر الحرائق مع بداية موسم الحرائق لهذا العام. وذلك بعد تراجع الثقة في قدرة الحكومات المتعاقبة على حل المشكلة نظرا لانشغالها بالازمات السياسة والنقار". يُذكر ان حريقا اندلع في عكار منذ ٤ ايام وما زال مستمرا حتى الان في بعض الاحراج بعد ان تمكن الجيش والدفاع المدني من اخماد الجزء الاكبر منه. رمز الوثيقة: 18713 رابط المقال: http://www.asianews.lb/vdcbfzb8.rhbw8pukur.html وکـــالة أنبــاء آسیـــا http://www.asianews.lb

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

إمرأتان وفيلم

كان ينخطف الى الخارج، الى ما بعد الشارع الذي يفصل المدرسة عن الكنيسة، بكثير. كان يسرح ويسافر الى حيث تبزغ الجبال وتدخن غيوما في السماء. الا انه شعر بانجذاب الى تلك المعلمة الجميلة والخفيفة الدم التي لقنته العربية واشياء اخرى في الحياة. فصَفّها كان مختلفا عن كل الصفوف، إذ إنها كانت تضج بالاخبار والاثارة. فكتب لها اولى قصائده لمّا قررت ان تغادر مدرسة البلدة الى بيروت، واحسّ بإحباط ما لرحيلها والعام الدراسي ما كان قد انتهى بعد. لقد كانت ايفون مزيجا من كل شيء، واشياؤها كانت مفرحة. ما زال يتذكر كيف صرخت مرة، لمّا انتهكت حرمة دفتر علاماتها من قبل تلميذ مشاغب أضاف على غفلة لعلامته واحدا على اليمين بدل اليسار. فكان ان تخطى المعدلات الممنوحة لقياس الشطارة بأكثر من عشر مرات. فصارت علامته 7120 بدل 1720، فراحت تصرخ: ما هذا الذكاء الفائق؟؟ هل يعقل ان تتجاوز المعدلات بأكثر من عشر مرات؟ اننا بالفعل محظوظون بك. لقد اوقع الله بك يا صبي. ارجع الى علامتك الى 720". كما سألت آخر البقاء خارجا وانتظار حلول ميقات حصتها بحسب التوقيت القديم الذي تمسّك به، لمّا سئل عن اسباب تأخّره عن الصف على أثر تبدّل الساعة من التوقيت الصيفي الى الشتوي. وكانت ان طردت آخر لمّا اضرم النيران في طبقته رغبة منه في التخلص من محارمه المتسخة. عرف معلمته "ايفون" حاضرة وناضرة في صفها تشجع هذا وتنهي ذاك. كانت مزيجا من كل شيء، من الجدية واللهو والحب والجمال. ولكم تمَسرَحت في اروقة بلدتها التي عرفت المسرح منذ القرن التاسع عشر، والسينما في النصف الاول من القرن العشرين. اضاءت الشموع الحمراء لمّا بلغها ان نهاية الازمنة اضحت على الابواب، وراحت تحثّ اعضاء جمعيتها "جمعية القربان المقدس" للصلاة من اجل خلاص البشرية. فازت في الانتخابات البلدية عام 1998، فصارت من اوائل النساء اللواتي تقدمن الى العمل البلدي. الى ان أطلّت ممثلة قديرة في فيلم "هلأ لوين" للمخرجة والممثلة القديرة "ندين لبكي". مسيرة "المعلمة ايفون" بدأت في سوق دوما واروقتها، الى ان بلغت مهرجان "كان". وهذا ما كان قد حصل لو لم تكتشف هذه الموهبة بتيليسكوب "ندين لبكي". الخورية "ايفون" كانت وما زالت هي هي، بعفويتها وصدقها ومحبتها واندفاعها وشفافيتها وإنسانيتها وافكارها. الا انّ ضوء السينما سلط عليها في "هلأ لوين". قدرة "ندين لبكي" تجلت في الاصغاء الى نبض الناس وشجونهم وهمومهم وحراكهم وثقافتهم، فعرفت المخرجة انّ الفن ترجمة مكثفة للواقع على الخشبة. فكان ان ادخلت الى العمل شخصيات واقعية ومكثفة الطباع كـ "ايفون". فاصطبغ الفيلم نكهة ولونا وطعما خاصا على ايقاع موسيقى خالد مزنر الفريدة والجميلة والبرية، وظلاله الخفيفة التي رافقت طموحات زوجته فصانتها وكبّرتها. جرّاء كل ذلك، حصد العمل اعجاب الناس الذين يعشقون ما هو منها ولها. انّ احساس المخرجة المرهف شكّل مفتاحها الى فهم الخصوصية الجماعية والفردية، وهذا ما اعطى عملها لونا ونكهة وطعما. سيناريو فيلمها قد تبدل وفق النبض والضرورة، كي يكتسي الاصالة والطبيعية والصدق. فكان ان حملته اشياء من دوما ومشمش، اكتشفتها على ارض الواقع. فأضحى العمل عالميا يستهدف كل ساكن في كل بقعة من الكوكب. عرفت "ندين" ببساطة كيف تزاوج ما بين الجامد والمتحرك والكلمات. فأضح الكل الى حد بعيد جسما واحدا، لمشهد واحد، وبرسالة واحدة وصلت الى المشاهد ببساطة كلية. المخرجة "ندين لبكي" وبطلتها "ايفون" شكلا انموذجا نسائيا لبنانيا تخطى الحدود حتى النجومية، علماً أنّ الفيلم قد اختلط بالامكنة، فصار مثلا جزءا من ماضي دوما وحاضرها. وتحوّل الى حكاية على لسان الاطفال، تماما كما حدث لمّا صنع سفر برلك في غالبيته هناك. اخيراً، لست "هلأ لوين؟". الا اني اريد له ان يسير وراء امثال "ندين لبكي" و"ايفون معلوف"، بعد ان سئمنا السير مع الساسة الى الوراء. ارى مدرسة العربية القديمة والممثلة الحالية تحمل مكبّر الصوت مجددا وتدور على اللبنانيين داعية اياهم الى النهوض من كبوَتهم. اراها تحمله تماما كما في حرب تموز، وتجول على احياء البلدة داعية الناس الى الاعتصام والتظاهر استنكارا لضربات اسرائيل. اسمع صوت "ايفون": "يا عالم يا هو. قوموا. انتفضوا. يا اموات قوموا. ويا نيام انهضوا. معكم الست ايفون. وافوني الى الساحة دفاعا عن لبنان بيتكم وعن اهلكم".