الخميس، 27 ديسمبر 2012

احتفال ميلادي في دوما على انغام موسيقى الجامعة اللبنانية الاميركية

الإثنين 24 كانون الأول 2012 الساعة 09:32 وطنية - احيت فرقة الجامعة اللبنانية الامريكية وبدعوة من جمعية المحافظة على التراث وفي إطار احياء تراث محلي يعود الى عشرين عاما حفلا انشاديا ميلاديا في كنيسة سيدة النياح الرعائية في بلدة دوما البترونية في حضور رئيس الجمعية المهندس حنا ايوب ، ورئيس الهيئة العليا للتأديب القاضي مروان عبود، ورئيس البلدية جوزيف خير الله المعلوف، والمختار نقولا الباشا، والارشمندريت انطوان سعد والاهالي. ادارت فرقة الانشاد السيدة ليلى دبغي وعزف على البيانو الدكتور فادي كلاب . والقى امين سر الجمعية الكاتب مازن عبود كلمة باسم جمعية التراث فرحّب بالفرقة في ربوع دوما وشكر للجامعة اللبنانية الاميركية (LAU) مبادرتها لزرع روح الميلاد في قلوب اهل البلدة. واعتبر "ان المنشدين هم قادة، اذا ما كانت القيادة فن زرع الامل في نفوس الناس وذلك لان املهم رجاء"، واشار الى "ان تكوينات الفرقة وتناغمها تعطي صورة حقيقية عن لبنان والشرق الحاضنين للاديان السماوية التي تتفاعل وتتناغم بسلام". وبعد انتهاء الاحتفال الموسيقي، انطلق الجميع الى ساحة دوما حيث اضيئت شجرة العيد على وقع الأناشيد . ==========================================

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

كان عيد وما كنت يا أبت!

منبر مازن عبود 2012-12-07 كان عيد احتفاء بقديسَي انطاكيا الشهيدة بربارة البعلبكية والمعلم يوحنا الدمشقي. دخلت الكنيسة تلك العشية، ولم اخرج منها حتى ساعات الفجر الاولى. ارتفعت الكنيسة بتراتيلها وبالاطياب السماوية، كبرت. وسعت حتى صار لقاء ما بين الارض والسماء. وافى الحماطوريون لإحياء المناسبة، كما جوقة صاحب العيد. تقاطرت طغمة من رؤساء الاديار والكهنة والشمامسة والرهبان. ارتفعت تلك الكنيسة الارضية بناسها الى العلى لساعات، مخلفة وراءها ارضا تتخبط دماء. كانت الملائكة تشدو في الداخل. اما في الخارج فكانت اناس تبكي. كان اهل المعلم الدمشقي يبكون من هول العنف. واصواتهم كانت تصل الى مسامع الحمل المذبوح لاجل العالم. كان ينظر اليهم بعطف ويرفعهم اليه. فرحنا اذ أن المناسبة هي شريفة وقد اقيمت لمعلم وشهيدة. المعلم كان زعيم ناظمي الاناشيد والشهيدة كانت بعلبكية اسقطت كل الاقنعة. راحت جوقتا الشمال واليمن تغردان باجمل ما لحّن يوحنا الدمشقي وسائر ناظمي التراتيل. الكل كان يشدو. والايقونات كانت تزهو. خرج معلم دمشق من ايقونته، حمل ايقونة والدة الاله وسار ما بين محفل الكهنة الذين حملوا ايقونته، وهو المدافع عن الايقونات. خرج الدمشقي من الخشبة والزيت مرتاحا ومسرورا. وقف قرب العرش ينظر كل منا. ابتسم فاعاد الى اذهاننا قصته مع ام الاله. ارانا اليد التي قطعها له الخليفة واعادتها له مريم. شددنا في الايمان. وابلغنا بأنه قد وافى اليوم كي يفتقد حبر انطاكيا وسيدها. انتصب قرب عرشه، وقد انتصبت قبالته بربارة، تلك التي خطبها يسوع له يوما، فقضت من اجله. كان بخور ودفء وترانيم. وملائكة تسبح. وبشر تخرّ. وكان ليل. وكان نور ونهار، الا انه غاب عن تلك الامسية من كان ينتصب على كرسيه كل سنة. فيرصد كنسر كل نغمة من اصداء منشديه. غاب عن المناسبة ذاك الذي سمع في ايامه الاخيرة يخاطب ربه شاكيا له اوضاع قطيعه الصغير، وطالبا منه النصح والغفران. ذكر على المذبح كبطريرك للمرة الاخيرة. اذ انه ما كان توارى بعد. الكل كان في السهرانية يرتل ويصلي من اجل البطريرك. كانوا ينتظرونه. وكانت كل طغمة بخور ترتفع الى فوق على نيته، محملة بكل الامنيات له بالشفاء. فما زالت الحاجة اليه كبيرة على رغم تقدمه في السن. ما زالت الحاجة كبيرة الى حكمته وتبصره في زمن التقلبات والتبدلات. فقطيعه الصغير ينتظر منه كلمة سواء، هو الذي يعمل ما يوافقنا ويتوارى. هو الذي يسير ما بين الاضواء من دون ان تدركه. البطريرك اغناطيوس المتقشف والسهل والممتنع. ذاك الذي ما كان يكشف سره الا عند الضرورات، التي لها احكامها. انه الرقم الصعب في كنيسته، الذي له رؤية خاصة بالكنيسة وادوارها. هو ابن "محردة" البار الذي اخذ عن الغربيين حبهم للعمل ورغبتهم في تطويع التقليد لخدمة العصر. هو الذي يقول انه لم يستطع ان يفي والديه فضليهما، فكان ان بنى على روحهما كنيسة في الضيعة. فالاسقف لا يعود لاهله بل لابرشيته، كما كان يقول. البطريرك اغناطيوس، سيد تلة البلمند التي اوكلته نطارتها مريم العذراء، فأقام هناك جامعة واناط معهد اللاهوت الى المعلم الدمشقي يوحنا القديس. حبر المريمية وباب توما وانطاكيا وكل المشرق غيّبه المرض عن كرسيه في صرحه المفضل هذا العام. لكن بالجسد ليس الا! ادركوه مرارا في الايام الاخيرة يتكلم وحده. فعلى ما يبدو كان يناجي ربه وشفعاءه. ليتكم كنتم معنا ماديا في تلك الامسية يا أبت. فالانغام كانت رائعة يا سيدي البطريرك، تماما كما ترغبون يا صاحب الغبطة. وجوقتا اليمين والشمال افاضتا عطورا نغمية فواحة في كنيستكم الضاربة عميقا جدا في التاريخ. فالكل ضيوف عندنا في هذا الشرق، يا سيدي، كما كنتم تقولون، ولمن اراد ان يقرأ التاريخ. انغام تلك الامسية، يا سيدي الراقد، طرب لها من اتى ليحملكم الى فوق. عنيت به زعيم ناظمي التسابيح يوحنا، صاحب العيد وحبيبكم. كنتم هناك ولم تكونوا. ليس بالصدفة ان يبدأ مخاضكم في تلك العشية، وينتهي مع عيد القديس سابا المتقدس حيث امضى يوحنا الدمشقي آخر ايامه، في ديره. كلا ليس من باب الصدفة! فلكل شيء رمزيته في كنيستنا يا رب البيت. لقد شغلت اوضاع قطيعكم الصغير تفكيركم، وها انتم اليوم تشغلون باله. حملتموه في وجدانكم حتى الموت، ويحملكم هو اليوم في صلواته. والله يضبط الخليقة بأسرها. سيدنا وبطريركنا القديس، يا وريث بولس واغناطيوس، أسأل شفعاء انطاكيا ان يلتمسوا ثباتنا وخلاص نفوسنا.

الاثنين، 3 ديسمبر 2012

مازن عبود نبه من تزايد وسائل النقل العاملة على المازوت

الإثنين 03 كانون الأول 2012 الساعة 09:37 وطنية - لفت المستشار البيئي مازن عبود في بيان له اليوم وزارة الداخلية الى تزايد عدد السيارات ووسائل النقل الاخرى العاملة على المازوت بشكل مخالف للقانون. واعتبر "ان هذا يؤدي حتما الى تراجع نوعية الهواء في المدن واختناق الناس". وسأل :"كيف يسمح لمثل هكذا آليات السير على الطرق العامة، وذلك من دون الخضوع للكشف الميكانيكي، وفي حال اخضع البعض منها، كيف تم تمريرها في مصلحة تسجيل السيارات؟". ورأى "ان لتلوث الهواء مفاعيل كبيرة على ارتفاع الفاتورة الصحية وعلى تراجع اعداد السياح في البلد". مبديا "الخشيته من تزايد هذه النوعية من الاليات في المدى القريب في ظل التفلت من الضوابط القانونية نتيجة الفساد وجراء ارتفاع اسعار النفط وتردي الوضع الاقتصادي وتراجع هيبة الدولة". ============================أ.أ.

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

المحطّة الأخيرة

اقلعت الطائرة من حيث حطّت اصلاً. فحملتنا الى «بوسطن»، المحطة الاخيرة من المشوار الطويل. المسافة الزمنية لم تكن كبيرة. الّا انها كانت ضرورية كي أعيد رسم «نيويورك». وجلت مجدداً في كل مطارحها الجميلة: حديقة "السنترال بارك" الخلّابة، ومتحف "المتروبوليتان" حيث تركت مصر فيه منها قطعاً ومعبداً... عرّجت على الشارع الخامس حيث النخب المالية العالمية من الأذكياء ممن يريد بعضهم لنا ان نصبح كائنات ممغنطة في عالمهم الوهمي تُحرَّك كدمى مسرح الاطفال. فيمسكون بنا، بغرائزنا وحاجاتنا مستعملين علوم هذا العصر وطرقه للتحكّم بسلوكنا، لكشف اسرارنا ورصد تحركاتنا. فنرتبط بحاسوب. ونفرح لذلك!! خشيت"نيو يورك" لانني مقتّ اذكياءها، مقتي لأزمة التقلص المالي واسبابها. وخشيتي منها لانها "العولمة" المستوحشة. وانا اكره ان اكون قرداً ممغنطاً. ثمّ راحت "بوسطن" تمحو اطياف "نيويورك" كلما اقتربنا منها. "بوسطن" في وجداني هي كلّ الولايات المتحدة الاميركية. فهي قصص شتوية للعمة "ام سليم" ايام الطفولة، وفي ازمنة الشتاء الباردة!. هي قصص لتلك المرأة القائدة والخضراء، وقت تصبح القصص في جبالنا اثمن من الدفء. حين ترحل الشمس وتضحي الليالي دهرية. فتسكن "عوالمنا" الخيالات. حين تحلّ الثلوج ضيفاً ثقيلاً على الجبال والناس والحارات القرميدية، تقعدنا في بيوتنا، تخرق مواقد حكاياتنا ونيرانها جبة الغيم الداكنة وصهيل البرد الراكض "ادخنة"، "ادخنة"، وتحملها جيوش الريح آمالا الى القمم. كنت متشوقا للقاء "بوسطن" شوقي "لأم سليم" التي سَلَبَتْها منا صنارات الحياكة كي تصنع للفلك غطاء من نجوم. او كي تصمِّم لشجر الحقول زينة في الميلاد وتصنع اطباقاً بطعم الصعتر وحلو التفاح لملوك الجان. وصلنا "بوسطن" ظهراً. ولمّا بلغتها، وجدتها منشغلة بأخبار ابنها، المرشح الجمهوري للرئاسة- ميت رومني. فالموسم كان انتخابياً. وحمّى السباق كبيرة. كما انّ الاعصار ما كان قد حصل بعد. فتغيّر المزاج. وجدتها جميلة تتلألأ تحت انوار الشمس الضاربة على مرفئها. "بوسطن" تلك التي لها قلب اوروبي خالص في جسم اميركي. وقد حوت حديقة جبران. ازدانت بالجامعات العريقة، كما بالنصب التذكارية. استمتعت جداً في الوسط التجاري لتلك المدينة. وتوقفت ملياً امام نصب المحرقة المؤلف من ابراج زجاجية صغيرة ستة وممرات فيما بينهم. احببت جداً ما كتبه "مارتن نيامولر" على بلاطة: "اتوا اولاً لاصطياد الشيوعيين. ولم افتح فمي لأني لست شيوعياً. فوافوا لاصطياد اليهود. ولم اتكلم لأني لست يهودياً. ثمّ اتوا لاخذ الكاثوليك. ولم اتكلم لاني كنت بروتستنتياً!. واخيراً اتوا من اجلي. ولم يكن حينها احد بعد على قيد الحياة كي يتكلم ويدافع عني". تأملت عميقاً في الكلمات التي سجلتها في يقيني. الّا أنّي حزنت جداً. فالتاريخ بمجمله ردود فعل. فابناء ضحايا الامس تحوّلوا الى جلاّدي اليوم. ومازالت الحاجة كبيرة الى من يتكلّم في وجه الظالم. لانّ ظلم انسان واحد هو ظلم بحق البشرية جمعاء. اذ انك تنتهك الانسانية التي فيه. ورحت اجول في معالم المدينة القديمة. واتحسس التاريخ الطالع من ابنيتها. والأديم يرمي علي بعض من رذاذه الخريفي. استوطنت تلك الارض العائلات اللبنانية كعائلة "اسحق" التي استضافتنا على مادبة عشاء. وواكبتنا في مشوارنا. كانت روح العائلة اللبنانية فيهم تضيء تماماً كعائلة "سعد" ايضاً التي اظهرت كل اللباقة في التعاطي معنا، فأرتنا مفاتن المدينة. واصطحبتنا الى المطار. ما غادرت "بوسطن" الّا بعد ان قابلت "هدى" الصغيرة حفيدة العمة "هدى". وقد اضحت دكتورة في علم النفس تعمل في احد معاهد الابحاث هناك. التقيت الحفيدة، فاسترجعت معها الماضي وجدّتها. فشعرنا انّ الارواح تسكن القصص. احببت "بوسطن" المدينة المحافظة والقديمة والمثقفة والهادئة. رغبت في ان ابقى فيها اكثر. الّا انه لي وطن. ولي حبيبة تنتظرني، تتخابط مع الزمان لاستعادتي، وانا لاستعادتها. ولي اهل و"صحاب" ورفاق يأملون في رجعتي الى "اورفليس". كانوا ينتظرونني، ربما كي ندفن سوية امواتنا واحباءنا. علّه كي نحلم معاً بغد افضل. ومن ثمّ نُحبط معا. "بوسطن" ارتسمت في بالي المدينة الهانئة التي خطّتها اقلام خريف "ماساتشوساس" الواناً دافئة. شوارع حمراء وبرتقالية تفصل، تربط ما بين الحداثة والتاريخ المعاصر، وما بين الخريف والمشاعر الجيّاشة والاوراق المتساقطة. في بوسطن شعرت في انجذاب ورغبة بالعودة الى حبيبتي والى ارضي. وغادرتها على متن طائرة مغادرة الى اوروبا، فبيروت. ووافى من بعدي الاعصار. وإنّي لم ارغب ان يأتي بعدي. نعم، فانا لم ادعوه. عدت من "بوسطن" الى بيروت. وانا محمّلٌ ببعض عطور بلاد العم سام وقصصها. كما تسلحت بكلمات القس"مارتن نيامولر" بغية استكمال ما قد بدأته. فمن غير الجائز ان اسكت واستكين على الظلم. فيفاجئني الوحش يوماً. ذاك الذي يستفرد الناس. فيصطادني وحيداً على حين غفلة. ولا يكون احد بعد على قيد الحياة كي يتكلم...

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

Mazen Abboud encourage l’augmentation des taxes sur les anciennes voitures

L’écologiste Mazen Abboud a salué hier la décision gouvernementale d’augmenter les taxes sur l’importation des voitures usagées, estimant que cette mesure aurait des répercussions positives sur l’environnement, en contribuant notamment à réduire la pollution de l’air et l’intensité du trafic dans les villes. Il a rappelé que « les voitures anciennes dégagent plus de gaz à effet de serre que les nouvelles ». Il a estimé que le coût de la dégradation écologique résultant de la pollution et du trafic est de loin supérieur aux gains que peut générer l’importation des voitures usagées.

المدينة العظيمة 2/2

لقد خشيت جداً من شوارع «نيويورك» وأزقتها العميقة خشيتي من الوحش القادم الذي قيل لي إنه سيحوّل الناس إلى عناصر وأرقام ومعادلات يتحكم بها بسهولة. كما خشيت من المدينة خشيتي من المستقبل الداكن للبشرية جراء استفحال الطمع وطغيان الحرية الفردية غير المسؤولة في ظل تناقص الوعي والمسؤولية الجماعية وتراجع ادوار المؤسسات الناظمة للمجتمعات. "نيو يورك" مدينة الارض وبشرها وحضارتهم الكرتونية. نيويورك المدينة الطالعة من تحت الارض بابراج من شهوات ولذات. حاولت اغوائي. الّا اني رحت ابحث فيها عما تبقى من روح. ليس بعيداً عن "وال ستريت" توقف باصنا السياحي. ترجّلت امام برجَيْ التجارة العالمية سابقاً كي اعاين موقع الفاجعة التي غيّرت المدينة والعالم الى الابد. وجدت كنيسة صغيرة تلطت تحت افياء ناطحات سحاب. شيّدها الانكليز قديماً كي تحرس مدافنهم. كنيسة القى فيها "جورج واشنطن" خطبة تدشين الرئاسة الاولى للاتحاد قبل ان يهجر صخبها الى "واشنطن". نضحت من هناك انغام وايقاعات ل"موزار". فهرعت اليها طالباً السكون. كانت كنيسة بولس بعضاً من روح في عتمات. احسست هناك بأنه مازال للموسيقى الالهية حضرة امام الموت. مازالت الانغام تعطّر بعض المطارح المتوارية في غمرة الموسيقى الثقيلة التي للعصر وشياطينه. دخلت. فأُخذت بسحر الانغام التي اقلّتني عبر الزمان غير البعيد الى احداث الحادي عشر من ايلول. انتقلت في الزمان من "جدّايل" حيث كنت ذلك اليوم بضيافة صديق الى حيث انا اليوم. فرأيت ما رأيت. سمعت نداءات الاستغاثة وأبواق الموت والانين المختلط بأصداء تبادلات الاسهم في "وال ستريت". عاينت البشر ارباً، ارباً تنتزعها الايدي من تحت الركام وانياب الوحش الذي كان يلتهم كل شيء. ادركت كيف تنتهي الاحلام وترحّل البشر وتختفي الاسرار. تلمّست هشاشة العولمة. فرأيت كيف يمحو الوهم عندنا الحقيقة لكن الى حين. بكيت جداً لمّا ادركت انّ الموت يبقى الحقيقة الكبرى. بكيت عميقاً، في تلك الكنيسة على نفسي وعلى نيويورك وعلى العالم. فالدموع تغسل مني ما وشمه فيّ الوحش. سائح غريب في كنيسة قديمة وبعيدة، مرمية على جنبات مقبرة بروتستنتية قديمة عند برجي التجارة المغدورين. يستمع الى تمارين فرقة تشدو لمن رحل ممن سُجلت اسماؤهم على قارعة جرسٍ مرميٍّ في تلك المقبرة. وقد اهدته بلدية لندن لاهل المدينة المفجوعة. لعنت الوحش. وبصقت عليه. فهو لا يشبع دماء وابرياء تحت الف غطاء وغطاء. حتى يمسك بالبشرية جمعاء فيلتهمها. مضيت من هناك نظيفاً كي أواجه تمثال الحرية الذي انتصب معْلماً فرنسياً في قلب البلاد الجديدة من صنع "ايفيل". سألت النصب عن مفاهيم الحرية التي يقدمها للبشر، كيف واين تبدأ؟؟ واين تنتهي؟؟ وهل انّ حريته هي استفحال للفردية التي تجعل من كل منّا جزيرة لا تربطها بسائر الجزر الا بطاقة الاعتماد والحاسوب؟ سألته عن النظم المجتمعية والمبادئ التي تسقط كل يوم في سبيل مفاهيمه للحرية. ثم سألته عن التحرر. فما اجاب. ولا اجابت مياه المحيط المالحة ولا ناطحات السحاب ولا اسراب السفن. وكان ان صعدت الى برج "روكفيلر" حيث رأيت المدينة من فوق. عاينتها مع كل محاسنها وجمالاتها ومفاتنها. كان البرج كبيراً وعالياً. والمدينة كبيرة وساحرة. الا انها كانت قد وشمت للوحش كما قيل. لم اسجد لها. لانّ لي مدينة فوق. واني لا اسجد للبشر وآلهتهم وفنونهم وطرائقهم وحضارتهم. فهم من تراب. والتراب سرعان ما يتعرّى عن الارض. فتحمله الامطار والرياح الى حيث لا يريد. حزنت المدينة مني جداً. اذ اني لم انتمِ اليها الّا ببعض الجوانب التي لامست فيها الالوهة. وكان ان مضيت ليلة فراقها كي اكتشف مسارحها. Broadway ومسارحها الموسيقية كانت قبلة كل من عشق في هذا العالم فنونه الراقية. وانا كنت من هؤلاء. استمتعت جداً بمشاهدة مسرحية "The JerseyBoys" التي اضاءت على حكاية فرقة "الفصول الاربعة المشهورة" ونجمها مغني البوب المشهور "فرانكي فالي". فرسمت بالموسيقى والديكور والاغنيات كيف واجه اولئك الفتيان ضغوط المافيا والقمار والنكبات العائلية للانتقال من ازقة "نيو جرسي" الى زقاق الشهرة العالمية. كما رسمت بوضوح اثمان تلك الشهرة. وقد افرغ الابطال من مضامينهم وحياتهم وعائلاتهم. فأضحوا يدمنون على الاضواء الخاوية. حزينة كانت نهاية النجم الذي ما عرف كيف يضع نهاية للوحش الذي استعبده والتهمه. فكان ان آثرت ترك تلك المدينة. تركتها بعد ان اتصلت بقنصلنا العام فيها مجدي رمضان للإطمئنان عليه. وتوجهت الى بوسطن، المحطة الاخيرة في زيارتي الى بلاد العم سام.

الاثنين، 19 نوفمبر 2012

مازن عبود أثنى على قرار زيادة الضرائب على إستيراد السيارات المستعملة

الإثنين 19 تشرين الثاني 2012 أثنى المستشار البيئي مازن عبود، في بيان، على "قرار زيادة الضرائب على إستيراد السيارات المستعملة"، معتبراً ان "لهذه الخطوة تأثيرات إيجابية على خفض الزيادة في معدلات إنبعاثات الغازات الدفيئة من السيارات، لأن معدل الانبعاثات في السيارات المستعملة أكبر من السيارات الجديدة". ورأى ان "هذا القرار قد يسهم في خفض معدلات تدهور نوعية الهواء المرتقبة"، لافتاً إلى ان "هذه الخطوة ستحد من تفاقم مشكلة زحمة السير والوقت الضائع المتزايد بشكل دوري، بحيث ان الطرق ما عادت تستوعب كميات السيارات"، داعياً إلى "البحث بشكل مواز عن خطة نقل متوازية وتمويلها بغية خفض إعتماد المواطنين على السيارات". http://www.elnashra.com/news/show/548928

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

المدينة العظيمة 2/1

غادرتُ «كانتكي» التي لم ارد تركها مع هذا الكم من الاحباء كله والذكريات كلها. غادرتها تاركاً لبنان وفيروزه وتالا ورانيا... وما شئت أن اذرف دمعة من الدموع المحتجزة في عينيّ. وانطلقت في مشواري لمعاينة «نيو يورك»، تلك التي غنّى لها «فرانك سيناترا» أجمل ما عنده... انطلقت كي ازور المدينة التي تنبأ لها وعنها "نوستراداموس". فتكلم عن سقوط البرجين الكبيرين في المدينة العظمى وعن المطر الحامض. جئتها لا من اجل "وول ستريت" واقتصاداتها الوهمية، بل من اجل "برود ويز" والمسارح والموسيقى. عرّجت على تلك المدينة وفي بالي ان المح فندق "والدورف استوريا" ومبنى الـ "امباير ستايت" و"السنترال بارك" ومتحف "المتروبوليتان". جئتها ولم يغب عن بالي قوافل المهاجرين من بني جنسي الذين قدموا اليها، فاقاموا فيها، وعملوا في "بروكلين" قبل ان يتناثروا في سائر الولايات الاميركية. اقلعت الطائرة الى مطار JFK، وفيَّ شوق لمقابلة تلك المدينة التي تَمَلّكني خوفٌ منها. لم اعرف انّ السيناتور ميتش كونيل- رئيس الغالبية الجمهورية في الكونغرس كان ينتظر معنا عند معبر الدخول الى الطائرة مثل أيّ مواطن عادي. كما اني لم ادرك صفته عندما جلس الى جانبي في مقصورة الاعمال، حيث انهمك في القراءة. ولم اسع الى ان اتعرف على صفته. اذ انه لم يحظ باهتمام غير عادي على مثال ما يجري في بلدي. مرافقوه ومساعدوه تواروا. الا انني احسست بأنّ وجهه كان مألوفا بالنسبة لي. فتبادلنا اطراف الحديث حول الانتخابات الاميركية والشرق الاوسط الى ان وصلنا الى "نيو يورك"، هنا في نيويورك اعدّ له على ارض المطار استقبالا يليق بالرؤساء!؟ لم ادرك بداية انّ كلّ تلك التحضيرات كانت من اجله، الا عندما امتشق درج الطائرة، ولمّا مضى. سألت عنه، فأُبلغت، وصمتُّ! ورحت "افتكر" في كل شيء: "الولايات المتحدة. الكونغرس. الانتخابات الاميركية. لبنان. انا. إرث ساستنا. سلوك الساسة الامريكيين. وشخصيته...". شعرت انّ الاقدار دبّرت لي لقاء مع احدى المرجعيات الاميركية من دون ان اطلب ذلك. ذهلت لهذا الأمر. وتأملت في ما جرى معي ملياً. وغادرنا تلك الطائرة الى محطة التاكسي التي كانت مزدحمة للغاية. توجهنا غروب ذلك اليوم الى "مانهاتن" وفندقنا القابع في الشارع السابع من وسط المدينة على بعد امتار من شارع مسارح "برود واي". وفي صبيحة اليوم التالي مضيت كي اكتشف المدينة عبر الباص السياحي. كانت "مانهاتن" ابراجاً زجاجية لا تخترق جذوعها الشمس. وهي درة "نيو يورك" التي لا تنام. فصلتها المياه المالحة عن "بروكلين". لم تكن هي وحدها المدينة العظيمة. لا، وما كانت "بروكلين" لوحدها ايضاً. بل انّ المدينة العظمى هي كلاهما واكثر. فالاولى لم تظهر لولا الثانية. سُحرت بالدعاية والاعلانات والابنية في "نيو يورك". واسرني طنين المدينة التي كانت للمال واسواقه وجنوده وعوالمه. ففيها بنى الناس للتجارة كاتدرائية. ناسها كانوا يركضون في الشوارع هاربين من بعضهم. كانوا يتسابقون ما بين أفياء ناطحات السحاب الزجاجية. يسيرون على عجل. علّهم يخافون من سطوة المباني او من قدوم الوحش. "نيو يورك" هي قبلة العصر وحضارته البلورية الداكنة. بقعة غزتها ناطحات السحاب السوداء التي تسابقت في ما بينها على تسلق الاديم. ابراج اراد لها اهل المال ان تكون شاهداً لعظمة حضارتهم وتعاظم نفوذهم وتنامي قدراتهم وجبروتهمم. "نيو يورك" قلب العولمة وام الحضارات التي انبثقت عنها. جذّابة هي ومخيفة. مدينة "الروك" والموسيقى الثقيلة. ببساطة هي ضاربة ومتشعبة في اعماق الارض وما تحت الارض. مدينة الاسرار والدهاليز التي يسكنها حكّام "واشنطن" والعالم "الحقيقيون". مدينة التناقضات. احشاؤها عتمات. امّا ووجهها فكالصبح. جميلة هي وباهرة، تتباهى بما لها. وما لها كان من صنع البشر. تأملتها عميقاً من "متن" ذاك الباص الذي قادنا في شوارعها. فعرفت بعضاً من قصصها التي لا تنتهي. ولكل دليل قصصه عن المدينة التي تلتهم البشر. كبيرة كانت باعراقها ودياناتها وطقوسها المعولمة وغير المعلومة. (يتبع)

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

مازن عبود: البيئة هي الشهيدة الاولى في لبنان

08-11-2012 اعتبر الناشط البيئي مازن عبود في محاضرته في مؤتمر دولي عن "المسؤولية الاجتماعية"، والذي دعت اليه جامعة الروح القدس في الكسليك "بأن للازمات والاضرابات تأثيرات كبيرة على البيئة في لبنان". واعتبر "ان من المفاعيل المباشرة للاضرابات كان حرق اكثر من اربعين الف دولاب في غضون فترة لا تتجاوز بضعة ايام من العام الحالي، مما ادى الى تراجع ملحوظ في نوعية الهواء وبالتالي خلق بيئة ملائمة لتطور السرطان وعدد غير قليل من الامراض والعوارض". واشار الى ان "الملفات البيئية والحياتية هي الاكثر تأثرا بالازمات، فالكثير من الملفات الخضراء قد انتنت على الرفوف جراء ذلك"، لافتا الى "ان البيئة في لبنان هي الشهيدة الاولى، وقد اغتالها تراجع هيبة وادوار الدولة المركزية الناظمة والراعية والرادعة".

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

«مطارح» أخرى

تموضعت «رالي» في عمق الجنوب الاميركي حيث حقول التبغ والقطن. هناك، حيث المزارع والفلاحون، كانت عاصمة نورث كارولينا ابنة خضراء من بنات الجنوب الاميركي، عُرفت بممانعتها وأخواتها للشمال الصناعي الذي حاول التهامَهنّ. فكانت الحرب الاهلية، بحسب ما ابلغني نائب رئيس الشركة المضيفة "بوبي الكينز"، الذي تولّى شخصيا مرافقتنا خلال زيارة العمل الى ولاياته. وانا ما أتيت رالي- عاصمة نورث كارولينا- أصلاً كي اتعرّف الى وجهة النظر الاخرى من التاريخ، بل لضرورات العمل. وصلنا مطار الولاية بالتزامن مع قدوم المتعهد "جورج فتّوح" ووكيلته "كارلا بحري" للانضمام الى الوفد. وقد كان "بوبي" بانتظارنا. فترة مكوثي في الولاية كانت مناسبة، ليس فقط لإتمام المهمة التقنية، بل للاستماع ايضا الى شروحات "بوبي الكينز" في التاريخ الاميركي. بوبي كان مجازا في التاريخ، وكان بروتستنتيا محافظا وجمهوري الهوى، الّا انّ وجهة نظره من الحرب الاهلية الاميركية كانت تتنافر مع ما نشر وبلغنا. كان جنوبيا يفتخر بانتمائه الى تلك البقعة والى تاريخها. فكان ان اراني النصب التذكاري الذي اقامه اهل كارولينا الشمالية لشهداء الكونفدرالية في الحرب الاهلية، وقد انتصب قرب مبنى كابيتول الولاية. فالقصص على ما يبدو تختلف بحسب هوية البشر وتموضع الامكنة. فالروايات تتناقض احيانا!! في "نورث كارولينا" اجرينا الاجتماعات بأهل القطاع، وخَصَنا رئيس الشركة "تومي بان" بالتفاتة خاصة. فأحيط الوفد بكل مظاهر الحفاوة. أولَمَ على شرفي، فجمع كل طاقم مجلسه الاداري. القضايا الحميمة والخاصة، كما لبنان ومسائله، لم تغب عن عشاء العمل، فأهل الولايات المتحدة الاميركية يعرفون كيف يرسون تبادلاتهم التجارية على اسس الثقة والاحترام، بغضّ النظر عن حجم الشريك او هويته. في "نورث كارولينا" حلمت مرتين بلبنان. المرة الاولى كان الحلم جميلا، فأبلغت لمّا اتصلت بأنّ اخي قد تمّ تعيينه رئيس الهيئة العليا للتأديب، ففرحت. والليلة التالية كان الحلم كابوسا مفزعا، اذ اني سمعت انينا وعويلا، وعاينت نيرانا وقتلى، وكان ان ابلغت انّ اللواء الحسن قد اغتيل ظهر اليوم التالي. لقد كان طيف بلدي يلاحقني الى هناك. لا اعرف لم لا ينفكّ يلاحقني هكذا حتى الى اقاصي الارض؟؟ فكأنه يسكن فيّ، او اني ببساطة اسكن في قلبه، ولا اعرف!! بداية، فرحتُ لأخي، ومن ثمّ بكيت لاحقاً على بلدي هناك. تحسّرت جدا على اللبنان، وتحوّل جوّالي الى خط ساخن لا يسكت ولا يستكين، لزوم العبور الى حيث انتمي للاطمئنان على الاهل والاصدقاء. كانت ايامنا الثلاثة في "نورث كارولينا" معطرة بشذى ارضها ومحبّرة بألوان خريفها وغسقه الموشى بأطياف الورود. انتهت زيارة العمل. ودّعت "رالي" واهلها، والى "كانتيكي" حيث لي "لبنان" من ازمنة الجامعة الاميركية. و"لبنان" صديقي كبلدي عَنى ليّ كثيراً، فلقاؤه في ارض العم سام حدث بحدّ ذاته. بحثتُ عنه في بلدي، فوافيته في بلاد العم سام. ذاك المحمّل بما فيّ. جئته كي التقي بعضي ممّن تركت على طاولة الدراسة. و"لبنان" اضحى من اشهر اطباء "لويس فيل" عاصمة "كانتكي". فتزيّن الاسم بصاحبه ايضا. بنى صاحبي في تلك المدينة عائلة وبيتا فخما. لقد ألحّ بدعوتي، فلبّيت، لعلّني وافيته كي اكتشف عالمه. استلقيتُ على أريكة شرفته، ورحتُ اداعب اولاده فرداً فرداً. ذهلتُ بفرادة طينة رفيقة حياته التي هي حجر صلب وكريم. ثمّ عدت وإيّاه الى أيام الصِبا على متن اغنية "Forever Young I want to live forever، شاباً ابداً اريد ان أعيش للأبد" التي أدمَنّا سماعها في ازمنة الدراسة في الجامعة الاميركية منذ العام 1992. فتذكرنا سوياً كل الأصحاب والجميلات والاحداث. عشرون عاما مضت. صمتنا. فدمعت عيناي، ورحلتُ الى رأس بيروت. ومن ثمّ رحنا نرسم وجوه الامس. لقائي به كان عميقا، عمّق المسافات ما بين بيروت وكانتكي، والتي تجاوزت الخمسة عشر عاما. امور كثيرة تغيرت، واحداث تبدلت، واناس رحلت منذ ذلك الحين. قدّمني الى "تالا" ابنته، التي لم تكمل الثماني سنوات بعد، كشقيق وكاتب. ففرحت الصغيرة، وراحت تسألني عن سحر الكلمات وقوتها ومفاعيلها. اعطاني كتاباً وسألني ان أحَبّره بكلمات واهديه اليها. عائلة صديقي كانت من صلبه وصلب زوجته "رانيا". كانوا انوار "كانتكي". امضيت عندهم اياما من حلم، منسوجة بأفئدة وموشحة بومضات. مضت تلك الايام كسهم نار في ليل حالك. وفي ليلة الوداع وَافَت اخته فيروز وزوجها. فكان ان أنشَدت لهم "ام كلثوم" و"فيروز" و"زياد رحباني" و"لبنان" على الشرفة المستلقية على حقول النجمات. لم ارد الذهاب من هناك، الّا انّ وقت الرحيل قد حان. وثمّة محطات تنتظرني. ودّعت "لبنان" صديقي واهله برائحة الوطن وعبق التراب، ومضيت.

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

على بساط الريح الى بلاد العم سام

b>وكان ان ودّعت نصب ابراهام لنكولن الاسطوري وهامته الشامخة التي ما تزال تفوح عبيرا وكلمات في السنترال بارك في واشنطن، ورحت اسأل نفسي لم بعض الناس لا تشتهي ابطالها الّا في القبور؟ تهاجمهم وتحاربهم احياء وتتحسّر عليهم وتتذكرهم وهم اموات. أيخشون روح التغيير التي فيهم؟؟ هل انّ الأبطال فعلاً يزعجون البشر ويجعلونهم يتألمون من واقعهم الذي لا يحبونه كثيرا ويخشون تغييره مغبّة الوقوع في المجهول؟؟ ام انّ عاصفة تغييرهم تحمل معها الرمول التي تعمي عيون من قاربها؟؟ ركبنا سيارة مضيفتنا وذهبنا الى احد الكنائس الواقعة في احدى ضواحي عاصمة العالم، كي ألتقي بأناس من طينتي ممّن أخذتهم رياح الغربة والارق والخوف من المصير الى تلك الدنيا. وصلت تلك الكنيسة التي كانت غاية في الروعة، ودخلتها بوَرع إذ كان القداس بالعربية قد بدأ لتوّه. هموم المنطقة وهجرة المسيحيين من ارض الناصري حضرت بقوة في خطبة الكاهن القادم من عكار اساساً، كما حضرت لاحقاً الانتخابات الاميركية على مائدة الطعام التي تلت القداس، اذ انّ الرئيس اوباما كان قد انهى مناظرته مع خصمه رومني. ما صبّت رياح انطاكيا الاميركية لصالح الرئيس، اذ انه بالنسبة لهم أجاز عدداً من المسائل المعاكسة للدين، كزواج المثليين مثلا. كلام الكاهن على مائدة الافطار التي تلت القداس لم يتجانس مع مضامين خطبته، اذ انه بدا مهتماً بفصل كنيسة المغترب عن اصولها وتأسيس اخرى تعكس خصائص القادمين الى بلاد العم سام. لم تعجبني وجهة نظره في هذا الاطار لأنها تعكس رغبة في التخلّي عن كل القضايا والارث. فأحسست بأنّ في ذلك فعل دفن وطمر لِما تبقّى من لبنان ومن مشرق متألق. أحسست ان تلك الخطوة على واقعيتها تشكل بترا معنويا للأمل بعودة من اريد لهم ان يكونوا فعل شهادة لذلك الذي وافى شرقنا وعالمنا يوماً كي يُدخل اليه حضارة التسامح والمحبة والتحرر. وقد هجروا أو هجر اجدادهم على امل العودة. انزعجت من ذلك كثيراً، ابلغتهم بأنّ عليهم واجب دعم من اراد ان يبقى ولو معنوياً. ثمّ اوضحت لهم بأنّ استمرار الكثير من أمثالي في ارض الاجداد ليس لانسداد ابواب الهجرة ولغياب الفرص، لا بل على العكس تماما، فموضوع بقائنا في ارضنا يشكّل شهادة لكي يبقى الشرق اكثر تنوعا واقل تطرّفا، وبالتالي العالم اكثر أمنا وسلاما. قلت ان الرفاهية والفرص والجمالات لن تغريني على الاقل في هذا الظرف الى نسيان رسالتي. كما انّ غياب الاستقرار والثورات والاضطهاد والازمات في الشرق لن تدفعني الى الهرب والاستقالة من شهادتي. احسست بالمرارة كثيرا، وارتفعت نبرتي، لا عليهم، بل على الصوت المتراخي الذي فيّ. الذي يدعوني الى الهجرة الى بلاد رغد العيش والرفاهية. خرج الصراع الذي فيّ الى العلن، ومعه خرجت روح الحق التي تصوّب وتنهر. وراحت الروح تضربني كأني حديد خرج لتوّه من كور الحداد. ما الهدف من وجودك يا ابن آدم؟ هل وافيت كي تأكل وتتوالد وتعيش فقط؟؟ ام انّ ثمّة اشياء اخرى خرجت من التراب لأجلها؟؟ ماذا فعلت بصليبك؟؟ وكيف ستقوم معي اذا لم تصلب؟؟ لِمَ لم يأمر معلمك، ذاك الذي تتفاخر به، أجواق الملائكة ان تأتي فتخلّصه ممّا اتى كي يقوم به؟ فصرت أردد في صمت سكوني: تباً لك يا روحا عالمية، انك تغريني. ولكم اغريت قبلي. لا لا، لن ادعك تغلبيني. لن اهرب من ارضي. لا لن استقيل من رسالتي، اتيت الى هنا من اجل هناك. واني سأعود، لست ادري ما قيل عني هناك. اعتقد بأنهم قد قالوا إنّ المقيم حاقد على المغترب. لكن لا!! فأنا حاقد على ذلك الصوت الذي فيّ والذي يدفعني الى الرحيل ليس الّا!! وما همّي ما سيُقال طالما اني اسير في النور الذي اوجده الخالق فيّ. كانت هذه المغامرة الصفحة الاخيرة من مغامراتي في عاصمة العالم التي غادرتها صبيحة اليوم التالي الى رالي عاصمة نورث كارولينا.

الاثنين، 22 أكتوبر 2012

على جناح بساط الريح إلى بلاد «العم سام» (الجزء 2)

وكان ان دخلت الى الكابيتول الذي بدأ ببنائه «جورج واشنطن» في العام 1793 كي يكون القمقم السحري الحاوي للروح الاميركية التي اريد لها ان تكون من حرية وديموقراطية ومساواة. فكان ان استوطن فيه النسر التشريعي الاميركي بجناحيه: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، منذ العام 1800. من دون ان يرقد هو فيه، اذ انه آثر ان يستلقي في حديقة منزله ربما هرباً من الدهاليز. رافقتني في زيارتي الى هناك ايضا المهندسة ميراي وصديقتها د. فاديا صادق التي تبرعت مشكورة ان تواكبنا في زيارتنا الى عاصمة هذا العالم. في الكابيتول استقبلت مع مئات القادمين لزيارة هذا المعلم. لقد كان ذلك المعلم مفتوحاً امام الزوّار على رغم الكابوس الامني. فمن اراد ان يكون بيته للحرية يشرّع لها بواباته، لأنها لا تطيق الأمخال والابواب المرصودة. هناك استمتعت بمشاهدة فيلم وثائقي قصير حول طبيعة الولايات المتحدة الاميركية وتاريخها وروحها وفلسفة الحكم فيها. بهرت بتوَثّب الروح الاميركية ونجاح ذلك الأنموذج الذي ترعرعنا في مدارسنا وجامعاتنا على محبته. فالحرية كانت في اساسه، والانسان يضحي ترابا لولا نفحات الحرية التي فيه. لقد كان الكابيتول كبيرا للغاية وقببه ضخمة ومذهّبة ومذهلة. فالقبب تؤشر الى السماء، الى الحلم، الى عظمة الحلم الاميركي. الّا انّ الكابيتول لم يكن قاعات كبرى حصراً، بل كان ايضا اقبية ودهاليز وغرفا صغيرة. فالسياسة تخرج احيانا من تحت الارض الى الصالات، وما هو تحت الارض في عالمنا يؤسس للكثير ممّا فوقها. اختلطت الدهاليز بالقبب في ذلك المكان، كما في كل مصانع القرار في هذا العالم. دهاليز تشعبت وما شاهدناه منها كان شيئاً قليلاً. فقلت للكابيتول: "اني اعشق قببك وصالاتك يا معبداً اريد له ان يكون للحرية. الا اني اخشى دهاليزك خشيتي من الموت". فأجاب: "انا ما انا. إمّا أن تقبلني بكليّتي او ان ترفضني بكليّتي". فما اجبت، اذ اني على عادتي متردد لا احسن اتخاذ القرارات الا تحت الضغط. نظرت طويلا وعميقا في المعلم الرمز لكرامة تلك الامة وعظمتها، هو الذي تعافى من جروحه وندوبه وأوّلها كان حرقه من قبل الانكليز. وتنفست بعضاً من أهويته، وسألت: "هل يتعافى اهل الشرق يوما من ندوبهم ايضا فيبنون لانفسهم صرحاً من حرية وديموقراطية وتحرر بعد كل هذا الكم من العنف والدماء؟؟". سلمت في الكابيتول على روح اميركا ابنة اوروبا، تلك التي قيل في الاسطورة انها تتحدر من فينيقيا وصور، ومضيت لاكتشاف سائر معالم عاصمة هذا العالم. كانت واشنطن رائعة. تغري كل من يزورها وتستهويه. كانت خمرة عتيقة. كانت عطرا شذيّا. كانت لؤلؤة ولوحة فوّاحة. ومن كرهها بالمطلق فهو لم يدركها حتما ولم يعرف منها شيئا. واشنطن متاحف مجانية رائعة ترسم وهوليوود اجمل الصور عن انماط المعيشة الاميركية وعظمة تلك الحضارة. هي ايضا شوارع عريضة وابنية جميلة. اما قلبها فحديقة مترامية الاطراف واروقة ونصب تذكارية لأناسها. وقفت طويلا امام نصب "ابراهام لنكولن" الذي عشقت سحر كلماته وضياء سيرته، ورحت اردد اجمل ما عشقت من اقواله: "لست مجبرا على الفوز، الا اني مجبر ان اكون نفسي. ليس مكتوبا عليّ النجاح بل مكتوب عليّ ان اعيش في النور الذي فيّ. يتوجب عليّ ان ادافع عن اي شخص يقف مع الحق واتركه لمّا يبتعد عنه"، و"لا تستطيع امة ان تكون حرة اذا ما كان نصفها مستعبدا"، وغيرها من الاقوال. فقوة اميركا كانت في الاسس الاخلاقية التي وضعها هو وامثاله. فلا القوة العسكرية اضافت عليها شيئاً ولا التسلط. رحلت من عنده وانا احمل في قلبي حلاوة اللقاء مع زعيم جعل الاخلاق في صلب السياسة، كي التقي اناساً من بني قومي استوطنوا ارضه. في واشنطن التقيتُ بأناس من قومي ممّن رحلوا اليها طلباً للاستقرار او بحثا عن فرَص افضل وحياة افضل. كانت حياتهم بالفعل هناك اكثر رفاهية واستقرارا، لكن اقلّ نورانية.

على جناح بساط الريح إلى بلاد «العم سام»

لقد اردت ان اذهب ولو لأيام الى حيث قيل لي يوما انّ الحرية قد بنت لها معبدا هناك. اردت ان اذهب الى البلد الذي انتقده كثيرا، واحبه كثيرا. قررت ان امضي الى حيث مضى ثلث اهل قومي يوم حصدت منهم الحرب العالمية الاولى الثلث. وانا كنت من ذلك الثلث الذي كتب عليه ان يبقى فيحمل شعلة الحرية في هذا الشرق المعذب حيث تتخابط الالهة وتتعارك. 1 - في واشنطن: ذهبت اليها، وانا محمّل بهواجس منطقة يحكمها الخوف الذي دفع بنا الى شياطين العنف والتطرف. الا اني لم آت الولايات المتحدة الاميركية طلباً لمنصب او لكي اسهم مثلا في رسم سياسات او خرائط لشرق اوسط يتغيّر على عادة الكثير من ساستنا. جئتها سائحا يبحث عن اسرار العالم الغامض، او لكي يكتشف روحها كما رسمها "مارك توين". جئت كي اعيش مغامرات وقصص "ارنيست هامنغواي" في "الكهل والبحر" فأنظر ثلوج جبال كليمنجارو وأدرك لمن تقرع الاجراس. الّا انني وبصراحة لو لم يسألني رئيس لجنة الادارة في ادارة الحصر الزميل ناصيف سقلاوي الذهاب اليها لإتمام مهمة تقنية عائدة للريجي، لما كان في قدرتي حالياً القدوم. لم تكن زيارتي هذه الاولى اليها، الا انها كانت الاولى الى واشنطن ونيويورك وبوسطن وكانتكي وكارولينا. وصلت واشنطن وبرفقتي المهندسة ميراي فرح. فكان ان أقمت على بعد اميال قليلة من السنترال بارك الذي تحيط به المعالم من كل جهة، والذي تطربش بالكابيتول وتمنطق بالبيت الابيض وتسلّح بعصا جورج واشنطن وبمعبد ابراهام لنكولن المغدور ورصيده الاخلاقي والمعنوي. احتفت حوله الوزارات والمتاحف من كل جهة، فشكّل قلب اميركا الذي انشطر باغتيال كيندي وغياب صوت مارتن لوثر كيندي. تبّاً لك يا قدر كيف تسكت الكبار وتشطبهم من سجل الاموات الاحياء في دنيانا !! فيرحلون من دون ان يتمموا ما كتب لهم ان يقوموا به. وقفت هناك وشعرت بصفير طيارات اعتداء الحادي عشر من ايلول التي اريد منها ان تغتال الكرامة الاميركية، ثمّ سمعت اصوات القتلى وعايَنت بحر الدماء من افغانستان حتى العراق. قيل لي انّ الدماء هي اثمان الحرية، فاستكنتُ لأنّ الدماء والحروب هي ايضا وقود الأمبراطوريات. أبصرتُ طيف جورج بوش الابن وانين الاطفال يملأ الدنيا من حوله، وابواق الحرب تقرع. وبان لي في اللحظة نفسها طيف ريغن يعانق غورباتشيف والحوائط تتداعى من حولهما. آه منك يا واشنطن والف آه عليك!! فكل ما يقال فيك من جيد وسيئ صحيح. نعم لأنك عاصمة العالم، فإنك تحوين كل ما هو من تراب وما هو من روح. لا لست ملعونة!! الا انك لست بمباركة ايضا!! واشنطن يا مدينة الرجل الطويل الذي لا يعلو فوق مسلّته مبنى فيك!! يا مدينة لفظها نهر البوتوماك كي تستلقي على كرسي بابل وروما!! من أي كأس شربت؟؟ وماذا تشربين الناس ممّن يعشقونك؟؟ انك تشربينهم حرية وطقوسا، تمزجين لهم الحلو والمر، والليل والنهار في خليط فريد لا يدركه احد غيرك. من يحكمك يا مدينة تحكمين العالم؟ أيكون من في الواجهة حقاً حاكمك؟ ام انّ لك اسراراً اخرى لا يعرفها الّا من يرتاد منتدياتك، ويحتسي من خمرتك ويتكلم بلغتك؟؟

الخميس، 4 أكتوبر 2012

عبود: للادعاء على مجهول بشأن حرائق "الشمال"

وكالة أنباء آسيا , 3 تشرين الأول 2012 ساعة 11:23 لبنان (آسيا) : ابدى الناشط البيئي مازن عبود أسفه لعدم قدرة الدولة على إقرار وتمويل وتطبيق أي خطة لمكافحة الحرائق، على الرغم من كل الكلام وكل الوعود. وطالب عبود في بيان له النيابة العامة في الشمال التحرك للادعاء على مجهول، على اثر الاخبار حول امكانية ان تكون حرائق عكار مفتعلة داعيا القضاء الى "التشدد في هذا الاطار لحماية ما تبقى من البقعة الخضراء في لبنان والتي اضحت بحدود ال ١٢ بالمئة ليس الا". وتمنى على المرجعيات الدينية الدعوة الى "اقامة صلوات الاستسقاء على كامل التراب اللبناني، من اجل درء خطر الحرائق مع بداية موسم الحرائق لهذا العام. وذلك بعد تراجع الثقة في قدرة الحكومات المتعاقبة على حل المشكلة نظرا لانشغالها بالازمات السياسة والنقار". يُذكر ان حريقا اندلع في عكار منذ ٤ ايام وما زال مستمرا حتى الان في بعض الاحراج بعد ان تمكن الجيش والدفاع المدني من اخماد الجزء الاكبر منه. رمز الوثيقة: 18713 رابط المقال: http://www.asianews.lb/vdcbfzb8.rhbw8pukur.html وکـــالة أنبــاء آسیـــا http://www.asianews.lb

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

إمرأتان وفيلم

كان ينخطف الى الخارج، الى ما بعد الشارع الذي يفصل المدرسة عن الكنيسة، بكثير. كان يسرح ويسافر الى حيث تبزغ الجبال وتدخن غيوما في السماء. الا انه شعر بانجذاب الى تلك المعلمة الجميلة والخفيفة الدم التي لقنته العربية واشياء اخرى في الحياة. فصَفّها كان مختلفا عن كل الصفوف، إذ إنها كانت تضج بالاخبار والاثارة. فكتب لها اولى قصائده لمّا قررت ان تغادر مدرسة البلدة الى بيروت، واحسّ بإحباط ما لرحيلها والعام الدراسي ما كان قد انتهى بعد. لقد كانت ايفون مزيجا من كل شيء، واشياؤها كانت مفرحة. ما زال يتذكر كيف صرخت مرة، لمّا انتهكت حرمة دفتر علاماتها من قبل تلميذ مشاغب أضاف على غفلة لعلامته واحدا على اليمين بدل اليسار. فكان ان تخطى المعدلات الممنوحة لقياس الشطارة بأكثر من عشر مرات. فصارت علامته 7120 بدل 1720، فراحت تصرخ: ما هذا الذكاء الفائق؟؟ هل يعقل ان تتجاوز المعدلات بأكثر من عشر مرات؟ اننا بالفعل محظوظون بك. لقد اوقع الله بك يا صبي. ارجع الى علامتك الى 720". كما سألت آخر البقاء خارجا وانتظار حلول ميقات حصتها بحسب التوقيت القديم الذي تمسّك به، لمّا سئل عن اسباب تأخّره عن الصف على أثر تبدّل الساعة من التوقيت الصيفي الى الشتوي. وكانت ان طردت آخر لمّا اضرم النيران في طبقته رغبة منه في التخلص من محارمه المتسخة. عرف معلمته "ايفون" حاضرة وناضرة في صفها تشجع هذا وتنهي ذاك. كانت مزيجا من كل شيء، من الجدية واللهو والحب والجمال. ولكم تمَسرَحت في اروقة بلدتها التي عرفت المسرح منذ القرن التاسع عشر، والسينما في النصف الاول من القرن العشرين. اضاءت الشموع الحمراء لمّا بلغها ان نهاية الازمنة اضحت على الابواب، وراحت تحثّ اعضاء جمعيتها "جمعية القربان المقدس" للصلاة من اجل خلاص البشرية. فازت في الانتخابات البلدية عام 1998، فصارت من اوائل النساء اللواتي تقدمن الى العمل البلدي. الى ان أطلّت ممثلة قديرة في فيلم "هلأ لوين" للمخرجة والممثلة القديرة "ندين لبكي". مسيرة "المعلمة ايفون" بدأت في سوق دوما واروقتها، الى ان بلغت مهرجان "كان". وهذا ما كان قد حصل لو لم تكتشف هذه الموهبة بتيليسكوب "ندين لبكي". الخورية "ايفون" كانت وما زالت هي هي، بعفويتها وصدقها ومحبتها واندفاعها وشفافيتها وإنسانيتها وافكارها. الا انّ ضوء السينما سلط عليها في "هلأ لوين". قدرة "ندين لبكي" تجلت في الاصغاء الى نبض الناس وشجونهم وهمومهم وحراكهم وثقافتهم، فعرفت المخرجة انّ الفن ترجمة مكثفة للواقع على الخشبة. فكان ان ادخلت الى العمل شخصيات واقعية ومكثفة الطباع كـ "ايفون". فاصطبغ الفيلم نكهة ولونا وطعما خاصا على ايقاع موسيقى خالد مزنر الفريدة والجميلة والبرية، وظلاله الخفيفة التي رافقت طموحات زوجته فصانتها وكبّرتها. جرّاء كل ذلك، حصد العمل اعجاب الناس الذين يعشقون ما هو منها ولها. انّ احساس المخرجة المرهف شكّل مفتاحها الى فهم الخصوصية الجماعية والفردية، وهذا ما اعطى عملها لونا ونكهة وطعما. سيناريو فيلمها قد تبدل وفق النبض والضرورة، كي يكتسي الاصالة والطبيعية والصدق. فكان ان حملته اشياء من دوما ومشمش، اكتشفتها على ارض الواقع. فأضحى العمل عالميا يستهدف كل ساكن في كل بقعة من الكوكب. عرفت "ندين" ببساطة كيف تزاوج ما بين الجامد والمتحرك والكلمات. فأضح الكل الى حد بعيد جسما واحدا، لمشهد واحد، وبرسالة واحدة وصلت الى المشاهد ببساطة كلية. المخرجة "ندين لبكي" وبطلتها "ايفون" شكلا انموذجا نسائيا لبنانيا تخطى الحدود حتى النجومية، علماً أنّ الفيلم قد اختلط بالامكنة، فصار مثلا جزءا من ماضي دوما وحاضرها. وتحوّل الى حكاية على لسان الاطفال، تماما كما حدث لمّا صنع سفر برلك في غالبيته هناك. اخيراً، لست "هلأ لوين؟". الا اني اريد له ان يسير وراء امثال "ندين لبكي" و"ايفون معلوف"، بعد ان سئمنا السير مع الساسة الى الوراء. ارى مدرسة العربية القديمة والممثلة الحالية تحمل مكبّر الصوت مجددا وتدور على اللبنانيين داعية اياهم الى النهوض من كبوَتهم. اراها تحمله تماما كما في حرب تموز، وتجول على احياء البلدة داعية الناس الى الاعتصام والتظاهر استنكارا لضربات اسرائيل. اسمع صوت "ايفون": "يا عالم يا هو. قوموا. انتفضوا. يا اموات قوموا. ويا نيام انهضوا. معكم الست ايفون. وافوني الى الساحة دفاعا عن لبنان بيتكم وعن اهلكم".

السبت، 29 سبتمبر 2012

إسمي خان

قلّما أحببت فيلماً كذلك الفيلم الذي أهداني إيّاه نسيبي حنّا، طالباً مني مشاهدته وتسجيل ملاحظاتي. لقد تناول العمل قصّة مسلم تأهل من هندية في الولايات المتحدة الاميركية، وكيف انقلبت حياته رأسا على عقب على أثر احداث الحادي عشر من ايلول. اعجبتني شخصية خان كما مدرسته في الاسلام، فقد تمكّن ذلك الشخص بإيجابيته من ايصال رسالته بأنه "مسلم، لكن غير إرهابي" الى الرأي العام والقادة الاميركيين. فبرهَن بمراسه ومسيرته ما هو الاسلام. لم يلجأ الى نَفي ما يُنسب الى الدين الحنيف، بل سعى الى إظهار ما هو. انّ الاساءة الى الاديان عموما، والاسلام خصوصا، هو سوء استخدام، لا بل استغلال، للحرية الفردية بغية الاساءة الى قيَم الاخرين وشعائرهم. وانّ هذا امر مرفوض ومُنكر. الّا انّ ردود الفعل العنيفة على مثل هذه التعديات تسهم في رَسم صوَر غير محمودة لدين محمد في العالم. لست ادري كم "خان" يلزمنا في العالم والشرق كي يتمّ لجم المفاهيم الخاطئة التي تسوّق ضد الاديان من اجل تفريغ العالم من قيمه الاخلاقية الناظمة للحياة. اني اعتقد انّ الهدف الحقيقي من هذه المحاولات هو استجرار العنف لاقتناص القيَم الناظمة، فحذار... لم يكن صدى فيلم "براءة المسلمين" السخيف للغاية، وغير المهني والمسيء الى العيش ما بين الاديان عموما والى النسيج المشرقي، يَنجلي، حتى بان في الافق فيلم آخر اكثر إتقانا واكثر فنية ولباقة راح يبشّر بأهداف مختلفة. ففيلم فتح يأتي كي يدعو الى تكريس ادوار السلطنة العثمانية من جديد في العالم العربي والاسلامي في زمن التحولات الكبرى. لا ليست الحضارة المسيحية عموما، والبيزنطية خصوصا، ظلامية. انما من نورها برز عصر الانوار في اوروبا. والقسطنطينية مدينة الله لم تسقط الّا كي يقول الله لنا عبرها: بأنّ ما من مدينة باقية على هذه الارض، حتى القسطنطينية. سقطت كي تحرّر الدين عن السياسة والكنيسة من نفوذ الأباطرة والمتنفذين. سقطت كي تعيد الى الكنيسة صفاءها الاول وكي تغربل الناس. فلا يبقى منهم الّا المختارين، فحتى اورشليم قد ارتفعت مع يسوع الى حيث صعد بعد ان قام. وما بقيت الحجارة الا ذكرى نقوّي بها ترابيتنا الضعيفة كي نصعد بالروح ايضا الى اورشليم العلوية. اني اعلم انّ الحرب ضد القيَم قد بدأت كي تتحرّر الدنيا من كل الضوابط، فيصبح الناس اكثر عرضة لمتطلّبات النخبة المالية التي تحكم العالم والتي أضحَت تستبد اليوم به اكثر فأكثر. ما يجري يدعونا الى التقرّب اكثر من الخالق، والى نبذ الطائفية والعنف والحقد التي هي من الشيطان الذي يسيد ويميد اكثر فأكثر في عالمنا ومشرقنا. ما يلزمنا اليوم هو نماذج على شاكلة "خان"، ترسم خطاً جديداً في مسالك البشرية المعوجّة، كي نسلَم ويسلَم بنونا من بعدنا.

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

حبيبتي وأرواح وغروب

هل قرأتِ مرة طالع شمس سجلت خربشاتها على الأديم، لمّا احتسى الكون من فنجان الجلد جرعة؟ هل رأيتِ كيف تسكب الشمس في البحر قرصاً يحلّي طعمه المالح ولو لمجّة؟ تعالي حبيبتي فتري كل ذلك. تعالي، فالغروب يلوّن خدود النساء سحراً. يسقيهنّ من خمرته صفاء وخيالات. ألا فامضي معي حياتي، الى حيث الأرواح تشدو أنوار المغيب. نعم، هناك حيث يذوب النور في فنجان البحار والظلمات، قرصاً من لهب. القرص أصفى من شرفتي. القرص أبهى من بقعتي. تعالي يا طفلتي الكبيرة، نطير إلى فوق، إلى «فغري». حيث تعانق السماوات الروابي، والأرواح الهائمة البشر التائهة. هناك نجلس معاً على الصخرة عند مصطبة الجبال التي قيل انها لملكة الجان. نحتسي معاً الصمت كأساً. فكأس الصمت أشهى من شفتيك. الصمت هناك أحلى. والصمت هناك ابلغ. تعالي نغطس في قعر الأحلام بحاراً. تعالي ننظر يا حياتي، كيف تضم الشمس غسقها الهارب من الليل. وترحل. فيغرق الكوكب في فراش الغسق. يركب اجنحة السواد، كأنه لن يعود. يمضي حاملاً ركاب الأبدية وكل الحكايات. حبيبتي، شمسي: بحار العالم أنهكتني. ضربتني. وأوقعتني. تباً للعالم وألف لعنة عليه. لولا حبك لكنت متّ. لولا حبك لكنت غرقت. الا فاعلمي انّ حبك يا طفلة في امرأة، قد أقامني. حملني الى حيث النجوم تتوالد مسالك ودروباً. حملني الى هياكل الجمال المنسية والمرشوشة في جبالنا. حبك طفولي. يا فتاة قررت الّا تكبر. واني اهرب الى عوالمك اذا ما داهمتني الايام. يا صفاء الاديم، انّ حبيبك مجنون وولهان. انّ حبيبك سكران وولهان. حالم هو. مضطرب هو. مصلوب هو. وجلّاد هو. سكر من حبك. حبك اغرقه. ايقظه. ثمّ أرداه. اماته. واقامه. قتله رأفة. وقد نزف على خشبة صليبه، حيث مطارحه والاصدقاء. نزف حبيبك كثيرا. نعم، مصلوب حبيبك وسجّان. غريب هو، وهائم كسنونوة شاردة على وجه الارض من اهل الارض. وسنونوته لا تعرف اين تحطّ. نفسي، يا سنونوتي الهاشلة والداشرة. أاليّ تذهبين؟؟ انّ الارض صغيرة، اصغر من احلامك. أتهربين الى الغسق الغارق فيّ ؟؟ ليس لك مكان هنا، الّا الحب. انه الاوسع. انه الابلغ. انه الاصفى. لا، لا تذهبي ابعد. فالموت على الباب، ينتظر. قولي له اذا ما ادركك، انّ ظلي نائم يحلم بالحب والحرية. قولي له: «دعه يحب. دعه يكبر. دعه ينمو. دعه يسكر». وابلغيه اني قادم اليه يوما لا محالة. لكن بعد اكتمال مشوار. ام اقول لك: اهمسي في اذنيه كلمات من غرام، فيختفي!! كلمات من سحر فينتشي. سحر حبيبتي نباتات عطرية. سحر حبيبتي طلاسم برية. وحبيبتي طفلة عنيدة مجنونة. سحر حبيبتي عطر يحلّي الايام. سنونوتي ارجعي ليّ. لا تبحري عميقا جدا. فحبيبتي تنتظر هناك عند شرفة الوجود تتأمل معي. لا تتوهي في بحر الاكوان. وتتركيني بلا روح على عتبات النسيان. أهيم مع طفلة ولهانة ومدهوشة. ارجع فاليوم لقاء. ارجع فاليوم جمال. ارجع كي تنظري قوافل الشمس تعانق الارواح. ارجعي كي نقرأ والحبيبة طالع الغروب. فندرك الاخبار، وكل الاسرار. ارجعي فموسم الحب قد بان.

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

ليل ووهم وعاشق مجنون

http://www.aljoumhouria.com/news/print_news/30660 اشعر بالليل يتناثر من فوقي على الروابي، يمد بساطه بعيدا حتى المنتهى. يسقط ثقيلا على رأسي حين يختبئ القمر. تسكنني الوحدة حتى الموت لمّا لا تكونين معي. أضعت حبيبتي عند التلال. اضعتها عند المنعطف، حيث يهبّ السمر. هناك عند التلال حيث تلتقي النجمات الجبال في عزّ السهر. اين ذهبت يا حبيبة؟؟ اين ذهبت؟؟ قالت لي الديمة انك اضعت غيمة من قطعان غيماتك. فمضيت وراءها. اتكون شمس المغيب قد خطفتها منك الى عوالم خلف البحار؟؟ أمزجتي غريبة. قصصي غريبة. وحبيبتي مفقودة. حزين انا. يتيم انا. وأمزجتي عاصفة ومجنونة... أشرعتي تأخذني الى مخاوفي المدفونة عميقاً. تأخذني الى صحارى الشرق المجنونة حيث الموت والطوز. الى اين رحلت يا سمراء؟؟ أتكون البادية المفزعة قد سرقتك؟؟ لا، لا، فتلك بعيدة مهما اقتربت!! حملني الخيال الى اوكار الريح. سألتها أن تحملني الى مهب الليل حيث قيل انها هناك. سألت الريح ان تحملني الى مخدع الشمس حيث الفراش من غيمات والناس من نجمات. قيل انّ حبيبتي باتت ليلتها هناك!!! استلقت على وسادة من اجنحة النوم في اللامكان واللازمان. من يوقظ حبيبتي لي؟ من يشربها مسحوق ذاكرة يعطّل مفاعيل النسيان؟؟ بالله عليكم قولوا لها ان حبيبها وافى. قولوا لها انّ ابن الايام أتى كي يعيدها الى حيث ينتميان. طبل يقرع، وصنج يطن، وناقوس يرن حتى تعود. كلا. كلا. فحبيبتي لا تطيق آلات الطبل. كما انها تخشى آلات النفخ. هاتوا لي القيثارة. فالوتر حنون يداعب الخيال ويعطل بالنسيان. وكان نغم. وكان غسق. ثمّ لمحتها قادمة من جهة الكروم. وافت وقد لاحت لها الكروم اشكالا، اشكالا. تربعت على عرش الشمس. ومن يركب الشمس لا تدركه الظلمات. استوَت على كرسيها. حبيبتي حقيقة. لا بل هي وهم وخيال. حبيبتي واقع حيناً ومن بنات افكاري وهلوساتي احيانا اخرى. لا تكتمل صورتها إن لم ألبسها وشاحا من خيال. لا تكتمل إن لم تعش في ضميري وفي كهوف مخاوفي واوهامي. اسقط عليها من ماضيّ وقدري وعشقي المجنون. حبيبتي لا تحزني كثيرا. فقد اكتشفت اني اعشق الحقيقة اكثر منك. اعشقها حتى الممات. لا تقولي مجنون حبيبي، وغريبة عوالمه وبحاره. نعم فقد عشقت مَوتوراً لا ينتمي الى حيث يعيش. عشقت نفسا ما زالت تهيم فوق المياه. تتفوّه بأشياء مجنونة. ارحلي عنه ان لم تكوني مجنونة. ارحلي عنه ان لم تعرفي كيف تخاطبين الاوهام والارواح. او ببساطة تعلمي أشياءه فكلّها صمت ورياح. امتطي عرباته الى الغيمات، فالعالم اجمل من عنده اجمل. أبحري معه على الموجات. فزبد البحر ياسمين، وصوت النورس ترانيم. مُتبالَه حبيبك وليس مجنونا. دعيه يبحث عن الحقيقة. دعيه يبحر. ولا توقظيه فيفوته الحلم. انّ الحب أصفى معه. والعمر انقى. لعلّه يصبح نيزكاً. لعلّه يكتمل يوما يا حبيبتي...

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

سياسة - مازن عبود دعا البيئيين للترحيب ب"البابا الاخضر"

سياسة - مازن عبود دعا البيئيين للترحيب ب"البابا الاخضر" Fri 14/09/2012 12:08 حفظ اطبع هذا الموضوع | اغلق هذه النافذة وطنية - 14/9/2012 - دعا المستشار البيئي مازن عبود، في بيان اليوم، "البيئيين في لبنان، الى الترحيب بالبابا الحالي الذي يعرف ايضا ب"البابا الاخضر"، مشيرا ان "رأس الكنيسة الكاثوليكية هو احد اكبر المدافعين عن مخلوقات الله في كتاباته ولقاءاته وأسفاره، وقد اتخذ مسألة الدفاع عن البيئة شعارا لبابويته". ونوه ب"سياسات قداسته الخضراء ضمن دولة الفاتيكان والتي ترتكز على الاعتماد على الطاقة المتجددة بشكل اكبر". واضاء "على واقعة استبدال الحبر الاعظم لسيارته باخرى خضراء تستهلك كميات دنيا من الوقود"، آملا ان "تشكل الزيارة وقفا للنزف الحاصل في الارياف وعودة الى الارض وبداية صفحة خضراء فعلية في اقتصاد وتاريخ لبنان والمنطقة". ر.ي. © NNA 2012 All rights reserved

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

من أقوال مغادر

وقف ظلّي امام صندوق جثمان نسيبه العائد من الاندلس، ذاك الذي كبره ببضع سنوات. راح يتأمّل وجهه عبر زجاج الغطاء، فشعر بالروح تحرك يده وتنطق به على لسان مَن مضى. فسمع ينطق: "هذه الاقوال يقولها غابي، في يوم عودته الى دياره، الى ابيه وامه: "ها انا يا اهلي اعود من جوار غرناطة صندوقا يستقر، وللأبد عندكم ها هنا. لا تلوما الاقدار، لأنّ السنونو المغادرة اخذتني منكم في ايلول، من دون استئذان. اعود اليوم اليكم فأستلقي حيث العين التي تجاور المدافن، وتذرف دموع التوبة بالنيابة عن كل من غابوا. اعود كي استقر قربكما يا ابي ويا امي، وانا لم احظ بمثل هذه الفرصة قبلا، فرياح الغياب سرقتني واخذتني منكما الى قدري، الى بلاد الاندلس باكرا جدا، فصار لي عائلة واصدقاء. آه كأنّ مشوار ترحالي الى هناك حصل البارحة ليس الّا. رضاكما عليّ يا والديّ. فرضاكما اساس التوفيق هنا والى حيث انا راحل. واعذريني يا اختي على عودتي المفجعة، فانا لا استطيع الابتعاد اكثر عن الارض التي ولدتني. لا تبكوا كثيرا عليّ، بل تضرعوا من اجلي كي يتقبّلني القدير في دنياه. البارحة وافاني شفيعي وشفيع جدي، رئيس الملائكة العظيم جبرائيل، وافاني على غفلة وابلغني انّ الساعة قد حانت. فرحلت على عجل. همس في اذني مُبلِغا انّ مريم التي بشرها بولادة المخلص، والتي ذاقت لوعة موت ابنها على الصليب، ستبلسم جراحك يا امي، وستكون ملجأك يا ابي. ثمّ تطلع بي سمعان العامودي ورفعني معه الى فوق، الى أبعد من عموده. رفعني الى حيث مضى. لا تسألا لم؟ وكيف حصل ما حصل؟ فإنّ الذي يرتب كل شيء عالم بما يعمل. أستمحيكما عذراً واقبل أيديكما قبل ان ادخل الى التراب التي منها صنعت، فأخرجت طفلا من حشاك يا امي. أستمحيكما عذراً وأقبّل اهل الحي والاقارب والاصحاب فرداً فرداً، انا الذي لم يسمع لي صوت يوما. وتراني اقول لكلّ من احبني: اذكرني في صلواتك اليومية، انا الوجه الباسم والهادئ الذي ما ازعج احدا يوما. اما انت يا ربي ويا الهي، فتقبّلني اليوم في ملكوتك، انا الذي ابتعدت عنك من دون ان اتغاضى عن تعاليمك يوما. اقول من عمق نفسي: ارحمني يا الله. يا من انت عالم بأحوال من ذهبوا وهم في نصف ايامهم. اذهب اليك وانا مدرك حُنوّك وعطفك ومودتك للبشر. اضع على رجليك شهرتي، واصرخ: ارحمني يا رب انا الذي عملت في حقولك. اني ارى نفسي اليوم ادخل الى عربة من نوع آخر، عربة لا اقودها، بل يقودها شفيعي والملائكة. فانا قد اعتزلت قيادة السيارات المجنونة منذ لحظة رقادي، واصبحت اميل الى ارتياد عربات الملائكة، انا الذي امتهنت قيادة سيارات السرعة. اما انتم يا رفاقي، يا معشر من برهنتم انكم اخوة من غير لحم ودم، أودّعكم جميعا واشكركم على قدومكم لوداعي. اني استمحيكم عذرا الان، فقد طال سفري وحان وقت الرقاد. فالى اللقاء، الى اللقاء لأنّ الدرب التي امضي فيها اليوم هي دربكم ايضا. فانتبهوا كي لا تقعوا في تجربة، واعلموا انّ العمر ظلّ ليس الّا". انتهى الخطيب من تلاوة الرسالة، فعلا التصفيق على غير العادة في تلك المناسبات. فقد قيل انّ طنين الكلمات وصداها رددته نسائم ايلول وتناقلته سنونواتها الراحلة الى المجهول. فاعتقد الناس، لوَهلة، انها قررت البقاء؟؟ لكن الرحيل قد كتب على أجنحتها كما كتبت على جبين البشر قصصها.

الجمعة، 7 سبتمبر 2012

خطة ميقاتي لتمويل السلسلة وضع أسس جديدة لأزمات مستقبلية

مازن عبود: الأربعاء 05 أيلول 2012 اعتبر الناشط البيئي مازن عبود في تصريح أن "خطة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتمويل سلسلة الرتب الرواتب عبر تشريع استثمارات اضافية للمباني الحالية هي بمثابة وضع اسس جديدة لأزمات مستقبلية جهنمية في بيروت وسائر المدن". واعتبر أن "تراكم هذه السياسات للحكومات المتعاقبة قد جعل من بيروت ومحيطها مواقف سيارات ونقاطا ساخنة مقززة على المتوسط"، مشيرا الى انه "كان يتوقع من رئيس الحكومة العمل على اقرار قانون جديد لكن باتجاه معاكس بحيث تصبح سطوح المباني مثلا جنائن خضراء تساهم في تحسين نوعية هواء المدينة او العمل ايضا على فرض شروط جديدة على قانون البناء بحيث تصبح الابنية اكثر تجانسا مع معايير الابنية الخضراء، فتصبح هذه المنشآت عندها أكثر فعالية واقل استهلاكا للطاقة واكثر نظافة، فلا تعود النفايات ترمى على جوانب الطرق بل في غرف مخصصة لذلك مثلا"، مناشدا رئيس الحكومة "اعادة النظر بموقفه، ووجوب التفتيش عن ضرائب جديدة في التلوث والاعتداءات البيئية والممارسات الخاطئة". http://www.elnashra.com/news/show/519178

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

يوميات مخاتير

راح المختار يبصّر مقلّباً الورق على ضوء الانوار الخافتة بفعل انهيار الكهرباء. فقد طلب منه الزعيم قراءة المصير، والافادة في ظل هذه الاوضاع المتغيرة في الشرق الاوسط، لزوم بناء مواقف على أرضيات ثابتة وتحديد وجهة تحالفاته المحلية. وكان كلما هبّت نسمة هواء يصرخ ظناً منه انّ المجهول قد وافى. وداهمه "حبوب" بسيارته التي كانت تصدر أصواتا تعكّر صفو الجو، فاهتزّ المختار لمّا أدرك أنّ سيارة اقتحمت شرفته، ولولا قدرة قادر لدخلت الى منزله. وراح يولول صارخاً: بن لادن، يا زعيم، انه ابن لادن. لقد وافى بن لادن!!. فناداه "حبوب": ما لك هذا، انا يا مختار. انا حبوبا. اتيتك كي اسجل رضيعتي التي ابصرت النور للتوّ. فردّ عليه: تقبرني يا حبوب. اشتقتلك يا حبّو، يا اخي كم انت ظريف!!! لم لم تدخل السيارة الى غرفة النوم؟؟ اما كان ذاك افضل لك ولي؟؟ الا تنتظر صغيرتك حتى الصباح كي تدخل السجلات؟؟ تفضل ماذا ستسميها؟؟. قال : Paula. فأجاب المختار: عيب عليك ان تسميها بولا. اذهب، وعد صباح غد باسم آخر يليق بها. فهذا اسم لا يليق بالصالونات. دعني اليوم انهي أعمالي، وعد غدا. ووافى فجر الغد. واذا بالسيدة "زي زي" تترنّح تحت المظلة التي حملتها لها خادمتها "فيفا". وقد قدمت لِلقياه، وهو كان يقلّب خرائط المساحة للبحث عن مساحات تجارية. ألقَت عليه التحية، ومن ثمّ أفصحت عمّا يدور في رأسها الذي راح يدور طوال ليلة امس، حتى انها ما استطاعت النوم. فقد بلغها انّ جارتها "فو فو" قد عادت تمرض مرة في الشهر، فارتابت. وافته كي تتطلع في سجلاته على تاريخ ميلاد الجارة بالتحديد. فتحمل المعطى والخبر الى الدكتور "فرشو" للتحقق من صحة ما جرى. فملكة جمال لبنان السابقة، كما كانت تسمّي نفسها، لا يجوز ان تبقى على هامش الايام بينما سواها يستعيد صباه ونضارته، ويكوي وجنتيه ويشد وجهه حتى يصبح فمه في رقبته احيانا، وهي تتفرّج. خصوصاً اذا ما كان هذا الشخص الجارة اللدودة التي أضحت قبلة الإعلاميين، والتي قيل انها استعادت قدرتها على التوالد، وهو لم يحصل؟؟. قبّلها المختار، واستقبلها كما يليق، الّا انه رفض الدخول في مثل هذه المسائل، حتى لو كانت غريمتها من غير خطّه السياسي. فأسرار المهنة لا يكشف عنها الّا بطلب من الضابطة العدلية، وبعد تأشيرة المدعي العام، او غمزة من الزعيم، ووفق الاصول المعمول بها قانوناً. فالموضوع دقيق للغاية، ولا يجوز الإفصاح عن خصوصيات الناس لمثل هذه الدواعي النسائية. ثمّ راحت القطط تموّي من حوله، و"زي زي" تنظر. فسألته عن السبب، فأبلغها أنه كان يكرمها جدا، وأنه يغدق عليها في المناسبات أمعاء اسماك البزري المشهورة. ثمّ انتحبَ مُبلِغاً ضيفته كيف انه أقصى مرة قطة اختلست منه سمكة بزري، فراح يطاردها في شوارع المحلة الى ان أرداها قتيلة. وندم لمّا اكتشف انّ ثمن الطلقة كان اكثر من ثمن سمكة البزري المسلوبة. فتطلّعت به "زي زي"، ولم تقل ما كان يجول في بالها. وهمّت ان تقول له: "تضرب يا مختار شو بخيل!! أإلى من ستعود أموالك وصكوكك؟؟ ألا تعال فتزوّجني كي أعلّمك كيف تعيش غنياً وتموت فقيراً. ثمّ أجرى جولة تبصير اخرى لم تسفر عن نتيجة، فالغيب قد تعطّل هو الاخر على ما يبدو. الّا انه قرر ان يستنتج شيئا لزعيمه حتى لو كذب، فالتبصير في الورق يحتمل التفسيرات. ومن ثمّ لا يجب ترك المرجعيات من دون معطيات حتى يُبنى على الشيء مقتضاه. سواء كان هذا الشيء واقعيا ام لم يكن!! وذلك لأنّ المسائل تنزل على الزعماء عادة من فوق، فيتبنّونها من دون نقاش، وما عداه فهو للتسلية. وهذه قواعد اللعبة.

الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

فصل من قصص "يوسف الرسول" وبناته وصبيان الحارة

انشغل «يوسف الرسول» بالسياسة والامن مؤخراً. وهو ما ادمن عليهما بل على التجارة وعلى تلاوة الرسائل في الكنيسة في كل احد ومناسبة. وتلاوة الرسائل قد أكسبه موقعاً متقدماً ولقب «رسول»، امّا التجارة فأمّنت له الغنى والعيش الكريم. الّا انّ شيئا ما قد حصل في حياة ذاك التاجر الذي عرف عنه بأنه لا يغادر متجره في السوق الجديد، الّا في اليوم الثامن وايام الاعياد، او اوقات زياراته لطرابلس بهدف التبضّع. ومتجره هو واجهة لمنزل يمتدّ عميقاً خلفه، ويشكل امارة حكمها. فشكّلت خزانا تموينيا للمحلة وسائر الجوار، وتنوّعت خصائصها المادية ما بين الخرضة والمواد الاستهلاكية والبنزين والحلوى والخضار. ولقد استوطن الامارة بنات الحاكم!! فازداد عدد الزبائن من شريحة الشباب المتلعثمة، اذا ما حضرن. وكان الخجل يتملكهنّ في كل مرة كان يحضر "فقّوس" الذي كان يغدق عليهنّ بفيض الغزل، فيخجلنّ ويخفضن رؤوسهنّ. لقد شكّل الغزل سلاح الصبي الفتّاك لزرع الخجل بغية السطو على بعض الحلوى الطرابلسية المعروضة في الصندوق الزجاجي في ذلك الدكان والتهامها بسرعة، او وضعها ببساطة في محرمة جيب طويل لمعطف أعدّ خصيصا لمثل هذه العمليات. ومثل هذه الانواع من الجيوب اشتهرت بها عائلة ذلك الصبي الرذيل الذي تخصص في السطو على الاطعمة. فحتى "سليمة" لم تسلم من غزواته، على الرغم من اسمها المصون وسطوة زوجها وكثرة عدد بنيها وتعاظم قدراتهم الجسدية. فقد سطا مرة على "غمتها" التي كانت تحضر على الحطب، وأبدلها ببعض من "فروج" كان قد سباه من طنجرة امرأة اخيه. فكان ان تسبب بعكرة استكملها بالاعتداء على "خوابي" زيت ابيه الذي باعه من دون ان يُيَتِّم الاجران التي ملأها ماء، من دون ان يبخل عليها ببعض من الزيت كي يطفو على السطح. فيطمئن له والده الذي تعوّد زيارة كنزه مطمئناً الى سلامته وجودته، حتى حان موعد البيع فحصلت الفضيحة. وتحسّر الوالد على تعبه، وشكا ما اصابه الى الكراكون (مغفر الدرك). انشغلت سلالة "يوسف الرسول" بحلّ مسألة تناقص كميات الحلوى في ذلك الدكان-الامارة الذي عجّ بالأنشطة التجارية، في مثل هذه اللحظات المصيرية من تاريخ المنطقة والبلد. ما أرادوا إعلان موضوع تناقص كميات الحلوى خوفاً من تأثر سيكولوجيا الزبون، فيظنّ ان الدكانة قد تمّ اجتياحها من قبل الجرذان او انّ الامن فيها قد اضحى مخروقاً، لا سمح الله. فكان ان تمّ اتخاذ قرار عائلي وقّع عليه كل افراد العائلة، وتألف من مادتين. المادة الاولى: "ضرورة الطلب الى الزبائن التصفيق عند انقطاع التيار الكهربائي". فالمثل يقول "عند تغيير الدول احفظ رأسك"، والتصفيق عند انقطاع التيار الكهربائي الرسمي بانتظار وصول كهرباء الموتور ضرورة لحفظ الرأس والجيب. وبالفعل، أضحى "يوسف" يصدح عند كل استحقاق كهربائي: "هلمّ يا معشر المؤمنين، فلنصفق حتى يأتينا التيار الكهربائي سريعاً !!". وقد نسب هذه المقولة الى الآباء القديسين، كي يعطي مساره مشروعية دينية. واضحى التصفيق سيّد الاستحقاقات، فذاع صيت "يوسف" بأنه خطيب انقطاع التيار الكهربائي المفوّه. فراح وزير الطاقة والمياه يدرس إمكانية ترشيحه للانتخابات من قبل تياره. فكان ان قاطع دكانة "يوسف" كل المعارضين، فانتكست الحركة التجارية عنده. المادة الثانية: "إقفال البوابات الدهرية ليلا والاحتكام الى السلاح عند الحاجة للنطارة". فعلى ما يبدو انّ عكرة "فقوس"، معطوفة الى تداعيات الربيع العربي على لبنان، كان لها اثر بالغ على وضعية المحلة وصفو العيش. نعم، فالمعلم "يوسف" ما عاد يكتفي بإقفال بابي المحل الداخليين الخشبيين المخرّمين بالنوافذ الزجاجية، بل اضحى يغلق ايضا البوابات الخارجية. تلك التي لها مفاتيح يتعدى وزنها الرطل. واضحت سلالته تصدح عند سماع اي ضجة: "عرفناك. شفناك. ادركناك. خلّيك عند. انتبه البيت مسلّح". امور، بحسب المراقب المخضرم "حنّا عيد"، ان أشَّرَت الى شيء إنما تؤشر الى تراجع الوضع الامني في المحلة. فإغلاق بوّابات المحال الدهرية، التي ما كانت تقفل الّا عند حصول وفاة او زيجة او ما شابه، امر مستنكر. واعتبر انّ ما حصل في المحلة المحفوظة من الله لا يمكن فصله عن مظاهر "باربيكيو (شَوي) الدواليب" في كل مكان. كان فرح "يوسف" يكتمل عادة عند تلاوته "رسائل بولس" في كل قداس، كما عندما يستوي على عرشه في دكانه، فيحتسب غلّة نهاره. لكن ليس بعد اليوم، فالقلق أضحى يسكنه حتى انّ الفلوس التي راحت تتناقص ما عادت تعطي نفس المفاعيل عند لمسها وشمّها. نعم لقد تغيّرت المحلة، لم تتغير بفعل عوامل خارجية بل بفعل خوف الناس. فـ"فقوس" كان وما زال هو هو. الّا انّ المحللين قد كبروا الفشخة، والحكّام ما عرفوا كيف يحفظون الهيبة. فكان ان حصل ما حصل.

الياس الاخضر

طانيوس ولد حنّا، وحنّا ولد الياس. فكان الاسم الياس حنا طنوس صافي. عائلته نمت في محيط الدير. فأضحت "ديرية". نشأت حيث الصفاء يستقر في النفوس فيطبعها ويتخذها له. فأقام فيهم نسلا له. كان الياس ابن "الصافي" وابن الارض التي ما فارقها يوما. قرأ فيها، وقرأ منها، وقرأ عليها من نواميسها. لم تغادر البسمة ثغره ولم تفارقه نعمة "الرضى". كان بسيط العين فكانت نفسه وجسده سليمين. ضبط لسانه وصانه. اقترن بالفلاحة والمواسم ومن شابهه. فأضحى فتى الحقول يفهم طرائقها وفنونها. لمّا كنت اراه كنت اقول مازال في بلدتي طيبة. مازال في ارضنا خير. ولم يحجب الله نور وجهه نهائيا عنّا!! اتيته مودعا قبيل ساعات من ترحاله. فعرفني، الا ان نطقه كان قد خار. فأبتسم وتطلع بي مودعا. جلس قبالتي وراح يحتجب ثمّ يعود. لقد كان ينتظر على ما يبدو تجلي الرب. فيعاين مجده ويتزود من انواره قبل رقاده. قيل لي انه لم ينم في تلك الفترة لليال. فهو كان ينتظر العريس كي يستكين. كان ينتظر العريس ك"فتاة عاقلة" من الكتاب اوقدت سراجها وراحت تنتظره. فوافاه واخذه الى خدره. فرحت به ارض "مار سركيس" لمّا اقتبلت جسده. وهو الذي داعبها وقبّل وجناتها ودللها ودللته. تفرح الارض بالاطفال من ابنائها. كما تموّج الزيتون لمّا وافى تربته. تموّج كي يعطّر له حر آب اللهاب، نسائم عليلة. الياس يا ابن حارة شفيعك وسليل محلة ديرية وحبيب نجم البرية، اذهب الى حقولك حيث الزيتون والغيوم والخضرة والبهائم تعيش جميعها بمسالمة مع البشر!!! اذهب الى حيث "لا طمع"!! اذهب الى حيث يقتات البشر من خبزهم "كفاة يومهم" ليس الا!! فلا يقتلون لغريزة ولا يتقاتلون من اجل موقع او مال. اذهب الى حيث الموتى احياء لانّنا اموات ها هنا. اذهب الى حيث لا ينتهك الفردوس ويخدش بطمع البشر وطرقهم وفنونهم المعوجة!! اذهب الى حيث الاستقامة. اذهب الى حيث تعيش الارواح جميعا بمسالمة. اذهب الى هناك يا اخضرا من اهلي ما خدش امه الطبيعة يوما، ولا انتهكها دون سبب. فحيث انت ماض اسراب القديسين والابرار والرهبان يحيون وينتظرون قدوم الديّان. .

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

ليلة عرس

وقف في غمرة من وقفوا لدى دخولها قاعة عرسها. وراح يدندن سكرانا غنوة شارل "ازنافور" التي خصّ بها ابنته "اعرف انّ ذلك اليوم آت لا محالة لانّها الحياة يوم ترحلين فأعود الى منزلي ممسكا يد امك وحيدا فندخل صحراء المنزل حيث لا تكونين". ادرك "سليم" انه اليوم. فالفارس وافى على صهوة جواده كي يخطف منه ابنته. احسّ بمشاعر غريبة. وكادت ان تنهمر من عينيه الدموع لولا لم يتد
ارك ويعرف بأنّ المناسبة سعيدة. ثمّ ضاع في غمرة الضيوف وراح يتطلع الى وجه الابنة الذي شابه وجه امها وامرأته. احسّ للحظات انّ العرس عرسه لولا، غياب امه وابيه. ثمّ فرح لانه خطف وللحظات الى اسعد لحظات الماضي. آه لو لم يعيده الواقع الى غمار تلك السهرة!! ثمّ بدأ يتأمل العروس من كل الزوايا ويتذكرها طفلة تغمر البيت عجقة وفرحا ومرحا. استرجع كل ذكرياته. استرجع كيف كان يحملها واخواتها في الحرب هربا من دوي المدافع بحثا عن امكنة اكثر امانا، حتى لو كانت اكثر قتاما وعتمة. راح يشهق لمّا تذكر ضروبها الطفولية التي كانت ترهقه. ثمّ ابصرها كشافة تغني وتتمايل مع نار المخيم مع رفاقها ورفيقاتها. لم يعرف لما شعر في هذه الدقائق انّ حياته مالت الى الغروب؟؟ شعرت انّ "سليما" كان ثملا من خمرة الحياة والتحولات. اعترته مشاعر متناقضة من الفرح والحزن والحنين. سرّ كثيرا بالوجوه التي تقاطرت من كل البلدان للمناسبة. والوجوه هي لاصدقاء واتراب هم الاقرب الى قلبه وحياته وتاريخه. قبلهم فردا، فردا بدماسة. ومضى الى طاولته يحتسي من خمرته. اما "جيزيل"، ام العروس وزوجته، فقد شاركته الكأس. الا انّ الحياة كانت اقسى عليها. وكانت تلك المرأة اكثر افصاحا عن مشاعرها. ضمتني، وقبلتني بحرارة، قائلة: "اتعلم. ما رزقني الله صبيانا، الا اني كنت اعتبرتك و"مروانا"، ولديّ ومنذ فتوتكما". انتظرت تلك المناسبة كي تفصح لي عن ذلك. فكان ان دمعت عينيّ. واحتسيت من كأسي ونبيذي قدرا كافيا. واسترجعت ايامي مع تلك العائلة. فاستذكرت ايام الفتوة مع "زينة" و"جيهان" وحتى "نيلى" الصغيرة. بدت "جيزيل" متعبة من ضربات المرض. كانت حزينة. الا انها كانت فخورة، وقد كبرنا. فرحت، لمّا قدمتها الى صديقتي التي راحت تتطلع اليها. همست في اذنيّ مبلغة اياي انها جميلة كصبح ورقراقة كجدول وهادئة كليلة صيف. حاورتها بضع كلمات ومضت. اما العروس فقد كانت في ذهول. لا تصدق انها هي اليوم في الرداء الابيض. وهي قد اعتمرت الثلج بالامس رداء. رقصت مع عريسها، رقصات ما رقصتها حتى مع نسمات بيادر "فغري" حيث كانت تنطر المخيم الكشفي. اشرقت كشعاع شمس كسر عتمة مغاور الجبال. "زينة" هي عروس حقيقة اليوم. تلعب دورا طالما تمرنت عليه في طفولتها مع سائر بنات وابناء البلدة. هي القصة في تلك الليلة والنجمة والحلم والعروس. ترقص مع عريسها. والدنيا كانت ترقص من حولها. الجميع اتى كي يشهد فرحتها. اتوا ليشاركوها فرحة صيرورتها امرأة اقترنت بزوج كي تستولد للحياة ابناء وبنات. علت الموسيقى وطار المكان. ارتحل عن بيروت "الاطر المحروقة" و"النفوس المحتجزة". ابعدته الموسيقى عن كل شيئ. حتى الطرق المبتورة والتصريحات النارية واخبار الحوارات الدهرية والشكلية قد زالت في تلك الليلة. فالعروس هي الحدث وما سوى ذلك خلع مع النعال خارجا. ففي عرس الحياة تطفو اللحظات الثمينة. فتزول المشكلات ولو لدقائق او لحظات. نعم، ففي عرس الحياة تخرج الذكريات والمشاعر والاحاسيس من سجنها القتّال، فتخلط بالواقع كمشهد سوريالي على حلبة البقاء.

الخميس، 16 أغسطس 2012

"ريشو": أذكى المخلوقات على الارض

"سنصنع ربيعا مختلفا للمحلّة. سنزيل الطبقة الفاسدة. الثورة آتية يا شباب. نعم انها الثورة. ألا فاضرموا النيران على التلال. احضروا الاطارات. اشعلوها. قوموا. اقعدوا. شاغبوا. انها الثورة. الثورة... ألا فامضوا وادفنوا جثث أجدادكم القابعة معكم في منازلكم. تطلعوا الى الغد. فثمّة عصر جديد". هذا بعض ممّا كان يلفظه فم "ريشو" المذهب، الذي تعرّى بفعل عوامل الطبيعة والسوس والزمن من معظم انيابه. وقد كان يقبع بعض الوقت في سوق تلك المحلة كي يسوّق افكاره. افتخر "ريشو" بكونه من المخلوقات الذكية في الحجم التي تستهلك قليلا وتفعل كثيرا. وبالفعل لم يتعدّ حجمه مترا ونصف المتر في الطول وبضع السنتيمترات في العرض في احسن الايام. كان يقتات اخبارا ويتنفس اقوالا. قال مرة انّ تصميم ما يعرف بالسيارة الذكية قد تمّ سرقته عنه. واعتبر بأنّ الطول هو لازمة ما لا يلزم، وترجمة لرغبة رأسمالية دفينة ما عند الخالق. وكان كلما التقى بطويل يقول له: "انت رأس مالي، اني اعلم. وانت تستهلك اطعمة اكثر مني، وكميات قماش اكبر. وحركتك ومفعولك هما اقلّ بكثير مني. قل لي لِم كل هذه القامة؟؟ ولِم كل هذا الحجم؟؟ لا تتباهى بنفسك كثيرا، فكلك شطط يا رجل". كما كان يقول إنه رافق مظاهرات البحارة في صيدا ونضالات الزعيم الصيداوي "مصطفى سعد". ادعى بأنّ الشاب "رفيق الحريري" الذي اصبح لاحقا رئيس الحكومة الشهيد، كان يتولى شخصيا وضعه على كتفيه والسير به، وذلك بوصفه احد كبار الرديدة ممّن خَفّ حملهم وصدح صوتهم. أحبّ إضرام النيران والبحث عن الذهب. وربطته بالاكليروس علاقات سيئة نتيجة اعتباره انّ المسيح اغتيل كالرئيس "الكندي"، اي الرئيس "جون كينيدي"، من قبل "اللوبي الصهيوني" في الولايات المتحدة الاميركية. هكذا بدأ خلافه مع الاكليروس. وتطوّر لمّا اعتنق مبادئ "كارل ماركس" الذي اعتبره نبياً. وقد سأل امراته مرة ان تسخّر الخوري "طنسى"، الذي وافى لزيارتهم، حمل زبالة المنزل الى برميل النفايات. فكان أن تسبّب تصرفه بعكرة، كادت ان ترمي به خارج المحلة. فنال جرّاء ذلك نصيبه من السباب واللكمات. وما زالت تشكل قصصه مع الخوري طبقا دسما على مائدة مناقشات اهل المحلة "المحبوبة من الله"، كلما دعت الحاجة. فـ"ريشو" كان يعتبر الخوري عاطلا عن العمل، وانّ "العطالة دكان الشيطان"، وانّ أسوءها هو المقنّع. فتلك تجعل من الشخص ينمو في الحجم، من دون ان يضطرد فهما ونضجا بالضرورة. كره الالقاب الّا لقب "الرفيق"، فـ"الالقاب تعطل الناس وتقتل انسانيتهم وانتاجيتهم". كان "ريشو" مسموعاً لكن غير مستجاب لدى اهله. فقد كان يحصل دوماً عكس ما كان يطالب به. حتى أضحت "نجوبي" الجارة تسأله معاكستها كي تتحقق مآربها. فحصل تحالف ما بينهما ضد مصلحة المجتمع. عرف بعلاقاته بـ"سعّود" العرّاف الذي كان يرشده في مسيرته للبحث عن الذهب. فسعيا معاً لفكّ الطلاسم والارصاد، لكن من دون جدوى. فأضحيا ملجأ لكلّ انواع الجن، حتى انّ عائلتهما هربتا منهما. فاستعيض عنهما بالماعز والدجاج. كما أغرم "ريشو" بإشعال الحرائق والنيران حتى انه قيل به انه اضرم النار مرة في فستان جارته "انوش" التي اشتهاها ولم يحظ بها، بالنظرات. ولمّا مرض رفض الذهاب الى المستشفى على رغم توصيات د. "فرشو" المشهور في نطاق المحلة. فكان أن التجأ الى احد تلامذته المدعو "الحج" الذي راح يطبّب مرض معلمه، "سرطان المسالك البولية"، بالاعشاب حتى توفي وحيدا في غرفته تماما كالرفيق "ستالين". وهو قد تعلّم منه انه لا يمكن الوثوق بالاطباء، وخصوصا اذا كان الشخص في دائرة الاستهداف. ولمّا رحل نعاه الرفيق "يعقوب" والطبيب الرفيق "فرشو"، كما الجن وكل اعضاء حزب ومناضلي تلك المحلة الذين لم يكونوا كثراً. بكاه الجميع، الّا الرأسمالية المستوحشة. اما الطغمة الكهنوتية، فقيل انها اقامت له مراسم الدفن بطلب من عائلته. وصلّت على نيّته، سائلة عارف القلوب ان يمحي هفواته ويتقبله. هكذا كان "ريشو"، خلطة نافرة من كل شيء. خلطة ما خَلت أحيانا من الحكمة. وهكذا هم بعض من اهل تلك المحلة التي عرفت. فكأنّ الومضات لا تغيب عن السواد، وكأنّ الحكمة تمتزج بما تشاء وتنطق في من تشاء. فلا ندن أحدا البتة، ولنعرف كيف نتحوّج، حتى من "ريشو"، ما يناسبنا.

الاثنين، 6 أغسطس 2012

صاحبي في شباك ساحرة بوهيمية

اعتقد بأنه اعتزل الحبّ زمانا. اعتقد ايضا بأنه لم يكن معدا لكلّ ذلك. الا انه التقاها. ولمّا ابصرها للمرة الاولى، احسّ بأنهما قد تواجدا معا في مكان ما وزمان ما. فاحتار في امره. وسأل اين ومتى التقيا؟؟ لم يوفق بالاجابة. أتكون الذاكرة قد خانته، ام انه قد بدأ يمرض؟؟ فقال: "تباً للعقل المحدود". ثمّ ايقن انهما التقيا في لحظة ما في المجرة، عند منعطف كوكب او عند لطوة درب في مسلك من مسالك هذا الكون؟؟ أكانا ومضتين أبحرتا معا في مجرة افكار واكوان ما قبل الولادة؟؟ كل ما يعرف هو انه قد ضاع في بحر جمالاتها. كما يتوه قارب عند تلاقي صفحتي الازرقين المتوازيين في المجهول. جميلة هي وساحرة كأميرة بوهيمية. رزق اميرة على رغم انّ عصر الاميرات قد ولّى. هو المتيّم بقصص اميرات بوهيميا واسكندينافيا والبلقان. ما تجرأ فسألها عن رقم جوّالها لأنه كان متأكدا بأنها ستعود فتبان في طريقه. كان مقتنعا بأنّ الكواكب والاقمار لعبت لعبتها ورسمت مساره. فمضى. وبالفعل اجتمعا مجددا. فالتقيا على شاطئ جبيل عشية ليلة صيفية. كان شعرها للعتمات، وعيناها للنجمات، وقدّها للامنيات، وثغرها للاغنيات. كانت جميلة كساحرة، وعميقة كبادية. أمّا عيناها فمن مجاهل الامازون حيث تضيع العناصر. حملها غنوة الى النجوم، واحتسى من سحرها جرعات خمر سماوي من افياء المجرة. وراح يتطلع بنجمة الصبح، سائلاً: "أيا نجمة اخبريني: من اجمل انت ام حبيبتي؟؟؟ قولي لي بصراحة، لأني اعرف الجواب". ولم تجب النجمة. فالنجوم تخجل عادة وتستتر وراء الاقمار. ثمّ احضرها الى المتموّج. فضج بها، لمّا رآها. وخرّت مياهه المالحة على قدميها. كيف لا وما هو سوى قطرات غرام مالحة أسقطتها عيون العشاق!! خشي منه فهو يمتلك إلهاً غضوباً اكثر منه. احضرها الى ازرق "مارك انطونيو وكليوباترا" وسواهما من عشّاق المتوسط المجنون. واحتسى من خمرة الايام الكأس تلو الاخرى. حتى انه قال لصديقه صبيحة يوم ما بعد اللقاء: "لقد ثملت ليلة امس. اتعلم يا رفيقي انّ لي حبيبة خرّت على قدميها المياه المالحة كدمع. فغسلت قدميها. لي حبيبة همس المائج في اذنيها ما لا اعلمه. لي حبيبة التقيتها حيث هبّ الليل البريّ من قعر البحار مدغدغاً أهداب أمواجها". لي حبيبة ضاعت في عتم الليل، لا بل استترت به. وانا حملتها على ذراعيّ بعيدا، بعيدا الى القمر كي أتوّجها هناك في حضرة نجمة الصبح حبيبة". ثمّ توارى للحظات في النظرات الى حيث تسبح العيون العاشقة. وعاد اليه كي يقول: "كتبت لحبيبي وشوشات وقصيدة. كتبتها لها عند سفح الريح حيث مهبط الغيم. سجّلت قصيدتي بحبر الايماء وعطر الهمسات. حبّرتها على الاجنحة المهاجرة. فلا تقع في يديّ العدو. وغادرت الطيور حاملة القصيدة بعيدا جدا. نقلتها الى دنيا شموس حيث لا عواصف. اودعتها الجنينة كي تتناقلها الطيور شدوا. نعم لقد هرّبت كلماتي خوفاً عليها من الرياح والعواصف. فتلك ملعونة تمحو القصائد عن جناح الطير. انها تقتل القصائد الغرامية. اتعلم اني سأصطحبها الليلة الى الجنينة على بساط روحي فإني اخشى الريح. سأقلها الى حديقة "اسمهان"، فتستمع الى قصيدتي شدواً من افواه طيور ما دنّسها عيب كلمات يوما". احتار الصديق بصديقه كثيرا، وعلم بأنه قد مرض ومرضه اضحى عصيّا. وهو لم يعرفه من اهل الغرام والعشق. لقد تغيّر ذلك الرجل كثيرا. فأضحى يسرح اكثر مع اغنامه في مراعي الخيال. اضحى مختلفا. ببساطة انضمّ الى مدرسة الحبّ التي اعتقد بأنه خرج منها ولن يعود اليها. وصار الصديق، يسأل: "اترى من عطّل عقل صاحبي؟ ومن تراها تكون هذه الغجرية التي اختطفته الى دنيا بعيدة؟؟ اهي وهم ام خيال؟؟ اهي انس ام جان؟ وهل هي جميلة بهذا القدر؟؟ أيكون صاحبي قد وقع في شرك حورية فينيقية من جماعة "احيرام، ذاك الذي اغرق بحره في سحر الطلاسم المصرية؟؟". كل ما كان يعرف هو أنّ صاحبه قد تغيّر كثيرا. قد اضحى اقل واقعية واكثر فرحا واملا وشبابا. فرح له، واكتشف بأنّ ثمّة من صلّى له في ايجيه وفي جبال لبنان كي يقع في السحر. وها هو قد وقع، لعلّه وقع كي يكمل سرّ الحياة ويكتمل.

الاثنين، 30 يوليو 2012

رفيقي في ليلة زفاف حبيبته القديمة

وقف رفيق دربي، ذاك الشاب المتمرد البهي، في حضرة عروس احبها، يوم كان صغيرا. وقد تمناها لمّا يكبر، ولمّا هي تكبر، ويصغر اهلهما. وقد التقاها في حفل زفافها، فطلب والدها اليه ان يزفها. تلعثمت في شفتيه الكلمات. ومن ثمّ ارتطمت بحوائط الذكرى. حتى زفّها زنبقة لزبد بحر. زفها لعريس من خياله خطت الامواج جبينه. وتعطر رداؤه بزهر الليمون الفوّاح. زفّ طفلته الخجولة يوم كان صبيا الى عريس من صنعه. انتصبت هي، وقد سوّتها الايام من غير ان تحرمها سحر الطفولية بعد، امامه. وما زالت هي هي. وهو لا يعرف اذا ما كان قد تغيّر. صمت لبرهة، ثمّ خاطب الزمن منددا، وقائلا: "آه منك يا ملعون، والف آه عليك !!! كم مضيت سريعا، فلوّنت خدود الصغار وجعلتهنّ عرائس. عروسي تمتطي جواد فارس مجهول، وتمضي مع شمس الغروب، تاركة وراءها النهار والسحر والخربشات. كانت لي حبيبة اطلّت من الكروم. حبيبتي زمردة. حبيبتي انشودة الجبل. لحن بيزنطي نسج بعبق الايمان". ثمّ تذكر كيف كانا يعريان معا زهرة المارغريتا في حقول "المصبنة"، حيث الوادي وشجرة "الشامي" والجسر، من لباسها قطعة قطعة. لمعرفة ما المكتوب لهما: "الزواج" ام "الترهّب"؟؟ وتذكر كيف كانا يسابقان ورق الشجر الراكض في المياه الجارية من دون ان ينجحا في اعادته. رغبا في ان يلتقيا مجددا قطرات المياه التي غطت يديهما يوم جبلا من طين الفخار، مجسّمين صغيرين. او ببساطة تلك التي كتبا عليها درس القراءة وموضع الانشاء وجدول الضرب وكل الاسرار والكلمات. الا انّ المياه التي تمضي لا تعود، كما ابلغتهما معلمة العلوم الطبيعية. فلعنا المياه الجارية التي لم تقترف شيئا. صنع لها من طين الفخار صبيا، وصنعت له من ذلك الطين فتاة، واسكناهما حفرة كي لا يفترقا. وعدها ان يكتب اسمها على جبين الليل كي لا يدركه النهار، فيتفشّى سرهما، فيعلم الاولاد، ويعيّرانهما. اما هي فكتبته لغزا على شعاع شمس تشرين المستتر بعضه بالغيمات. وبالفعل ما عرف بسرهما من الاولاد الا واحدا. واحد عرف وقد أتقن طرق غرس الزهور، وانضاج الورود، وزرع الزنابق. فنذر لهما وردتين وياسمينة. وردة حمراء واجهت بيضاء تحت أفياء الياسمينة. ثمّ شعرت "ايفون" معلمة العربي بأنّ الصبي راح يتقن اشعار الغرام، ويتفنن في القائها. كما شعرت بخديّ الفتاة تتضرّجا دماء كلما القى شعره. والصبي راح يسرح، وراحت عيناه تكبران حتى تنطحا البلور والحوائط، وصولا الى الفضاء. ثمّ صار يخرطش على صفحاته أشباه فتيات وقصور وامراء واميرات وياسمين، فعرفت معلمته بأنه قد اغرم. الّا انها ما احبت ان توقظه، فالاستفاقة من الاحلام كابوس، والاطفال بالاحلام يكبرون وينمون. كان يختلس النظر الى فتاته من تحت طاولة الدراسة، وكان يرشقها بحبوب الارز نافخاً اياها بأنبوب قلمه. اذا ما اقترب منها صديق او عدو، رسم لها مملكة ووضعها على عرشها، رسم لها نجمة من ياقوت وزمرد واهداها اياها، رسم لها كل ما ادرك في عالمه من اشياء جميلة، اقسم لها بأنه سيحبها حتى فناء الدهر. ورحل عنها. فكبر بعيدا عنها، وعن رسومه. ظنّ بأنها لن تكبر، وبأنه لن يكبر. نسي ان المياه الجارية التي لعنها قديما لا تقف او تعود، فعاد كي يجدها عروساً طلب اليه ان يزفها في ليلة عرسها. قارع الجنّ وخاصم الملائكة، لكن ما كتب قد كتب. بحث عنها فما وجدها له، الّا في اعماق وجدانه حورية مغدورة. تركها البحر ومضى. فجلست على حافته تنتظر قدومه. هل كان هو من اخطأ؟؟ ام انّ الاقدار كانت اكبر من حريته؟؟ فرسمت له على قارعة الزمن خارطة. وهو ما كان قدريا!! أكان يحبها هي؟؟ ام انه احب امراة من صنعه؟؟ انطلق منها كي يقلع الى الفضاء، فيرسم هناك لنفسه اميرته-ملكة النساء؟؟ الا انها قد عَنت له وما زالت تعني، اذ انها مثّلت حبه الاول، واجمل قصص الغرام هي التي تبقى على السطح ما بين الارواح فلا يشوبها ضغن الاجساد. أجمل قصص الغرام هي الطفولية التي لا تنته بالزواج. فتبقى الحبيبة في اعماق محبوبها حلما او فكرة او ذكرى، تبقى ببساطة نغما دهريا يردد ويتجدد. اجمل قصص الغرام هي التي تتناثر ورودا في أفياء المجرة. اجمل قصص الغرام التي تنتهي كما انتهت قصته، مغدوراً في عرس المحبوبة!!!

الاثنين، 23 يوليو 2012

عَكرة في حارة يوسف

عَكرة في حارة يوسف
سمع «سبع الغاب» أنواء واشتباكات نارية في «حارة يوسف»، فبلغه ان اولاد الجار قد اختلفوا في كل شيء حتى في نسبهم. فراحوا يضربون النيران على بعضهم البعض من بنادق الصيد حتى أصيبت حارة القرميد خاصتهم بأضرار بالغة، تلك التي بناها لهم والد جدهم «يوسف داوود». وقد استهلكت خمسين سنة من العمل المضني والسفر ذهابا وايابا الى مدينة "بوينس ايريس". والعلة في تلك الازمة هي في اسس تربيتهم، بحيث طغى المتسلط على الاخرين. وفجأة تغيّر العالم واستفاق الاخرون، ولم يقعدوا. وجدوا انّ حاكمهم ما حارب الشرير واستعاد الكرامة كما قال، ولا حتى اغناهم، بل قمعهم تحت جناح كل ذلك، كما فعلت السياسة فعلها بهم. ففريق قلّد الزعيمة "نبيهة"، وآخر كان من جماعة القزم "زوبار". لقد كان العالم من حولهم يغلي والصراعات على حكمه تكوي. فكبرت الاحقاد بين احفاد "يوسف"، حتى انه لم يبق للعلي مكان عندهم. اخوة اولئك كانوا مظلومين ممّا "لا حول ولا قدرة لهم". ومسكينة اكثر كانت بهائم تلك الحارة وهي من ضحايا الاشتباكات. اشتباكات قيل إنها لن تتوقف الا بعد زوال فريق، او ببساطة تصدّع الحارة التي كانت تحملهم وتبَدّلها الى غير رجعة بغياب اناسها المسالمين، ونفقان بهائمها ومقوماتها التفاضلية. الازمة انفجرت بعد رحيل الوالد وتدخل نساء الاخوة وتردّي لغة التواصل ما بين الابناء لحساب المناكفات. وغالبية احفاد يوسف كانوا هوائيي النزعة، من ابناء مدرسة "إمّا كل شيء او لا شيء" في الحياة. غرقوا في ردود الفعل، فغاب عنهم السبب الحقيقي لكل تلك النزاعات. لم يكتب لهم ان يتعلموا ويتدرجوا في الديموقراطية، فكان ان اتقنوا لغة العنف والتطرف بغالبيتهم. والظلم يولّد المرارة، والخوف ينبت الالغاء، والغبن يقود الى التطرف. وكان ان تمّ طلب "الكركون" الذي وعد بالتدخل فور انتهاء العكرة وسطوة فريق على كامل المقدرات. وهذا كان صعبا للغاية، اذ انّ لتلك العمارة دهاليز ومنازل كثيرة. وكان ان تمّ استدعاؤه، وقد عرف بصوته الجهوري الذي يبلغ اوقيانيا. كيف لا وهو مسموع؟؟ ولا يحتاج الى هاتف مثلا لمخاطبة حتى الغائب المهاجر؟؟ والرجل قد وصل لتوّه من "تركمانستان"، حيث يعمل لحساب شركة دولية هناك، لقضاء اجازته في محلته. فكان ان صادفته تلك الازمات، وهو لها الداء الناجع كما يقول. وصل ساحة الصراع وراح يصرخ في المتخاصمين. فاهتزّ ما تبقّى من بلور الحارة، فخرجوا لمعاينة من تجرأ وعكّر كبوتهم، وهزّ بلّور نوافذ حارتهم. فوجدوه ماردا ينده لهم. وهم ما زالوا يتذكرون كيف استلزم سحبه من الكنيسة مرة خمس رجال. نعم، حصل هذا معه لمّا صرخ يوما في صحن الهيكل سائلا جوق الكنيسة إنشاد ترنيمة، قال انه قطع مسافة 1000 كلم لسماعها. ولمّا لم يستجب له، هزّ المسكونة والكنيسة، الى ان تمّ استدعاء افضل الرجال لإخراجه. الا انّ الموضوع كان اليوم مختلفا، فالامور كانت اكثر تعقيدا، والصوت الجهوري والقامة ما هما من مستلزمات الديبلوماسية وفض النزاعات. وسرعان ما اكتشف ذاك السبع عقمه، فراح يمزّق ثيابه، وينتف شعره. لاعناً "سوفوريوس" ملك الشياطين الذي دخل الى حارة "يوسف" ولم يخرج. فحصل فيها ما حصل، وراح يصرخ "احترموا البهائم ان لم تحترموا البشر يا جماعة. اماه يا اماه. ما هذا العنف والحقد كله؟؟". ثم راحت طلقات بندقيات "الدك" تعلو في المكان، فنجا بنفسه من تلك الواقعة، وتحسّر على ايام السمر و"الكبة النية" و"كأس العرق" و"الزجل" و"هزّ الخصر". ثمّ ادرك لاحقا انّ العكرة هي ايضا في بعض جوانبها، انعكاس لتوازنات واطماع خارجية، فجزع. لقد اختلطت في معارك تلك الحارة ادوار الانس والجان، فحارة "يوسف" على ما يبدو كانت استراتيجية في موقعها. فمن حكم الحارة، حكم ذلك الحيّ الغني بالشجر المثمر واهله. وانّ شرارة احداثها عكّرت صفو الحي كلّه الذي راحت حاراته تهتز تباعا. وما بني على الرمل تسقطه العواصف. مرصودة أضحت تلك الحارة، وطويلة صارت دربها الى السلم والرخاء والديموقراطية. ستورق شجرات حديقتها يوما، وستستعيد زخمها حتما. سيشفى اولادها حتما من جروح التاريخ، ويخرجون من كبوتهم الى الغد لكن بعد حين. الّا انّ الغد القريب، هو على ما يبدو، للحداد والعتاب. واني اخشى عليهم من الانتقام، لأنه يدخلهم في الردود والجاهلية. ولا اجزع عليهم من الحداد. فمَن لم يحدّ على امواته، تسكنه ارواحهم، فيسقم جسده حتى الموت.

الثلاثاء، 17 يوليو 2012

مازن عبود: لعدم زج البلد في آتون الطائفية المدمرة

سياسة - Tue 17/07/2012 11:27 اطبع هذا الموضوع | اغلق هذه النافذة وطنية - 17/7/2012 ابدى الناشط مازن عبود في تصريح "خشيته من ان يكون البلد قد دخل مرحلة حكم ديوك الشوارع من عبدة اله النار ومشعلي الاطارات"، معتبرا "ان غالبية الحكام قد تساووا في حرق الاطارات ومقدرات البلد وبيئته واقتصاده وسياحته معها". وسأل عبود "كيف يمكن لمن هو في الحكومة ان يكون ثائرا في الشارع؟"، معتبرا "ان لبنان البلد الفريد، اضحى اكثر فرادة بحكامه غير المسؤولين الذين يسطون على مغانم السلطة وينتزعون من الناس احلامهم التغييرية. فيجمتع فيهم الحاكم والمحكوم، والظالم والمظلوم". ودعا عبود الى "الحفاظ على معنويات الجيش واستعادة هيبة الدولة وعدم الضغط على القضاء"، مستنكرا "الممارسات غير المسؤولة"، ومتخوفا "من تصرفات البعض التي تزج البلد في آتون الطائفية المدمرة"، كما دعا الى "تشكيل حكومة يكون اركانها حكماء في التعاطي، فلا يثيرون الغرائز بممارساتهم وتصريحاتهم، وذلك كي لا يكون لبنان في عين العاصفة الاقليمية، فيتدمر". © NNA 2012 All rights reserved

الاثنين، 16 يوليو 2012

ابن آدم: لاعنٌ لشياطين العالم وأقزامه

قال لي: "يا "ابن آدم" ألا فارفع رأسك وابتسم. فانت ابن الله بالتبني. لا تحزن على زوال ما تظنّ بأنك لا تشتهيه وانت تشتهيه بدليل تمرمرك. إلعن شياطين العالم واقزامه. اني اقول لك الحقيقة، لأني فقير. فلا مصالح او ارتباطات مالية او سياسية لي، ولا طموحات ايضا. اني مُكتف بما اعطاني ربي، مكتف بفقري". ثمّ صرخ: "سليمي". الا فاحضري له يا امرأة كوب لبن بارد. "مازن" وافى من العالم، وهو متعب". لم اجبه بكلمة. وللحظة علا صوت "سليمة" تصرخ: "اسرعوا. اركضوا... فأر، فأر. يا أمّاه!!". فردّ: "لِم كلّ هذا الصراخ يا امرأة؟؟ هل داهمك الفأر مسلحا؟؟ هل شهر مسدسه ليسلبك مالك او شرفك؟". ثمّ قال: "ما من شيء اقرف من ابن آدم. دعيه لهرّنا "نميص" فهو يتدبر امره". وتابع: "الا ترى ان العالم يبتلعك؟ ذاك الذي له حكامه وشياطينه؟؟". ثمّ راح كلبه "جمول" ينبح في مواجهة شاشة التلفاز. فأمر بإطفاء العلبة، لإسكات كلبه الذي عرف بحساسيته على العنف الكلامي والنباح والسرقة. وقال: "إنّ هذا الصندوق لأسود. انه صندوق المصائب الذي يصرف الانسان عن عالمه الداخلي. حتى انّ "جمولا" يكرهه. ثمّ نوّه بكلبه الذي حذّره من السارقين ومن غزوات المارقين". ووصل "روبن" ذاك الذي كان يدعي بأنه قد عرف "بن لادن". وراحا يتداولان في حضوري. فشكا له الاخير كيف انّ فتيان الحي قد احرقوا مفرقعاته التي كانت للبيع، في عز الموسم. وابلغه كيف انهم ما اكتفوا بذلك. بل سخروا منه لما تخبّط وحيدا، يصرخ في سيارته التي انسابت على غفلة. بعد ان ارتخت فراملها جرّاء غضبه وحراكه على أثر احتراق مفرقعاته. وقال: "استغثت بداية بالشباب ومن ثم بالكلاب من دون ان احظى بالعون. ولو لم يتعطف العلي عليّ، ووركنت"الفولز" على شجرة. لكنت قد أضحيت من سكان ظلال الموت". و"الله ذقت الموت يا "ابن آدم". بعد الحادثة، ركلت الدواليب اللعينة. وقبّلت احجار "مار الياس-عليه السلام" حجرا، حجرا. انّ هذا العصر هو زمن الرذالات والاغراءات وقلة الهمم". تطلع به "ايليا" مليّاً ودندن، ثمّ قال: "المشكلة انك في هذه الايام في حيرة. لا تستطيع ان تصدق. ولا تستطيع الّا تصدق. فالبارحة، وافى الينا "جوجو الكذّاب"، وابلغنا انّ البضاعة جهزت. ولمّا لم نصدقه، وقعنا في الشرك. انك تقع في الشرك في كلا الحالتين مع الكذاب". وسأله روبن عن حمولة التبن، فقال: "اكره الغربة والساحل يا رجل. ايه، لقد فقدنا اكثر من ثلث حمولة التبن بين الجد والكذب. حمّلنا البضاعة من طرابلس. وسرنا بسرعة مئة كيلومتر واكثر. لم توقفنا زمامير السيارات ولا اشارات الناس في "شكا". ولِمَ التوقف هناك حيث أهوية البشر قد لوّثت الفلك؟؟ اعتقدت بداية انّ "الصبي" قد بعث غازاته السامة في الماكينة فلوّث جوّها. فعاتبته. لو لم يفتح الشباك واكتشف انّ الرائحة من الخارج، لما صدقت!! لم ارد التوقف هناك لمعرفة لم كل هذه "الزمامير"؟ ولمَ التوقف اذا ما كانت الشاحنة مزودة بالوقود ومستوفية لكل الشروط القانونية؟؟ أنتوقف كي نخطف، لفدية؟؟ او كي نختنق في هذا الجو المسموم بالغازات؟؟ واكتشفت لمّا وصلنا الى المنزل ان اكثر من ثلث حمولتنا قد نفذ جرّاء سوء التحميل والسرعة. آه لو استجبنا، وتوقفنا، لكنّا قد وفرنا؟؟ لكن لا. لا!! معليش". ثمّ افضى عن كرهه للحضارة. وصارحنا انه يميل الى معاشرة الحيوانات والفلاحين. فالفلاحة قد فعلت فعلها فيه، على ما يبدو. فتصالح مع الارض التي خرج منها، والتي امتزج بأتربتها. ترك في وحلها ما ليس يلزم. ورفع رأسه لمّا اكتشف انه "ابن الله". فالفلاحة لقّنته كيف يتحاور مع عناصر الكون!! علّمته كيف يستمع الى ما هو نافع. فكان أن عاشر الحيوانات والرياح والشمس والقمر والنجوم ومَن شابهه من البشر فقط. وكان أن اكتشفته. فصرت ازوره في كل مرة شعرت برغبة بلقاء "الآدميين".

الخميس، 12 يوليو 2012

عبود سأل عن خطط الحكومة لمواجهة الكوارث الناتجة عن الحروب

متفرقات - عبود سأل عن خطط الحكومة لمواجهة الكوارث الناتجة عن الحروب Thu 12/07/2012 10:23 وطنية - 12/7/2012 اصدر المستشار البيئي مازن عبود بمناسبة حلول ذكرى حرب تموز السادسة بيانا ، اثار خلاله عددا من الاسئلة حول الدروس التي تعلمها لبنان من تلك الحرب. وقال :"هل قامت الدولة برسم الاستراتيجيات واعداد الخطط الكافية لمواجهة الكوارث الناتجة عن الحروب، ككارثة البقعة النفطية في البحر التي تسبب بها قصف اسرائيل لخزانات الفيول في الجية في 13 تموز من العام 2006". ونوه باقتراح وزير البيئة لتشكيل لجنة طوارىء بيئية تكون حاضرة عند حصول اي طارىء بيئي، ودعا الحكومة "الى التجاوب السريع مع هذا الاقتراح ووضعه قيد التنفيذ كي لا نكون قد نسينا حرب تموز ودروسها". كما سأل الديبلوماسية اللبنانية ووزارة العدل عما آلت اليه جهود دولة لبنان بغية ملاحقة اسرائيل في المحاكم الدولية لاجبارها على تسديد كامل التعويضات المستحقة للبنان جراء تسببها بالبقعة النفطية، وخصوصا في ظل استصدار الهيئة العامة للامم المتحدة عددا من القرارات في هذا الاطار. أ.أ. © NNA 2012 All rights reserved

الاثنين، 9 يوليو 2012

منير نوّار خادم انطاكيا العظمى

أمسك «سبع الغاب» كعب نعله، وبصق على الارض، وقال: تفو على «عزرامبو» (عزرائيل باللغة المحلية)، لقد مضى «منير» صاحبنا غروب امس. فسألته: أإلى طرابلس؟؟. فأجاب: لا. ولا حتى الى الشام او بيروت. فقد استدعاه مولاه المطران "الياس" الى دنيا الزرع والخضرة. فقلت: كيف؟؟. أجاب: رحل هكذا. وقع ارضاً، ولمّا اخذ الى المستشفى مكث فيها لساعات، ومن ثمّ مضى. ثمّ تنهد. وتطلع اليّ، متابعاً حديثه: لعلّ مطران طرابلس الراحل رغب بركوب سيارة "الاولدز موبيل" خاصته. تلك التي قال فيها منير انّ طولها فاق العشرة امتار، وسرعتها المئة كيلومتر في الساعة. والتي سلمت برأيه من محاولات اعتداء "شبلي العريان". تلك التي كان يفتخر بها كثيرا. وقد امتهن قيادتها في أزقة "الزاهرية" و"السامرية" و"باب توما". لعلّه مضى كي يقودها هذه المرة مُقلاً أناسه من دنيا الدماء الى دنيا البقاء. وصمت لبرهة، ثمّ تابع: نعم، لقد ذهب يا استاذ من دون وجل او تردد او خجل. صعد الى فوق في موسم "الصعود" الى حيث اريد للأجساد في ملّتنا ان ترتفع. ودّع نوّار ومضى الى "انطاكيا" السماوية، محملاً بأشواق الارضية. لقد قال لي: "حان أواني للسبات حتى مجيء الديّان. ارغب يا "سبع" سماع المطران "الياس" وهو يَشدو: "هلمّ خذوا من النور الذي لا يغرب". آه ما اروع صوته. "إيه دِني!!". لقد اشتاق صاحبك "منير" الى ان يجلس مجددا على ابواب المجمع المقدس، فيلتمس كلمة حق. لقد اشتاق الى القدس في القيامة. نعم، اشتقت الى أزمنتي، الى ازمنة الملك "بول" في البلمند (آخر ملك لليونان وقد زار لبنان في عهد الرئيس شمعون)، وبطريرك العرب "الياس معوّض"، والبطريرك "ثودوسيوس ابو رجيلي" الذي عرفته مطرانا لطرابلس وبطريركا. وقد سلّمني مفاتيح خزنته الشخصية. أتوق لمقابلة ابن محلتنا رئيس اساقفة اميركا- المطران "بشير". وهو قد مضى على غفلة مني ومن المطران "الياس". جميعهم يا "سبع" رحلوا الى دنيا الحق. اشتقت اليهم والى اهلي. ما عاد لي لزوم ها هنا. اودعك. سلّم على الاستاذ، وقل له: "منير" رحل. صَلّ له. إنّ الموت ليس الّا "بصر منام". ليس الّا رقادا. لا اخافه. نعم لا اخافه. مستعد انا للذهاب يا الله. مستعد. فليأت الخوري "طنسى" ويمسحني بالزيت. وليزودني بالقدسات. استروا ما صدر عني، انا صبي أمي - العبد الفقير، يا معشر "اهل الحارة". ليبلَ هذا الجسد- الاناء، فقد حكم عليه بالانحلال جرّاء الخطيئة بحسن تدبير الله. وانت يا روح "منير"، عودي الى خالقك. انضمّي الى رياح البيادر". حمل "سبع الغاب" اقوال منير اليّ. اسمعني اياها بعد ان حفظها عن ظهر قلب. وهو ما كان يتقن عادة حفظ مثل هذه الاقوال. اما انا فرحت اتأمل في سحر كلمات صاحبي الراحل. ودارت في رأسي قصصه التي تلاها عليّ، كقصة "المطران سابا وضربة صبحي"، وقصة "السيد البرط في الانتخابات"، الى قصة "الخوري شلهوب" وقصص "الاحبار ابيفانيوس وسماحة وغيرهم...". وسمعته يقول لي: انّ قصصي ليست للنشر يا مازن... وما قلته لك، انما كي تعرف انّ غالبية الكهنة والاساقفة في كل زمان ومكان هم اناس مثلي ومثلك لم يتحرروا كليّاً من انسانهم العتيق. وعاينت جسده. فأبصرت على وجهه الصفاء. ألبسوه افضل ما عنده لملاقاة محبوبه. وقد ترك لنا كل القصص والزلّات والخطايا. أحسسته متشوقاً الى نوّار الرياحين والورود والعصافير والخضرة والعيون والماء والاساقفة المتشحين بالضياء. حيث الانغام والشدو. فقلت له إني سأفتقده كثيرا، وسأفتقد حضوره ونكاته وقصصه ولباقته. قبّلته، قبلة الوداع. وحسبي انه استنار من نوّار الدائم!! وودّعته، قائلا: الى اللقاء يا كهلا من قومي عاشر وحفظ اخبار افضل الناس واحلاهم. وليبق ذكراك ذكرى ورد جوري من نوّار. سلّم على "انطاكيا العلوية". وبالله عليك اسأل اهلها ان يصلّوا على نيّة المدينة السفلية واهلها البائدين. فنحن في عوز كبير الى رحمة الله. وهبّت الريح. ووري الجسد التراب. وتوارى الناس. وكان نهار جديد ومولود جديد على هذه الارض.

الخميس، 5 يوليو 2012

Pétrole : un « manque de transparence » dans le choix des membres du comité organisateur ?

Liban jeudi, juillet 5, 2012 Mazen Abboud, un écologiste, a dénoncé hier ce qu’il considère comme un « processus non transparent dans le choix des membres du comité organisateur du secteur du pétrole » (en vue du forage off-shore pour l’exploitation de gisements de gaz et de pétrole au large du Liban). Dans un communiqué, M. Abboud a dit craindre que « les noms qui seront proposés par le comité chargé d’étudier les dossiers de candidature au Conseil des ministres aient été décidés antérieurement sous le manteau, même avant que le ministère du Développement administratif ne lance un appel public aux candidatures ». Comme exemple du manque de transparence du comité, M. Abboud évoque « le fait que les personnes non sélectionnées pour les interviews n’ont pas été averties et que les noms des candidats retenus n’ont pas été rendus publics ». Autre motif de suspicion selon l’écologiste : il n’y a aucun expert pétrolier dans le comité chargé d’étudier les dossiers de candidature. « Ce qui s’est passé prouve une volonté, chez les responsables, de nommer leurs collaborateurs proches au sein de ce comité organisateur, tout en préservant les apparences, conclut M. Abboud. Tout cela n’est pas rassurant. La découverte de cette richesse pétrolière, avec de telles pratiques, pourrait se transformer en une malédiction. J’appelle le président de la République à remettre ce sujet sur la table du Conseil des ministres. »

الأربعاء، 4 يوليو 2012

مازن عبود تخوف من كيفية تعيين اعضاء الهيئة الناظمة للنفط

متفرقات - Wed 4/07/2012 10:40 وطنية - 4/7/2012 - ابدى المستشار البيئي مازن عبود، في بيان اليوم، خشيته من ان "تكون الاسماء التي ستقترحها اللجنة المكلفة دراسة الطلبات الى الهيئة الناظمة للنفط الى مقام مجلس الوزراء، قد اقرت من تحت الطاولة، حتى قبل دعوة وزارة الاصلاح الاداري المهتمين الى التقدم بطلبات ترشيح". واعتبر أن "عمل اللجنة المكلفة قد افتقد الى الشفافية والوضوح المطلوبين في مثل هذه الحالات. فلم يتم ابلاغ من لم يتأهلوا للمقابلات مثلا، كما انه لم تنشر لائحة الاسماء المقبولة لاجراء هذه المقابلات". واشار الى ان "الكثير منهم ما زال ينتظر حتى هذا التاريخ تعيين موعد مقابلته". كما اشار الى أن "عدم وجود خبير نفطي في اللجنة الفاحصة يعزز هذه الشكوك"، معتبرا ان "ما حصل يصب في خانة اكساء تعيين المقربين ممن سلموا مقاليده وعلى فترات، اقمطة قانونية ليس الا، بغية تحصين الممارسات. وقال ان "ما جرى لا يطمئن، ويعزز المخاوف من ان يتحول اكتشاف الثروة النفطية من نعمة الى نقمة فيمسك بمقاليدها مرتهنون لامراء البلد، فتتفلت الشركات عندها من رقابة الدولة لحساب الزعماء، ويضحى بحر لبنان في خطر"، مطالبا رئيس الجمهورية اعادة طرح الموضوع في مجلس الوزراء لتصويب ما جرى. ر.ي. © NNA 2012 All rights reserved

الاثنين، 2 يوليو 2012

ذاك «المتمرّد» الذي كان من جماعة «هتلر»

يقول إنّ المانيا لا يمكن ان تنساه، فهو السائق المعروف والمحبوب الذي عمل على خط باريس- روما- برلين. يقول إنّ صداقة جمعته بـ"الفوهرر" والبابا و"الجنرال بيتان". اعتقد انه ادّى دورا في التواصل ما بين اولئك الزعماء، وكان مقتنعا بكلّ ذلك طبعا. نقل عنه أنه مرة لمّا توقف في ساحة اسبانيا في روما للتبضع، توقفت قربه دراجتان سبقتا سيارة "عرمرمية". ففتحت نافذة. اطلّ منها شيخ وقور بلباس أبيض، ودعاه الى تناول القهوة في دارته من دون ان يلتفت هو او يحرّك ساكنا. ولمّا سأله "الدوماني" مَن يكون، عرف انه البابا الذي انتفض مناديا ايّاه: "ما بالك يا "دوماني" أيعقل ان تكون قد نسيت بابا رومية؟؟ عرّج عليّ بالله عليك. فعندي "جوز كلام" اصرّح به لك. ننتظرك في الحاضرة على التلة. فثمة أمور كبيرة اريد ان أتشاور فيها معك". وبلغني انه كان يقول: "قال لي "الفوهرر" كذا. ونصحته بكذا، لكنه لم يقتنع". وكنت كلما التقيته، يسألني: "أتحب "هتلر" يا صبي؟ أم شوّه التاريخ المنحول والعلم عقلك؟؟ مرّ بي كي أعطيك كل الاسرار. نظرته للتاريخ أدّت الى حصول خصومة ما بين اهل بعض التلامذة من اصحابه وادارة المدرسة حول بعض المسائل، كالنظرة الى "هتلر وموسيليني وفرنكو". سمّى نفسه "الدوماني" انما تواضعا ليس الا، كما كان يردد. على رغم انّ اهل المحلة اطلقوا عليه لقب "الالماني". اشتهر بخفة الدم ولباقة الكلام، فحرص ان يعطي كل كلمة من كلامه، وَقعها. عرفه الاولاد بداية بعدسة "نانو" نسيبي، الذي كان مقتنعا بأنّ الرجل هو عظيم. صوّره لنا جميعا عموداً من أعمدة سماء بلدتنا التي كنّا نعتبرها نحن محفل الاولاد اكبر من "اوقيانيا" وأعتى من "اميركا" واعرق من "اليونان" وارقى من "سويسرا". هذا وقد سرت شائعات مفادها انه ايضا "يوسف الرامي" الذي التمس من "بيلاطس"، وبكلّ شجاعة، جسد المسيح بعد صلبه. فبمحيّاه وشواربه كان يشبه الشخصية الإنجيلية المرموقة. في إحدى نظرياته، افاد انّ اغتيال الناصري كان ضربا من ضروب المؤامرات الصهيونية، بتواطؤ من الحلفاء. واعتبر أنّ الله اقام يسوع نكاية بهم. واعتقد بأنّه لو سلّمت الى اليهود، او الى ناطور قبور على قدر المقام، مهمة نطارة جسد يسوع مثلا، لَما كان قد قام. وكان يقول إنّ جنود "موسيليني" ايضا قد تغاضوا عنه كي يتم حدث القيامة. فكان أن جلب لعنة الكنيسة عليه بشخص الخوري "طنسى" الذي اعتبره رمزا للحضارة السفلية يتوجّب عَزله وعدم الاستماع اليه مخافة الوقوع في التجربة. أمّا هو فقد كان يعتبر أولئك القوم "صعاليك" في دنيا البقاء. كان يقول إنه يحب موسيقى "فاغنر" الذي سمّاه "مغرن"، وقد بلغه الكثير عن جودتها. الا انه ما احب الاستماع الّا الى "الميجانا" و"العتابا". كان "الفهد" صاحب القصص والاساطير المتضاربة. جرّاء كل ما بلغنا حوله، صرنا نعتبره، ولو لفترة وجيزة، عجائبياً. ورحنا نستشيره في كل شاردة وواردة. قيل فيه مرة انه كان نديم هتلر الايام الصعبة، وحكي عنه انه كان مغامرا ملأ القارة الهرمة بمغامراته. مغامر قال عن نفسه يوما انه فرّ من المانيا، على أثر احتلال المارشال "زوكوف"- قائد الجيش الاحمر- محيط برلين. وقد تحوّل مع تبدل الايام الى سائق تاكسي يعمل على خط دوما-طرابلس. لقد انسحرنا بطلّة بطل "نانو" الأبية وشاربيه الأبيضَين، وتاكسيه الاخضر العريق المتوجّه من والى طرابلس محمّلا بالاحباء والاطايب حتى في احلك الظروف. وصرنا نتجمهر لتحيته اذا ما سمعنا "زموره". فننظره من بعيد، من غير ان نقترب مخافة ملامسة الاسطورة. فثمّة مواضيع في الدنيا لا يمكن الاقتراب منها كثيرا. ادركت "الفهد" بطلا من نسج خياله. تحدى واقع حاله بمخيلته الوقّادة. فصار مزيجا فريدا من اللاوعي الجماعي والخيال والواقع المر. حزنت لَمّا كبرت فاكتشفت سره، وتمنيت لو لم اعلم. فالذكاء والمعرفة يعكران صفو حياة الانسان احيانا، ويحرقان القصص الجميلة. هكذا كان "الفهد". ولو لم يكن، لكان الناس جعلوه منه ما ارادوا. فالحياة عند البعض لا تكتسي معنى الّا بالحلم والخرافة، وهو كان كلّ ذلك.