الأربعاء، 30 مايو 2012

اسقف العربية

بقلم مازن ح. عبّود دخل اسقف العربية الى المسرح ممسكا بيد شماسه. فالعمر الذي لم يستطع ان ينال من فكره، قد نال من جسده. بدا ممتنا للموارنة، تكريمهم له. فلم يخف الموضوع عني. فما قامت به الرهبنة الانطونية وجامعتها لم يقم به الاورثوذكس. وصل الى المنبر وسط التصفيق. اعتلاه وتكلم. فاذا هو فكر وقاد. شكر المكرمين على لقب استحقه، لمّا اخرج الفصحى من خزائنها وسبكها لاهوتا مشرقيا. فبرهن انّ المسيحيين يمتهنون العربية ايضا. اطل بنفس العينين التي عرفتهما طفلا، يوم كان يتكرم عليّ فيجالسني لمناقشة الامور الالهية. نعم لم تتغيّر روحه في عتبة التسعين. لا بل ازدادت "طراوة". طراوة قد اتى بها من معلمه المشرقي الاول. ارتقى المنبر، من جعل قومه يتكلمون لغة واحدة. وتكلم عن مصحفه "لو حكيت مسرى الطفولة"، على الرغم من انّ للعروبة مصحفا واحدا. فعلى ما يبدو فانّ لجورج خضر "عروبة" من صنعه ايضا. بان "العلم" هذه المرة، يتحضر للرحيل. فظهرت في كلمته عبارات : " البكاء على اقدام المصلوب" و "الرحمة العظمى" و" الاستغفار لئلا اطرح خارج الحنان" و" المهم أن يكتبنا الرب في سجل الحياة"... خرج عن المكتوب فأبلغنا انه يرتعب من ساعة الدينونة لانه سيدان حتما. الا انه بدا واثقا من محبة العذراء التي ستلتمس له الخلاص. اذ انه كان اسقفا محبا. "جورج خضر" اسقف العربية "المجروح" الذي يؤمن بانّ الذكاء "لا ينقذ احدا". هو الاسقف المهتم بارضاء الله لكسر الآية: «ندم الرب انه صنع الإنسان على الأرض» (6: 6). هو الحبر المنشغل بمصائر ستين مليار مسيحيّ ولدوا على هذه الأرض حتى اليوم. لكنه ايضا المتسلح بعض من الرسالة بولس إلى العبرانيين: «ما الإنسان حتى تذكره أو ابن الإنسان حتى تفتقده» (2: 6)، و«بمجد وكرامة كلّلته». فيكون بذلك ايضا مدعوا الى المجد والكرامة ايضا. ويتألم في كلمته عن نفسه وعن الاحبار لانّ "تقصيراتنا تشكل جرحا دائما للمسيح". انه الحبر الحزين الذي يرى كنيسته تتحول إلى "تجمّع بشري فيه تفاهة كبيرة". وهو االحبر الفرح ايضا عندما " يلتمع فيها ضياء القديسين". حسبه انّ سر نيل عقول الناس، عشق الله. فلا علماء في الله ما لم يكونوا "إلهيين أي غير بادئين مع الزمان"، كما يقول. وتراه يدعو الى تجدد ازلية الله في الانسان، كما في يسوع، وفق ما يرتل في كنيسته. وفهمه لذلك ما تمّ لولا "الطراوة" التي هي نتاج خمسين عاما من الخبرة. و"العلم" يكره في الحضارة الغربية انصبابها على "العقل المحض، وتأسيسها للإنسانوية المنعزلة عما هو فوق"، واعتبارها القلب "انفعال او تحرّك عاطفي بحت". فالعقل بانسبة له ليس "المكان الوحيد للمعرفة". كيف لا وهو رجل العاطفة الجيّاشة. وابن "باسيليوس الكبير" الذي يقول: " ان العقل وحده هو أداة المعرفة للطبيعة وعلومها وان الكشف الإلهي أداة معرفة الله". انّ العقل بالنسبة اليه "ينزل إلى القلب. فيقتبس الطراوة" ثمّ "يصعد إلى نفسه حرا من جموده مملوءًا حبا لتتم فيه استقامة الرأي ويبدو هكذا الإنسان واحدا حرا من محدوديّة العقل ومن انفعالية القلب". أوربا الشرقية والشرق الأدنى حضرا في كلمته ايضا التي اختتمها بدعوة الله الى حكم الارض بعد ان تعذر على الناس حكمها معتبرا انه :" ليس مهما أن يكتب الإنسان عن نفسه كلّها. المهم أن يكتبنا الرب في سجل الحياة". وكما دخل المسرح خرج منه ممسكا بيد شماسه، وعيناه الخضراوين تتطلعا الى فوق، الى ابعد من ترهل الجسد وزلات العواطف. فناشدته في سكوتي، قائلا: " سيدي وابي، اسمح لي ان أقول لكم : " يا حبرا علمتني منذ صباي، كيف اتحمل آلآم الصلب في الكنيسة ابقى في فؤآد كل من عرفك، رمزا جامعا لكل اطياف الناس. وتجاوز ضعف جسدك وعاطفتك البشرية، كما علمتنا. ولا تنسى يا سيدنا ابدا ان تقتحم الابواب التي بدأت تقفل ما بين حارتكم ومحيطها. اقتحم ابواب الخوف كي يتشارك قومكم مع محيطهم الثائر على سجّانيه. فيكونون بذلك قد ناصروا ما آمنوا به، حتى لو تحولوا بدورهم الى اضاحي غد، ابيضا كان ام اسودا، آت لا محالة" ".

الاثنين، 28 مايو 2012

ما ضاع شادي

الاثنين 28 أيار 2012 مازن ح. عبّود أمسك «شهيد» مسبحته المترهّلة، وراح يقلب حبّاتها كما يقلب الحاصد غلّته، وهو يغنّي بصوت متهدّج: «من زمان أنا وزغيري، كان في صبي إسمو شادي...». ولمّا وصل «ميخايل» صاحبه لزيارته، علا صراخه وسمعت الاهازيج. وأمر الكهل اهل البيت بـ»طبخ القهوة»، احتفاء. وعلى غفلة منهم، امسك صينية تحوي كل ما تشتهي وتطلب من الادوية. وقدّمها الى صاحبه «مخايل» بخفَر وسريّة وتأن، طالبا اليه اخذ حبّات من بعضها بسرية تامة. ثمّ راح يشرح له مفاعيلها على صحّته ووضعه الجسدي. وكان يقول لصاحبه: «خذ تناول منها يا ابن آدم قبل ان تدركك كنّتي او ابني او الاولاد. فعيونهم ضيّقة يا اخي... ألا فكُلْ، كُلْ منها بسرعة... ولا تنس قبل كل شيء ان تدعو لصاحبك «شهيد» بالخير وطول العمر والهناء. وانك لن تندم ابدا، بإذن الله. إنّ هذا الدواء ترياق بالفعل». وشهيد قد عُرف في المحلّة «بشهيد حاتم طيّ» لشدّة كرمه. وهذا ما جعله يقاسم رفاق عمره خيراته، وحتى ترياقه الناجع. الا انّ ما خَفي على كهلنا، كما على الخارجية الاميركية والكثير من قادة الدول المتقدمة، أنّ في الحياة مرضى وليس مرض. فما يصحّ لهذا المريض لا يصحّ لذاك. وحضرت «تلة السراي» وقصة «شادي» في حديث الرجلين. حيث انّ «شهيداً» ابلغ «ميخايل» انّ «شادي» ما ضاع، كما ردّدت فيروز في اغنيتها. لا بل عاد مظفرا الى البلد بمسعى من اهل «تلّة السراي» وساكنيها. موضوع «شادي» شكّل لغزا للكهلَين. فـ»شادي» هو مزيج من الخيال والواقع، لأنّ حيثيّات ظروف اعتقاله وتحريره اعادت تشغيل الخلايا النائمة منذ زمن في رأس الكهلين، وشكّلت منعطفا قصصيا هاما، فاق في اهميّته ما تقدّمت به افلام الإثارة لـ»الفرد هيتشكوك». و»شهيد» قد قرأ اشياء ايجابية في بعض ما جرى في البلد من حوادث مؤخّرا. وذلك لأنّ إحراق الدواليب مثلا، هو ضروري للتخلّص من كميّاتها المرمية هنا وهناك في البراري وجنبات الطرق. وقد نوّه بسياسة رئيس الحكومة الشيقة التي تضيّع الناس وتحيّرهم. كما بدا فخورا بالصبّي (حفيده) الذي عرف كيف يستفيد من المصائب. وحسبه انه اذا ما كان للسلم طرق، فإنّ للحروب والاضطرابات طرائق اخرى. فالصبي الالمعي عرف كيف يجمع الدواليب المستهلكة ويبيعها للمهتمّين في حرق الدواليب وقطع الشوارع، فاستجاب للطلب في السوق. وقد اعتبره «انيس» في دكّانة «الحاج» من خواص «الشطّار المركنتليّين». لم لا والاقتصاد، وفق «كينز»، يرتكز على نظرية الثمن التي يحدّدها عاملا العرض والطلب!! والأدهى في هذه النظرية هو وجود الرجل الخفيّ الذي يحرك كل شيء، تماما كما في لبنان الحبيب. وحياتنا خاضعة الى هذه النظرية الاقتصادية مع إضافات «دوغلاس نورث» و»رونالد كوس» الحميدة حول تأثيرات الفساد الذي يستشري عندنا. ما فهم الكَهلان كلمة واحدة من نظريات «انيس»، الّا انّ الاهم في كل ذلك، كان أنّ «شادي» لم يَضع، بل عاد الى اهله إثر اعمال شغب ادّت الى افادة الجميع. ولماذا السياسة إن لم تحرك الاقتصاد؟؟ فهي تصبح باطل الاباطيل. الا انّ الشاويش الذي فقد هيبته لم يكن ممتنّاً ممّا جرى. اما معلمّي مدرسة محلة الكهلين فقد تخوّفوا من انفلات الوضع وتراجع هيبة النظام المدرسي. الّا انّ ما جرى قد جرى. وما يكتب له ان يجري سيجري، اذ لم تتدخّل يد خفية. فالظاهر انّ الساحة قد افرغت زماناً من غالبية الابطال، وبدأ تبديل الديكور و»الكومبارسات» القديمة حاليا. ثمّ انّ شخصيات اكثر راديكالية واثارة وجدلا وديناميكية بدأت تهمّ للدخول اليها، والادهى انّ بعضهم يتسابق على إطعام وحش سيلتهمه حتما.  العدد 368 | 28 أيار 2012 لبنان

الجمعة، 18 مايو 2012

في رحلة حج مع الراهب الحبر الى بلاد الاغريق الشمالية

بقلم مازن ح. عبّود كانت اليونان في فوآد الفتى قصصا وقواعد ليتورجية. بشّره بها الخوري ايليا يوم كان اكليريكيا. وكان في كل مرة يأتي فيها من هناك يحمل لاولاد ذك الحي تذكارات ونسخا لايقونات. ولمّا كبر اكثر اضحت اليونان فيه نغما وصورا بثها في كيانه الخوري وديع القادم من هناك حيث خدم شماسا في مطرانية تيسالونيكي. الا انه ولمّا دخل شابا الجامعة الامريكية في بيروت للدراسة، اكتشف انّ تلك البلاد كانت، ومنذ قديم الزمان ايضا بلد الالهة الماكرة والاساطير المشوقة والفلسفة والحضارة والخمر والسقطات. ومع اقترابه من يومه هذا اضحى مدركا انّ ما يجمع بلاد الاغريق مع بلده كان اكثر من البحر والتاريخ. فممارسات الفساد هي هي، هنا وهناك. كما انّ انتشار الفساد في الطبقة السياسية وغياب المحاسبة هو نفسه في كلا البلدين. فالسلطنة العثمانية المغدورة، على ما يبدو، قد اورثت كل رعاياها طرقها وانماطها في ادارة الحكم. لم يكن مشوار صاحبي الى بلاد الاغريق هذه المرة للبحث في امور البحر المتوسط او للاسهام في فهم مشكلات هذا البلد الاقتصادية عن قرب. لا بل كانت زيارة حج في جبل المتصوفين المسيحيين من الهدوئيين الذين امتهنوا طرق الصلاة القلبية ووسائل مخاطبة روح الكون دون كلل او ملل. ذهب ليكتشف تلك القلة، من البشر المتصوفة، اكثر. والتي دافع عنها اسقف تيسالونيك-غرغوريوس بالاماس يوما. علّه ذهب الى هناك ايضا للبحث عن النور غير المخلوق الذي قرأ عنه، كما عن حقائق وقصص قديسين. ففي اقتفاء اثر القديسين وسيرهم فوائد جمة. وكان ان رافق حبر طرابلس افرام هذه السنة في مشواره لزيارة تلك الديار. وقد تألف الوفد بالاضافة اليه، من كل من: الارشمندريت انطونيوس الصوري-رئيس دير بكفتين، والايبوذياكون بارثانيوس ابو حيدر، والمهندس غابي المر. اقلعت الطائرة فجرا من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، متوجهة الى اثينا ثمّ الى تيسالونيكي عاصمة اقليم مقدونيا حيث نشأ الاسكندر الكبير. وفور وصولنا الى المدينة، اردت ان اخرج الى الشوارع كي ارى تأثيرات الازمة الاقتصادية على البشر ولدراسة احوال الناس. لقد تزايد عدد المتسولين في تيسالونيكي كثيرا، وغالبيتهم كانت من فئة كبار السن والنساء. كما غصّت الملاهي والمطاعم بالرواد حتى تمام الساعة الرابعة بعد الظهر من اي يوم عمل في بحر الاسبوع. وانك ستنزهل حتما اذا ما خرجت وعاينت كيف يرتدي رواد تلك الامكنة اجمل الالبسة. وعلمت ممن التقيت انّ الشعب هناك على شاكلتنا قد تعود ان يستدين كي يستهلك. فالازمة الاقتصادية قد زادت الهوة ما بين الطبقات الاجتماعية، الا انها لم تقدر الى حد الآن من تغيير انماط معيشة الكثيرين. وقد لفتني ازدياد عدد بنات الهوى في كل مكان وتزاييد معدلات الفلتان الاخلاقي في الاماكن العامة. كما لاحظت ان بعض الفنادق قد بدأت بزيادة هوامشها الربحية عبر الانفتاح اكثر على فئة جديدة من الزبائن من فئة الشبيبة غير المتزوجين، لضمان ديمومتها. وابلغت ايضا بأنّ هناك ثمة حركة معاكسة ايضا باتجاه الكنائس والاديار. فالازمة الاقتصادية قد ادت الى مفاعيل متضاربة احيانا على الناس. ولمّا كانت الزيارة عشية الانتخابات، ادركت حركة استثنائية لساسة اليونان في عاصمتهم الثانية. الا انّ التضارب في الطروحات اشّر بصراحة الى بروز تعقيدات اضافية في مسار الامور هناك.
في تيسالونيكي كانت لنا عدة لقاءآت بلبنانييّن سطروا في يوميات المدينة نجاحاتهم في مهنهم وحملوا ارز لبنان في وجدانهم. فأحببت في الدكتور انطوان سالم روحه المتمردة على الظلم، وحبه للتغيير. وقد اضطرته الظروف الى مغادرة بطرام طالبا، بعد ان سلبته الحرب منزله في بلدة احلامه. وهو يعمل هناك كطبيب اسنان منذ زمن. ومازال يحلم بالعودة الى بطرام بعد استعادة بيته. اما الدكتور سامر مخايل ابن الكفير، فما زالت عصارة الكفيرة حاضرة في كيانه. تدرك وادي التيم في لكنته وقصصه. وقد احببت فيه روحانيته وصفاءه. هؤلاء كانوا بعضا من قوم بلدي الذين هاجروا، طوعا او قسرا. وقد تسابقوا لخدمة من كان يمثل لهم بعضا من عبق ذاتهم وهويتهم الحائرة. وحبر طرابلس مثّل لهم الكثير مع صحبه. اما الكاهن نكتاريوس الذي نذر نفسه لخدمتنا خلال اقامتنا هناك. فهو عن حق سفير انطاكيا العظمى في ارض الاسكندر. وجهه الباسم كان يشعرك انّ ديارك تلاحقك في كل مكان. وفرحه بخدمة الحبر وصحبه دون مقابل كان ضربا من ضروب التحرر لبلوغ قامة المسيح، على ما يبدو. وكنّا نحظى باستقبال كبير حيث ما حللنا في محيط تيسالونيكي. الا انّ الراهب في الحبر كان يهرب من الاضواء بخفر ويتوارى. حيث انه كان يكتفي غالبية الاحيان بالابتسامة عند كل اطراء. ويتحاشى الكلام غالب الاحيان. فالصمت عنده هو لغة الدهر الآتي التي يجب ان نتعود عليها جميعا نحن معشر من رافقناه. دير البشارة المعروف بدير اورميليا، التابع لدير سيموناس بتراس في الجبل المقدس، والذي يضم الماية والعشرين راهبة هو محطة حج سنوية للحبر الذي كان يتكلم في راهبات الدير. ويلتقي منهنّ المبتدئات، القادمات من الكرسي للانطاكي للتعرف على الحياة الرهبانية، على انفراد لتقوية عزائمهنّ. ومن ثمّ كان ينطلق الى ضريح المغبوط بايسيوس في دير القديس يوحنا اللاهوتي في منطقة السوروتي لزيارة القديس الراقد هناك الذي زوّده بالنصح في بداية حياته الرهبانية. وقد كان يتمتم له بضع كلمات مقبلا التراب. وزيارة دير ميلاد العذراء في منطقة بانوراما هي بند دسم من بنود برنامجه وذلك لمعاودة الاخت سلوّانية ابنة اخ سلفه الياس على كرسي طرابلس. كما كان لاديار ارسانيوس الكبادوكي ويوحنا المعمدان نصيب من مشوار حجه. تركزت احاديثه مع اهل الاديار حول الله والقديسين وادوار الشباب والعولمة والعصر والازمة الاقتصادية ومفاعيلها على الكنيسة. وقد شعرت انّ الحبر كان يفضل الاستماع على الكلام، اذا ما استطاع الى ذلك سبيلا. فتواضعه وفقره وتقواه هي عناصر جعلت منه درسا. وما عاد من لزوم للكلام كثيرا. ففي يقينه انّ الانسان يفعل اكثر عندما يتحول هو شخصيا الى ما يمكن ان ينادي به. وفي ليلة المضي الى الجبل، عانقت بحر المدينة مقبلا اياها والدنيا. قبل ان نمضي جميعا، فجر اليوم التالي، بسيارة الاب نكتاريوس عدرا، الى مدينة بوابة السماء. حيث سلكنا طريق الجبل المقدس بحرا.  
في دير القديس بولس بان علينا الجبل المقدس قبل ان نبلغه. وقد بدا من البحر قلاعا معلقة ما بين السماء والارض وما بين اليابسة والجلد. فكان ان بلغنا مرفأ دير القديس بولص في 27 نيسان. وقد كان اهل الدير علّة زيارة الحبر للجبل. فالدير هو دير التوبة في درب حبر طرابلس الرهبانية كما ابلغنا الاخ بارسانيوس. وذلك لانّ الحبر وضع انسانه الاول وتوبته فيه قبيل نيله الاسكيم الملائكي (الرسامة الرهبانية). امضينا في ذلك الدير يومين ونيف. وقد تمت احاطتنا بكل اسباب الراحة. احيط الدير بكنائس على التلال من حوله. احدثها شيّد تخليدا لذكرى بطريرك الاسكندرية الراحل بطرس الذي سقطت طائرته قبالة ذلك الموقع في طريقه لزيارة الجبل. الاهم في ذلك الدير الجميل، الذي بناه القديس بولس القسطنطيني على مرمى الموج، هو شيخه الروحي بارسانيوس الذي اتخذه الحبر ابا له. وقد اطلق على شماسه المبتدئ (الابوذياكون) اسمه. بحثت عن الارشمندريت بارسانيوس- رئيس الدير طويلا. ولمّا التقيته لم اكتشف انه هو. مظهره كان الاكثر تواضعا ما بين الرهبان. ثمّ انه كان يتوارى. قيل لي انه لم يغادر ديره الا نادرا جدا. وذلك لانه نذر ان يعيش في البراري. قابلته على انفراد، بطلب من الحبر. فكان ان اكتشفت فيه انسانا متواضعا وبسيطا ومحبا وفقيرا. لم يكن متعلما، الا انه كان حكيما. لم يكن مظهره جميلا ولا هندامه انيقا. بل انّ رثاثة ثيابه ومظهره عكسا اتقاد نفسه، كاتقاد نار في جمرة. افضيت له ما عندي. فباركني وصلى لاجلي. كما زودني بتوصيات. اما الاخ بارسانيوس فقد اصرّ ان يحظى بصورة مع جده الروحي الارشمندريت بارسانيوس. فكان له ما اراد. لم يكن السبت يوم استراحة في الدير بل كان مناسبة لمعاودة اشهر رئيس ثاني اكبر دير في الجبل الارشمندريت افرام-رئيس دير الفاتوبادي. انطلقت السيارة من الدير القلعة بقيادة احد الرهبان. وراحت تتموج على الطرق التي اقتحمت التلال ما بين غابات الكاستناء البري متجهة الى دير الفاتوبيدي العظيم، للقاء شيخه. وفي الطريق، راح الحبر افرام وشماسه يتلوان علينا فيضا من غيض قصص الجبل. كقصة بطريرك القسطنطينية، الذي وافى الجبل يوما طالبا الترهب كمبتدئ، دون الاعلان عن هويته. فكان ان تمّ قبوله. وبدأ مشواره الى حين ابلغت العذراء مريم رهبانها عنه. فعادوا فاستقبلوه بما يليق ببطريرك اثرعودته من حقول الدير حيث كان يعمل. افرام الفاتوبيدي لمّا وصلنا الدير كان رئيسه بالانتظار. انحنى شيخ الدير امام حبر طرابلس، مقبلا يده. وسلّمه عكاز الرعاية. وانطلقنا جميعا لزيارة الكنيسة وتقبيل ذخائر القديسين. انحنى الحبر امام هامة يوحنا فم الذهب، مقبلا اياها. وتمتم في اذن القديس غير المتحللة همسات. همس حيث بولس-فيلسوف الكنيسة همس له قبلا اقولا غيرت الناس وعبرت الامكنة والازمنة. ثمّ اصطحبنا الشيخ الى شرفة جناحه الخاص حيث طاب الحديث في فنون رعاية الاديار والكنيسة على مسمع رئيس دير بكفتين الناشئ. عرفت الفاتوبيدي من قبل. الا اني لم احظى بلقاء شيخه الذي جعل من ديره خلية عجّت بماية وعشرين راهبا قدموا من كل اصقاع العالم. ما جعل من الشيخ افرام معروفا هو سجنه جراء جرم لم يقترفه. لقد كانت ارادة الرب كما يقول "اشعياء رئيس دير السيموناس بيتراس": "ان يعتقل افرام الفاتوبيدي كي يجعل من السجن ديرا وكي يتوب كثيرون". وهو قد اعتقل على اثر صفقة تبديل اراضي ما بين الدولة والدير بغية اقامة مشاريع رعاية اجتماعية. ولمّا بدأت الازمة الاقتصادية تمّ التفتيش عن ضحايا. فكان ان زج بالراهب في السجن عن الشعب. ما كان افرام الا وجها من نور. وكلماته ما كانت الا عسلا بريا. ادركته خلال اللقاء مطمئنا، ووديعا، ومسالما، ومرتاحا. كما كان يفوح حبا وسكينة وانوارا وانغاما سماوية.
في لقاء "افرام الفاتوبيدي" وزيارة " البروتاتون" تحدثت الى الارشمندريت افرام بمباركة الحبر افرام. وفي الحديث، عند لقاء الافرامين الشيخين في افياء حديقة مريم، لذة. فبحضرتهما تتعطل الكلمات وتنسكب النعمة. تشعر بدفء الملائكة. وتحدث هو الينا مزودا كلا منا ما يلزمه من زاد. ثمّ ودعنا وجه الشيخ افرام المشرق، شاكرين له ولديره كل البركات التي نلناها من زنار السيدة العذراء وهامة يوحنا الذهبي الفم. وتوجهنا الى كارياس العاصمة لزيارة رئاسة جبل مريم الذي يتمتع باستقلال ذاتي ويسكنه اقل من الفي راهب. استقبل الشيخ برنابا، الذي تنتدبته اديار الجبل العشرون لتدبير ادارة حديقة العذراء لوجيستيا لفترة سنة، حبر طرابلس والوفد المرافق بحفاوة. والزيارة كان لا بد منها اذ انه، بحسب التقليد الآثوسي، يتوجب على أي شخصية إكليريكية كانت أم علمانية بارزة أن تزور رئاسة الجبل، فتستلم منها رسالة ترحيبية باسم كل الأديار و المناسك الآثوسية. بعد زيارة الشيخ برنابا. كانت لنا محطة في كنيسة البروتاتون حيث أيقونة "بواجب الإستئهال". دخل الحبر بوقار الى احد اهم معالم بيزنطيا. واحنى رأسه في حضرة القديسين. ثمّ جال في عينيه متأملا في جدرانيات الكنيسة القديمة. ثمّ انتصبنا جميعا امام الايقونة، صاحبة المقام. ورحنا ننشد لها ترنيمتها "بواجب الاستئهال". فانحدرت افياء الرسومات الينا كي ترفعنا الى فوق. كما رنمنا ظهيرة ذلك اليوم لاورشليم وللقيامة مضيئين الشموع في تلك الزاوية المقدسة، على الف نية ونية. فتذكرت الامبرطور البيزنطي ومغنيه يوحنا كوكوزاليس الذي قدم الى آثوس متخفيا الى ان تمّ اكتشافه ينشد في الحقول وهو يرعى ماشية الدير. فتحول من منشد الامبرطور الى منشد الكنيسة. ثمّ بان عليّ يوحنا الدمشقي والحانه الدهرية. فأختلطت افياء انطاكيا بأنغام الجبل المقدس في حضرة ام الاله. ارجعتنا السيارة الى دير بولس الاثوسي سالكة دروب الجبل المقدس المطلة على بحر ايجيه ومقتحمة سحر غابات تلك الخطيئة. ثمّ كان غروب ووافى سحر الاحد. فترأس الحبر القداس الالهي في الدير المضيف قبل ان نتناول طعام الغداء ونتوجه الى دير السيمونوبترا. دير" السيمونوبتر" وصلنا دير سمعان الاثوسي بعد ظهر احد حاملات الطيب. وقد شيّده القديس على ظهر صخرة كبيرة. وقد اريد لكنيسته ان تكون على اسم ميلاد المسيح. قال فيه الاخ برسانيوس، في رسالة ارسل بها الى لبنان: "انه بيت لحم"، مشبها الوفد المرافق لحبر طرابلس بالمجوس. تزامنت زيارتنا للدير مع قدوم المطران كاليستوس وير الذي اتى اليه برفقة كبار اساقفة كانتيربيري ووفد من البطريركية المسكونية. الارشمندريت اشعيا رئيس الدير رجل محب وودود ومضياف ومنفتح للغاية. وقد اتقن مع رهبانه فنون الضيافة وطرقها. ولاعجب ان يتحول دير الصخرة الى مصنع لكتابة الصلوات ونظمها وتلحينها!! غصّت اروقة الدير بقصص القديسين وتميّز اهله بمحبة انطاكيا واهلها. فاستضافوا رهبانها وحجيجها في افئدتهم دون مقابل. الهموا ملحنيها. فكان شدو حمطورة الرائع في لبنان. سيمونو بترا هو دير الراهب المعاصر غريغوريوس الذي لحّن لمريم شعر القديس نكتاريوس العظيم "عذراء يا ام الاله"، والراهب اثناسيوس ناظم تسابيح الكنيسة. فرهبان المقام ينقلون الى اهل العالم، ممن كانوا ينظرون الى فوق، بعضا مما كانت الملائكة تنشده للجالس على العرش وامه. كيف لا وهم قد استقروا على جناحيّ نسر يوحنا اللاهوتي البشير المسلط على كل شيئ!!
التقينا في «سيمونو بترا» أناسا كزبد البحر الضارب على اطراف الجماد. قابلنا الشمّاس سيرافيم خوري من بطرام الذي افرحنا باتقاده وتواضعه وثقافته. لم يتقاعس سيرافيم في خدمة الحبر وصحبه، كما لم يتلكأ أيّ من رهبان ذلك الدير في تأمين اسباب راحتنا. ووافى الغروب، وعَلت الترانيم لربّ الكل، ووافى المساء. فكان ان التقيت الاب مكاريوس الفرنسي الجنسية في حديقة المدافن. فكلمني في الحضارة، وأزمات العالم النابعة من الازمة الاخلاقية التي نشأت ابتداء من القرن التاسع عشر، والتي تتزايد تباعا حتى نهاية الروح التي فينا. اختلط الزمان عليّ في ذلك الدير، فتناثرت الساعات كلحظات. وسرعان ما انقضت مسافة اليومين حتى مضيت لملاقاة الحبر وسائر الوفد في دير «الكسينوفوندوس»، المحطة الاخيرة في رحلتنا السداسية الايام الى الجبل المقدس. وهم كانوا قد مضوا للحج في قلاية القيامة التي تحتلّ مكانة مميزة لدى كل انطاكي، بوَصفها مكان إقامة الدائم الذكر الاب اسحق الاثوسي من نابيّه من جبل لبنان. دير ‎»الكسينوفوندوس» كان الارشمندريت الكسيوس رئيس الدير جوهرة ذلك المكان الذي يعد من اقدم مواقع الجبل، على رغم جودة الكنيسة الرئيسية التي كانت الاكبر ما بين كنائس الاديار في الجبل. وقد وافى شيخ الدير من ميتيروا هرباً من الناس في منتصف القرن كما ابلغ حبر طرابلس. وجاد في الكلام عن قصص القديسين والجهادات، والقصص والتوصيات كانت تستهدف بشكل اكبر رئيس دير بكفتين لزوم تزويده بما يلزم لاستكمال مشواره الرهباني وبناء مجتمع رهباني مثالي. الدير اتخذ من القديس جاورجيوس شفيعا له، كما القديس ديمتريوس. وجاروجيوس قد تجلّى لأهل الدير كفائض للطيب ايضا. والدير الذي حظي بزيارة من البطريرك المسكوني في التسعينيات، كان يستعد للاحتفال بعيد شفيعه خلال تواجدنا هناك. أحببت في ذلك الدير ضخامة كنيسته الرئيسية وجمالها. لفتتني صورة علّقت على حوائط احد قاعات الاستقبال، وقد كانت لبطريرك انطاكيا اغناطيوس وللبطريرك المسكوني برثلماوس في قداس احتفالي. فقلّما تدرك مثل تلك الصور في بلاد الاغريق. ووافى الفجر، فشارك الحبر في الصلوات والقداس، ونحن كنا معه. تناولنا الطعام مع محفل الرهبان في صالة المائدة التي تتصل بالكنيسة ماديا ومعنويا. ومضينا عائدين الى تيسالونيكي. ودّعنا الجبل، ونحن نستعد للانخراط في العالم من جديد. الّا انّ كلاً أتى محمّلا بزاد. عدنا على امل ان يكون قد تغيّر في كلّ منا شيء ما. اما الحبر وشماسه فقد اكملا مشوارهما الى بلاد الغال، حيث تنتظرهما مسالك ودروب اخرى تتفرّع من حيث كانا. وكلّ اكمل طريقه وفق برنامجه المعد من قبله سلفا. اما انا فرحت أوضب اغراضي في طريق كي اعود الى لبنان. ورحت افتكر في حملي الثقيل من الافكار السوداء احيانا التي قد تتحوّل أقوالا. ومن ثمّ تتطور الى افعال محبطة، فممارسات قد تصبح عادات غير مضيئة. وقد تصنع لي مستقبلي. فأكون بذلك، قد رسمت قدري بيديّ. وهذا ما لم أرده. عدت من فوق الى تحت وفي بالي ان ارتفع مجدّدا، فأرفع من معي. وهذا ليس بقدرتي. عدت وفي يدي مسبحة صلاة وتمتمات ابتهال الى من يقدر أن يغيّر من لا يتغير.  جريدة الجمهورية العدد 361 | 18 أيار 2012 لبنان
الصفحة 26 | الصفحة 27

الأربعاء، 9 مايو 2012

انوار صخرة سمعان

خرج النورانيون من بني آدم الى معابدهم زمانا قبل انبلاج الفرج كي يستقبلوه بصلوات وترانيم. وفجرهم كان ناصريا ولد منذ ما قبل الفي عام من حشاء بتول كما كانوا يؤمنون. نذروا لهم حياتهم كيف لا وكل منهم كان في وجدانه ومضة او فكرة حتى قبل ان يتوهج بسواده انوارا ودفئا. اما انوارهم فلم يخلقها بشري بل هي من الله. كيف لا وهم قد اضحوا ابناءه بالتبني. اولئك هم قوم صاحبي ممن يصلون للعالم كي لا يغرق في الظلام. ما منعتهم شدة ولا اوقفتهم نائبة عن جهادتهم لبلوغ الحقيقة. ومعلمهم هو الحقيقة المطلقة لانه هو الله. فهم قد اضحوا ابناء الله. لما لا وهو قد اضحى ترابيا كي يصبح الترابي نورانيا. وصاحبي هو ظلي الذي راح يتأمل كل ذلك بصمت. حيث انه وافى الى هناك برفقة حبر شيخ وابنه بالروح ورئيس دير واكليريكي. اما المكان، فهو حديقة مريم في بحر ايجيه الذي صدت بواباته امام كل النساء الاخريات الا هي. مريم التي تزوجها قوم الحديقة. وما عادوا يلتفتون الى غيرها. والحديقة كانت اصبعا امتدّ في بحر الاسطورة. فغصّت بقصص القديسين والعصافير والمخلوقات البرية، كما بابناء آدم الهاربين الى تلك البرية بحثا عن انوار غير مخلوقة. وتضافر الراقدون والاحياء مع كل مخلوقات الله لتمجيده. وقد رفضوا الشيطان واعماله وحضارته الزائفة. فتناغموا مع حيوانات البرية لتمجيد الكائن منذ الازل والى الابد. فروضوا الافاعي وتلمذوها، كما كل الحيوانات المتوحشة التي خضعت لشيوخهم. عرفوا ان الحياة ظل وبانّ العمر عشب سرعان ما يذبل. فأهملوا الفانيات. وعملوا للباقيات. جعلوا من آثوس، على قدر ما عطوا، ظلا للفردوس حيث الخضرة وامكنة الراحة، حيث لا وجع ولا ملامة بل نور وجه ا
لعلي. آثوس الجبل الذي حاوطته المياه من الثلاث جهات دون ان تغرقه. اصبع مريم المنغمس في بحر ايجيه. هو ببساطة فسحة امل اخرجها الله من تحت البحار، من حيث اساطير الاغريق، الى فوق كي يشهد الناس فيها للحق. ذلك الجبل هو قبلة قوم صاحبي. ليس موناكو ولا ما يشابه اي مكان من امكنة البشر بل انه انتمى الى مدائن الله التي لم تخرج كليا من الوحول او من المياه. وكان ان تذكر صاحبي كل فلسفة الاغريق وعلومهم وفنونهم التي جهّلها المسيح بمجيئه. وللحظة بانت عليه اطياف اوديسايوس. فخاطبه ظلي، قائلا: "لا، لا تحزن يا اوديسايوس على نفسك وامك وعلى اوغيمنون وسائر رفاقك بعد اليوم ممن سقطوا. لانّ الهنا قد اخرجكم من الفراغ. اخرجكم من سطوة الالهة ومكرهم. نعم لقد اخرجهم من حيل "كاليبسو" اله البحر اللعين وعروضه الفارغة. قدّس لهم بحر ايجيه. واضحت حروبكم بعد اليوم داخلية، ان ارادوا. وافاكم الناصري كي تحلّ الحقيقة مكان الاسطورة. كي يحلّ النور مكان الظلال. اطرب يا ارسطو. وانتعش يا افلاطون لانّ الزمن الحقيقة قد وافى. وها انّ اولادكم من بعدكم قد اهتدوا. فأدركوا ما لم تتمكون من ادراكه. ثمّ ارتفعت الصلوات في آثوس مع غروب الشمس عن عالم دفن بغالبيته الاله في الكنائس ودفن قيمه ونورانيته معه. ارتفعت الصلوات في فسحة الاحياء التي تضج مقابرها بالحياة. وعلت اصوات المباخر. اما صاحبي فقد وضب حقيبته عائدا الى عالمه لانّ ظلال الفردوس تبقى للقديسين ممن نذروا الطاعة والفقر والعفة على رجاء العودة في مناسبات اخرى. دير سيموناس باتراس (صخرة القديس سمعان) الجبل المقدس-اليونان

مازن عبود:البلدية مسؤولة عن التأخير بجسر جل الديب ولتغيير وجهة التظاهر

الثلاثاء 08 أيار 2012 رأى المستشار والناشط البيئي مازن عبود، أن "هناك مشكل في تظاهر المواطنين أمام جسر جل الديب وكان الأجدى أن يتظاهروا أمام مجلس الوزراء، وليس أن يقطعوا الطريق على المواطنين الذين لا دخل لهم"، واضعا "مسؤولية التأخير بإنجاز المشروع على البلدية التي تراعي مصلحة هذا الشخص وذاك لعدم تمرير الجسر من أمام بيته". ونصح أهالي جل الديب بـ"تغيير وجهة التظاهر". وأوضح في حديث الى قناة "LBC"، أن "الحكومة اللبنانية مهتمة بشؤون أكبر مما يعكر صفو البيئة كالملاك البحرية وغيرها". ولفت الى أن "أداء وزير البيئة يحظى بالدعم وهذا نابع من ثقل وزير البيئة السياسي وقربه من رئيس الجمهورية". في بواخر إنتاج الطاقة، أكد عبود "وجوب درس الخطة ومدى تأثيرها على البيئة ومدى فاعليتها وكمية استهلاكها للفيول"، لافتا الى أن "كهرباء لبنان لا يمكن أن تستمر في ما هي عليه"، مشيرا الى أنه "لم يطرح أحدا الإصلاح في مؤسسة كهرباء لبنان". http://www.elnashra.com/news/show/471230

الاثنين، 7 مايو 2012

افرام يزور آثوس ويعاود افرام رئيس دير الفاتوبيدي مطلعا على احوله

قام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الاورثوذكس افرام كرياكوس بزيارة سلامية دامت لستة ايام الى جبل آثوس في اليونان على رأس وفد من الاكليريكيين والعلمانيين(الارشمندريت انطونيوس الصوري، الايبوذياكون بارثانيوس ابو حيدر، الكاتب مازن عبّود، والمهندس غابي المر). وقد تمّ استقباله بحفاوة من قبل عدد من رؤوساء الاديار التي زارها حيث شارك في قداديس وصلوات. وتمّ تبادل للهدايا. بداية زار المطران افرام رئاسة جبل آثوس حيث استقبله حاكم الجبل الشيخ برنابا. وجرى البحث في شؤون الجبل والكنيسة. ومن ثمّ كانت له زيارة لرئيس دير الفاتوبيدي الارشمندريت افرام الذي اعتقل مؤخرا في السجن جراء خلاف عقاري مع الدولة اليونانية، وذلك بعد احتدام الازمة الاقتصادية في اليونان. رئيس ثاني اكبر دير في جبل آثوس - الارشمندريت افرام خصّ حبر طرابلس باستقبال ملفت. وقد أهداه عصا رعاية شاكرا له دعمه ومحبته. افرام ترأس خدمة القداس الالهي في كنيسة الدير المضيف القديس بولس (ايوس بافلوس)، وذلك بمشاركة رئيس الدير الارشمندريت بارثانيوس ولفيف من الكهنة والشمامسة. هذا وقد شكر المطران افرام رئيس الدير بارثانيوس على الدعوة والحفاوة. كما لبى المطران افرام والوفد المرافق له دعوة رئيس دير سمعان الصخرة (سيموناس بيتراس) الارشمندريت اليشع للاقامة في الدير. وقد التقى المطران افرام على هامش فطور تكريمي في الدير كلا من المطران كاليستوس وير-حبر بريطانيا للروم الاوروثذكس ورئيس الكنيسة الانكليانية روان ويليامز. ثمّ كانت له زيارة الى قلاية القيامة حيث نسك الاب الانطاكي الراحل اسحق عطا الله. قبل ان يختتم رحلته بالمشاركة في قداس في دير اكسينوفوندوس حيث استضافه الارشمندريت اليكسيوس رئيس الدير في يومه الاخير في الجبل.

فوتين وعظام زوجها وساسين والاسكندر


"فوتين" امرأة عاشت حياة قوامها العفة على رغم ترملها باكرا جدا. ترملت بعدما رزقت بنين وبنات من زوجها المرحوم "نجيب" من الحي "الفوقاني" الموازي لجسر "وادي النوس العظيم". ترملت وما كانت قد تخطت مسافة العشرين عاما من العمر. وقد بلغني من جاراتها اللدودات، انها بكت يوم فراق زوجها كثيرا. وانتحبت على ليالي الانس معه وعلى قدراته. حتى اسكتتها خالتها يومها طالبة اليها تحسين مضامين خطابها في الراحل وعشرته. بكته على الرغم من انه قد تعذّب كثيرا وعذبها. وما اورثها الا ازمات مالية و"صيصانه" اي اولاده. ويحكى ايضا انّ المستشفى رفضت تسليمها جثته اليها الا بعد دفع كل مستحقات الاستشفاء. فتركت ومضت عائدة الى محلتها. الى حين تمّ التوسط لديها للقدوم واستلام المائت ودفنه بغية الحد من الخسائر. مرارة الايام مرمرت صاحبتنا. فأمست انفعالية وعنيفة. وتمرمر لسانها الذي كان يلبي على جناح السرعة، رغبات الهجوم والدفاع الكلامية لديها. فكان ان اضحت على تماس دائم مع غالبية سكان الحي. وقد كانت في كل مرة ترشق احدهم بنبال لسانها تسحب لائحة طويلة وتشطب منها اسما، مدندنة: "يلا بالناقص واحد. لشو الكترة...". هذا كان قبل ان يوافيها الخوري ايليا حاملا اليها ايقونة جلبها من زيارة حج الى اليونان. والايقونة كانت رسما للقديس "ساسين" يتأمل في عظام "الاسكندر الكبير"، مستوضحا منه اين يذهب المجد والسلطة والجمال والقدرة، وسائلا اذا ما كان احد يستطيع الهروب من الموت. نال الرسم اهتمام "فوتين" واثار فضولها. فرغبت بمعاينة عظام زوجها "نجيب". فسألت "يوحنا شيخ القبور" الذي تجاوب معها. واصطحبها الى تحت الى مدافن "مارسركيس". حيث عاينت جماجم اناس من عشيرتها، احبت بعضهم، وكرهت بعضهم الاخر. فكان تشتم اذا ما ابلغت عن جمجمة عدو. وتتحسر ناحبة اذا ما لامست صديق. وتتطلع في افواه جماجم النساء لترى كيف تختفي الالسن عنها. الى ان ادركت جمجمة كبيرة. ابلغت بانها لزوجها "نجيب". فأمسكتها طويلا. وتطلعت بها جيدا. ثمّ راحت تتأمل في كل تفصيل فيها، مرددة كلمات سرية، احبّ "يوحنا شيخ القبور" ان يسمعها. لما لا واللقاء ما بين الزوجين المنفصلين بفعل الموت زمانا، حدث بمعيته هو شيخ القبور!! فدمعت عيناه من حرارة ما رأى للحظة. كان ذلك قبل ان تنبري "فوتين" وتصيح، رامية جمجمة زوجها على الارض: "رأسك كبير، كل عمرك رأسك كبير. لم يقدر احد على كسره حتى الموت!!!". وعادت الى منزلها مبلغة بعض من جاورتهم، عما عاينته هناك وعن احوال اهلهم. فكان ان اطلق عليها لقب "ساسينة" تيمنا بالقديس "ساسين". وطلبت من ولدها تصوير رحلتها الى مدافن "مار سركيس" بعد وفاتها كي تكون عبرة لاجيال تلك البلدة واهلها الطيبين. ورصدت للمشروع مبلغا من المال جمعته من عرقها وحياكة ابرتها. هذا كان في رحلة "فوتين" الى المدافن. وانت اما حان دورك كي تزور المدافن فتدرك بأنك راحل حتما، فتتغيّر قبل ان تطوى اقمستك؟؟