الأربعاء، 3 أبريل 2013

في منامات انجيل والبطريرك


ارتاعت "انجيل" كثيرا في تلك الليلة.  فقد عاينت منامات مقلقة.  قالت انها رأت شمامسة في ثياب رؤساء كهنة،ومقاتلينفي ثياب رهبان.  قالت انها ادركت رئيس الكهنة متعبا.  قالت انها سمعت صراخا واتهامات من كل صوب.  ابلغت جاراتها انها ما فهمت شيئا مما ابصرت.  على الرغم من انها قد انصتت الى كل كلمة اتت من كل طرف.  اردفت انّ ما كان يقال كان مخيفا. 

علا ضجيج في عالمها في تلك الليلة.  شعرت بأنّ العالم كان من حولها يدور.  رأت الشياطين تتمنطق مسرورة.  فنهرتها.  ابصرت كيف كانت شاشات الحواسيب تغصّ بكلمات نابية.  خافت جدا لانّ العالم يتهدد عندما يتحوّل الرهبان الى بشر عاديين.  فلا يعودون يحملوننا بصلواتهم.  بل يجرهمالعالم اليه والى قرفه ووحوله.  فغالبيتهم على ما يبدو لم تتحرر منه.  فهم مازالوا ينشدّون اليه من حيث لا يدرون.  اشتمت"انجيل"في تلك الليلة رائحة كريهة.  قيل لها انّ معركة الكراسي قد بدأت.  كما شعرت انّ الاثير كان يخفي قصصا مشينة.  فثمة امور كشفت واخرى لم تكشف بعد.  بكت لمّا رأت قطيعا متعثرا.كانت البلبلة كبيرة.  شعرت الجارة بالقرف. فالناس كانوا حائرين والاكليروس مرتبكا ومنقسما.  صلّت في سكون نومها الى العارف بكل شيئ.  كي يدلها على الطريق.  فأجابها بأنه من الافضل ان لا تعرف. 

 استفاقت منتصف ذلك الليل حائرة وخائفة.  وقد ندهت ل "بيرما" خادمتها كي تجلب لها كوب الماء.  فجاء الكوب.  احتست منه دمعتين.  صلت الى العذراء مريم التي هدأتها.  فنامت.  ثمّ رأت في منامها مجدداحبرا بذقن غضة، تفوح منه رائحة القداسة يوافي.  ينزل الى تلك الساحة.  يعيد الرهبان الى ديرهم.  ويمسك الملف من رئيس الكهنةالمنهك.  يسكت الجميع.  فتستكين  الاوضاع. 
استفاقت جارتنا صبيحة ذلك اليوم حائرة لكن غير خائفة.  فصاحب الذقن الغضة هدأ النفوس الى حين.  فتحت التلفاز على محطتها الدينية المفضلة.  فبان لها الحبر الذي رأته في الحلم.  اكتشفت انّ حبرالمنام كان البطريرك يوحنا.  تتبعت عبر الشاشة وقائع لقائه بشبيبة كنيسته.  وقد بدا مرتاحا صافيا على الرغم من منامها. 
 اكتشفت انّ ذاك الحبر الجليل لا يحب التطرق الى التفاصيل ويحاول الابتعاد عن الاجابات المباشرة فيالامور العالقة.  ارادت ان تعرف المزيد عنه.  فاستدعتني الى دارتها صبيحة ذلك اليوم.  وراحت تسألني عنه وعن طباعه وفكره وطرائق معيشته.  فأبلغتها بانّ البطريركمتمسك كسلفه بالقواعد الكلاسيكية التي ترسي عمل كنيستنا.  فهو يرفض تحويل الكنيسة الى طائفة دون ان يعني ذلك الغاء الاخيرة.   ويصر على عدم الانغماس المباشر في السياسة.  فيحصر تدخله في بعض مسائلهابحال التعارض مع المبادئ الكنسية والاخلاقية الناظمة للمجتمعات. 

ولمّا سألتني عن طباعه.  أبلغتها بانهمتحفظ وهادئ وحذر. يستمع بتأن الى ما يتقدم به زواره واصدقاءه دون ان يبدي رأيا.  قلت لها انه يقرأ كثيرا ويتتبع الموضوعاتبتأد. يدرس تحركاته بتأن.  ويعتبر بأنّ لا داعي للاستعجال في البدء ببعض الاعمال.  فلديه العمر كله كي يعمل.   يحرص ان يحافظ على سلامه  الداخلي.  ويسعى الى حفظ علاقات ود مع اي حاكم دون ان يقف في وجه اي حركة تغيير.  قلت لها انّ السيد البطريرك يحرص على عدم اساءة فهمه.  وابلغتها انهيأمل ان  تستعمل العدسة الكنسية حصرا في تحليل تصرفاته.  فهو راهب ومازال لا يتقن كثيرا لغة وطرائق زعماء العالم في فن الرسائل. 

فرحت "انجيل" كثيرا، لمّا عرفت انّ سيدها ينكبّ على دراسة ملفاته واستجماع ما يلزم من معلومات قبل بناء مشروعاته،وكيف انّ ثقافته الهندسية تؤثر في آليات صنع قراراته.  فحبر انطاكيا يحرص مثلا على اجراء المسح الميداني اللازم  قبل اطلاق اي مشروع مادي او معنوي.  واخيرا اوضحت لها انّ السييد البطريرك مدرك تماما لخطورة الوضع ودقته.  وهو لا يريد التكلم الا عند الضرورات القصوى.  سرّت جارتي.  وأجابتني انّ السييد البطريرك هو فعلا رجل الله القادر على التصدي لكل الكوابيس التي حلمت بها والتي ستحلم بها.  ابلغتني بأنها ستصلي له لانّه ممسك بكرة ملتهبة من النار.  وطلبت مني ان لا افارقه.  فمن الضروري ان يشعر الراعي بأنه محاط بأصحاب النيات الحسنة من ابنائه.  شكرت جارتي على ثقتها بي وعلى كلماتها العذبة.  وقد اقلقني منامها الذي قارب الواقعية.  

هناك تعليقان (2):

  1. مازن عبود، لا أدري ماذا أقول!
    يفاجئني دوماً دون أن يقصد، يداعب أفكاره كطفلٍ يداعب أمهُ، فتصبح جُملٍ فيولد منه الموضوع. إسلوبه في النقد ديبلوماسي يإمتياز. لا يساوم، لا يهادن.
    معانيها كالسيف القاطع، يقرئها قبل أن يكتبها، فالقرائة عنه هو الفن أم الكتابة هي الوسيلة لبلوغ هذا الفن.
    اسلوب رائع أغوص معه وأحيا من خلال كلماته في التاريخ والجغرافيا التي يختارها. شكراً مازن والى سنين عديدة

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا ايها العزيز. لا يقدر قيمة الجواهر الا الجوهرجي. الى اعوام عديدة لكم ايها الصديق العزيز ايضا.

      حذف