الأحد، 25 أبريل 2010

بروكسل وغودفروي وبوكوفا والقارة السوداء






الأحد 25 نيسان 2010 - السنة 77 - العدد 24026
بروكسل وغودفروي وبوكوفا والقارة السوداء


أحملني يا بساط الريح الى مملكة تزدان اسواقها بشلالات الشوكولا. احملني الى ساحات "الفلامان"(1) و"الولان"(2)، حيث النساء من دمى. احملني الى حيث النساء تصفف شعرها جدائل جدائل من ألوان النور، وتتوشح بثياب مطعمة بالدانتيل (3).
بروكسل كانت كل ذلك. كانت عاصمة اوروبا التي اوجدتها بروسيا لمراقبة تحركات الملاحة النهرية لجيوش ملك فرنسا، والمدينة التي اهداها حاكمها - الكونت دو لوفان الى رئيس الملائكة ميخائيل تقديرا لتدخله في شفاء ولده. لذا، فاني لم اوافها تلبية لدعوة منتدى كرانس مونتانا الاقتصادي للمشاركة في ندوة متخصصة تعالج شؤون القارة السوداء، بعدسة سيدات افريقيا الاول وبمشاركة ايرينا بوكوفا على رأس وفد رفيع من الاونيسكو، فقط، او كي أتوج قائداً للغد كما قالوا من قبل المنتدى. بل اني وافيتها ايضاً كي ابحث عن طيف الملك "غودفروي دو بويون"- اول حاكم افرنجي على اورشليم، وكي ابحث عن إكسير استمرارية الاتحاد الاوروبي رغم كل ضعفاته وسر اتخاذه المدينة عاصمة له. احببت ان اسأل "غودفروي" عن الاهداف الحقيقية لحملته، وان اخبره عن نتائج تلك الحملات علينا نحن، مسيحيي الشرق. وانا قد تعودت الكلام مع الموتى، وبخاصة اذا ما مضى على وفاتهم اكثر من تسع ماية سنة (مات في العام 1100 م.) بعيدا من بلدانهم.


في لقاء" Godefroy de Bouillon"
في بروكسل
وصلت المدينة مدينة زعيم الملائكة ظهر يوم ربيعي ضحكت فيه مدينة ليوبولد الاول(4) من كل قلبها. وكان ان اصطحبني رئيس الجالية اللبنانية في المملكة مارون كرم في رحلة استكشاف ليلية للمدينة التي تشكل قلب اوروبا الحالية، وذلك بعدما قضيت جزءاً غير قليل من ذلك النهار في جنائنها اتأمل طرائق تصميم الحدائق فيها. لقد كانت لمارون مع المدينة وفنادقها قصص في النضال من اجل بلده. لم يخفِ رفيقي شغفه بالمدينة وقصصها، الا انّ لبنان ما غاب عن احاديثه البروكسلية. وكان ان قدمني الى ملهم بلجيكا، وحاكم اورشليم الاول الذي قرأت أنه باع قصره كي يشارك في تمويل مهمة اعتقد بأنها ستكون نبيلة. حاكم كتب عنه، أنه رفض وضع تاج من ورق الذهب على رأسه وقبول لقب ملك اورشليم، لاعتقاده ان الله وحده يملك والى الابد على الاراضي المقدسة، ذاك الذي تزينت هامته باكليل من الشوك. كما كتب عنه البيرت اكس في العام 1100 م أنه امتنع عن الاشتراك في المجازر التي ارتكبها الافرنج، لا بل بكى كثيرا ومشى حافي القدمين في شوارع المدينة المقدسة وصولا الى جبل الزيتون تكفيرا عن جرائم وجهالات جيشه. فكان ذلك الحاكم كما يقال موضوع اعجاب مشايخ العرب بتواضعه. ونقل عنه قوله انّ الانسان تراب هو واليه سيعود، فلمَ التفاخر؟
اختلف الاوروبيون على هوية الحاكم ومكان ولادته الا انّ البلجيكيين الذين راحوا يبحثون عن ملهم مع نشوء دولتهم في العام 1830، ارادوا ان يكون حفيد شارلمان من بايسي البلجيكية وليس من بولون الفرنسية.

وكان ان سألته عمّا اذا كانت الحملة الصليبية قد ادت اهدافها المنشودة، وعمّا اذا كان راضيا عن فتح القدس. فتطلع الي مبتسما وقائلا ان الاهداف، مهما تعالت، تفقد نكهتها واسبابها اذا ما انحرفت الاساليب. لقد اكتشفت في اورشليم بأنّ مملكة المخلص ما عادت من هذا العالم، وأنّ العنف لا يولّد الا العنف. اغفروا لنا يا ابناء المشرق ما صنعنا بكم في محيطكم. لكن الا فاعلموا أننا لم نكن جميعا مستعمرين، لا بل كان بعضنا صادقا، الا انه لم يدرك يومذاك أنّه لا يستطيع ردم الهوة التي تفرق مدينة الله عن مدينة البشر التي اشار اليها اوغستين في فلسفته. انتبهوا لذلك والا اضحيتم شياطين بغض النظر عن اهدافكم، فالغاية لا تبرر دائماً الوسيلة كما تقولون. ثمّ كان ان اراني رفيقي الحي الاوروبي، في المدينة حيث يقبع ساسة الاتحاد الاوروبي قبل ان اعود الى غرفتي بانتظار فجر يوم جديد.

ايرينا بوكوفا
اشرقت نجمة مؤتمر القارة السوداء التي لـ"كرانس مونتانا" من بلغاريا، فحلّت ايرينا بوكوفا مديرة الاونيسكو ضيفة وراعية وخطيبة مفوّهة في تلك القاعة وسط موجة عارمة من التصفيق. وصلت سيدة الاونيسكو بتواضع وحياء، ورافقها الى المؤتمر بعض سفيرات الدول الاوروبية والافريقية الى منظمتها كما بعض كبار مساعديها ومساعداتها.
احسست ببوكوفا امرأة حقيقية وأميرة ساحرة من زمن الاميرات. بلياقة وبابتسامة حيّت الجميع، وكانت عيناها خير مخبر عما يختلج في تلك النفس الشفافة والحساسة المرهفة التي سكنت ذلك الجسد النحيل والجميل الذي راح يتراجع بعض الشيء بفعل السنين. تكلمت عن اعادة ربط الثقافة بالتعليم، كما عن ضرورات تعزيز ادوار المرأة في الدول الاقل نمواً وبخاصة في دول القارة السوداء التي يهيمن عليها شبح الحرب والمجاعة وفاقات الجهل على الرغم من غناها الطبيعي. وما اغفلت بوكوفا في خطابها الربط ما بين جودة التربية والازدهار فالاستقرار. ودعت سيدات افريقيا الى ممارسة ادوارهنّ في بلدانهنّ لجهة تعزيز ادوار المرأة والرجل على السواء لنشر الوعي والعمل على ارساء ثقافة السلام.
وكان ان التقيتها على هامش المؤتمر فتكلمت معها لدقائق عن فينيقيا ومدائنها، كما عن التربية البيئية التي ما اغفلتها في كلمتها، وحرية الصحافة ولبنان. ارسلت رسائل محبة الى "النهار" والاعلام والمرأة في لبنان. لقائي ببوكوفا جعلني احدد مكامن قوة تلك المرأة التي استطاعت بأنثويتها وعفويتها وثقافتها كسب معركة الاونيسكو. فشعرت بأن العالم اليوم والاونيسكو هما بأشد الحاجة الى امرأة على شاكلة بوكوفا. امرأة تؤمن بقوة المحبة والتواضع والثقافة لتغيير بعض من معالم هذا العالم او اعادة تصويب المثل فيه لجهة تسليط قوة النفس على جاذبية الشهوة والجسد. فرحت كثيرا ببوكوفا اذ وجدت فيها بعضا من مريم العذراء، ام السيد وعروس العرائس.

سيدات أفريقيا وقادة الغد
شعرت بأطياف رواية جورج اورويل "صرخة عبر البلد المحبوب" تحل في ما ورائيات كلمات السيدات وقادة الغد الافارقة. حضر ما قرأته عن البؤس والفحش، والفقر والغنى، والبربرية والانسانية، في رواية اورويل في بالي وانا استمع الى تلك المداخلات. وشعرت بأنّ كل مدينة في افريقيا تشبه "جوهنسبورغ" بقصص شبابها. احسست بعطش السلطة والعنف يلوح في تطلعات معظم مشروعات قادة الغد الافارقة. كما احسست بالتوق الى التحرر والخوف يرشح من كلمات السيدات الاوائل والرؤساء السابقين الذين ما اخفى بعضهم حيثيات نشأتهم وعذاباتهم.
اتوا جميعا في ذلك اليوم الى عاصمة اوروبا والى مدينة الملك ليوبولد الثاني الذي كان من رموز الاستعمار للقارة السوداء والتي شكلت جمهورية الكونغو احدها. اتوا دارة من اعتبروه المستعمر والذي سلبهم كنوزا وسلّفهم حضارة مختلفة ما استطاعوا فهمها كليا لغاية الآن. راحوا يتكلمون باللغة العالمية. والسباق على خيرات القارة السوداء واستعمار دولها قد اسفر عن حروب في افريقيا وأوروبا والعالم، فكانت الحرب العالمية الاولى. لم يغب عن بالي في تلك الاثناء كيف انّ الكثير من معالم بروكسل شيّد من "كاوتشوك" ومن عاج "الكونغو" من قبل ليوبولد الثاني وغيرها من الدول الافريقية. وما زال الألماس واليورانيوم والنفط هناك يتولد عن مجاعات وانقلابات وحروب من دون ان يؤدي الى التنمية والاستقرار. آه منك ايها العالم، وآه منك يا اوروبا والف آه عليك! الا انك اليوم قد اضحيت معذورة بعض الشيء اذ انك ادركت ان البحث عن القيم المكونة للحضارة والمحافظة عليها هو طريقك الى الازدهار! لكن هل ستدرك ابنتك اميركا ما ادركته انتِ شخصياً فتعملين معها يدا بيد على تغليب القيم
على المركنتلية اي الربحية المباشرة؟


لقب وتكريم وعودة
لم آت الى بروكسل لوحدي بل اتيت مع ثلاثة من افضل شباب بلدي، كان دعاهم المؤتمر كي يكونوا من مؤسسي منتدى قادة الشباب بعدما اطلق عليهم ألقاب "قادة للغد" والذي ضمّ ثلاثين شخصية شبابية من العالم العربي وافريقيا. وكان قوم بلدي افضلهم. فكان ان اعجبت بطيبة رامي المجذوب ومثاليته وشخصية جيلبير دوميط المتميزة وبمهنية خالد بحصلي. الا انّي شعرت بأنّ لا معنى حقيقياً للاعلان والاحتفال، كما لصفات القيادة في بلد كلبنان. وخصال القيادة قد تضحي عبئا على النظام الزبائني عندنا، فيسعى الى لعن من يتمتع بها. رغبت بقول ذلك الى رفاقي في تلك اللحظة الا اني ما تجرأت حرمانهم من تلك اللحظات المضيئة في حياتهم. فسكنت واستكنت سكون القبور مخفيا مرارتي في قلبي.
شكرت بروكسل عاصمة أوروبا على تقديرها لي ولرفقائي، كما على اعطائها لي في التعاطي مع بعض المسائل بعبثية "Manken Pis" ذلك الطفل الاسطورة في تاريخهم والمتموضع تمثاله في احدى ساحاتها، والذي يقال بأنه اطفأ فتيل البارود الذي كاد يدمّر المدينة لمّا تبوّل عليه من على جدارها. ودّعت بروكسل مدينة "الولان" في مقاطعة "الفلامان" والتي شكّلت مساحة صراع وتفاعل ما بين النفوذ الجرماني والفرنسي والهولندي والاسباني. تلك المدينة التي دمّرها لويس الرابع عشر، والتي جاورت "واترلو" التي احرقت نابوليون وامبراطوريته الى الابد والتي بدأ التأثير العربي والاسلامي يبان عليها. تركتها كما وصلتها فجر يوم باتجاه بيروت التي هي مقبرة وحانة وساحة وجوهرة وانا اردد مع الكتاب: "قم يا الله واحكم في الارض لانك ترث جميع الامم".

هوامش
1 - الفلامان هو احد العرقيّن الاساسيّين لبلجيكا والذي يتكلم اللغة الهولندية ويقاسم شعبها ارثه الحضاري.
2 - الذي يتقاسم مع الفلامان الانتماء الى المملكة البلجيكية والعرقين هما في حالة تنافس. الولان هو العرق الفرنكفوني.
3 - الدانتيل قماش يصنع يدويا بالصنارة.
4 - الملك المؤسس للملكية البلجيكية الحديثة.
مازن عبّود


.........................................................................................................................................................................................
جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2010

الأربعاء، 14 أبريل 2010

كرانس مونتانا للقادة الشباب

14th of April, 2010

ALWIKALA ALWATANIA

عاد الوفد اللبناني الى "منتدى كرانس مونتانا" الاقتصادي من بروكسيل، بعد ان اشترك مع اربعة وعشرين شخصية من العالم العربي والافريقي في الاجتماع التأسيسي لمنتدى كرانس مونتانا للقادة الشباب في العالم العربي وافريقيا والذي عقد في بروكسيل على هامش المؤتمر الرئيسي الذي شاركت فيه مديرة الاونيسكو ايرينا بوكوفا على رأس وفد من منظمتها وعدد غير يسير من السيدات الاوائل في افريقيا والمغرب العربي.
تألف الوفد اللبناني من كل من مازن عبود، جيلبير دوميط، خالد بحصلي ورامي مجذوب، واعتبر عبود ان "المنتدى كان مناسبة للتعرف على مشكلات القارة السوداء ومشكلاتها الاقتصادية وادوار المرأة فيها، كما لمناقشة مديرة ومسؤولي الاونيسكو قضايا المنظمة وتوجهاتها وخصوصا تفعيل التربية البيئية على قضايا الاحتباس الحراري وتعزيز العلاقة ما بين الثقافة والتعليم".

الاثنين، 12 أبريل 2010

Four Lebanese contributed in Founding the Crans Montana Forum of New Leaders for Tomorrow



Four Lebanese contributed in Founding the Crans Montana Forum of New Leaders for Tomorrow

Crans Montana Economic Forum nominated four young Lebanese: Mazen H.ABBOUD (the Member of the Directing committee of the Regie Libanaise des tabacs & a known environmentalist & writer) , Khaled BAHSALI- the Director of Foreign Affairs Department at Banque du Liban, Gilbert Dumit- the Co-Chairman of Beyondconsult, & Rami MAJZUB- the founding president of JCI Lebanon & a former senior Reuter Official to attend its 2010 Forum on Africa, which took place in Brussels from the 7th till the 10th of April 2010, & be a cofounders (out of young thirties personalities from Africa & the Arab World) of its Forum of New Leaders for Tomorrow.
The Forum was attended by the new director general of UNESCO Erina BOKOVA, a number of African First ladies, & eminent economic personalities.

Crans Montana Forum in its press release considered that Forum of New Leaders for Tomorrow aims to be a unique, multistakeholder community of Arab and African young leaders who are shaping the global agenda and implementing a better cooperation between Arab and African Countries in the framework of the new South-South Cooperation.

ABBOUD who met BOKOVA, the director general of UNESCO, said that the forum was indeed a good opportunity to meet & discuss with African & UNESCO leaders, EU Ambassadors, & Junior Arab & African Leaders their experiences & issues of mutual concerns such as environmental education to combat global warming.

الخميس، 8 أبريل 2010

متفرقات - لبنان يشارك في "منتدى كرانس مونتانا" في بروكسيل

07/04/10 11:48
متفرقات - لبنان يشارك في "منتدى كرانس مونتانا" في بروكسيل

وطنية -7/4/2010

يشارك لبنان في منتدى كرانس مونتانا ملتقى للقادة الشباب من العالم العربي وافريقيا، المنعقد في بروكسيل بين 7 نيسان و10 منه.

وقد سمى المنتدى وفدا من القادة الشباب، بناء على ترشيحات غرفة الشباب العالمي - فرع لبنان وهم:

1. جيلبير دوميط رئيس شركة بيوند كونسول - قطاع الاستشارات والتدريب الهندسي،
2. خالد بحصلي - مدير العلاقات الخارجية في مصرف لبنان - قطاع المصارف،
3. رامي مجذوب - مدير الانماء المساعد في الجامعة اللبنانية الاميركية - قطاع التربية والجامعات،
4. مازن عبود - الرئيس السابق المؤسس لاتحاد الجمعيات الشمالية الكاتب الصحافي وعضو لجنة ادارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية - قطاع التنمية المستدامة.

============== ج.ع

الثلاثاء، 6 أبريل 2010

Lebanon's Tobacco Regie awards Green Prize at Coral Beach dinner




Tuesday, April 06, 2010
Lebanon's Tobacco Regie awards Green Prize at Coral Beach dinner




Read more: http://www.dailystar.com.lb/starscene.asp?article_ID=113460&categ_ID=6&edition_id=1##ixzz0kLgH0oJD
(The Daily Star :: Lebanon News :: http://www.dailystar.com.lb)



BEIRUT: During a dinner and awards ceremony at the Coral Beach Hotel on March 26, Lebanon’s Tobacco Regie bestowed its Green Prize to a trio of medical doctors, Malek Ghandour, Antoine Daher and Jamal Younes. Over 100 people joined the three men in celebrating their win, not least Mazen Abboud, Maroun Balaa, Zeiad Chbib, Antoine Daher and Maha Shamseddine.

الاثنين، 5 أبريل 2010

صبي الولادة والموت والقيامة


04 نيسان 2010 - السنة 77 - العدد 24006
صبي الولادة والموت والقيامة

Original Version Sent to the Newspaper
لم يكن الصبي يدرك وقتها، لما كانت جدّته "رمزى" تسمي عيد "القيامة"، "عيد الاعياد وموسم المواسم". وهو قد رغب ان تعطي جدته مثلا "عيد الميلاد"، موسم الهدايا والاطعمة والبابا نويل والثلوج والزينة والافلام السينمائية والعروض المسرحية والغنائية، المقام الاول الا انها لم تفعل. اما "الفصح" او "عيد القيامة"، فما تعدى ان يكون الا نهاية مشوار خمسين يوما من الصوم والتقشف والخدمات الكنسية الطويلة برتبة "الهجمة".
وكبر الصبي بعض الشيئ، فأكتشف انّ تقويم الاعياد ما كان بمتناول جدته التي ادرك انها كانت تزعن لرأي الكاهن في مثل هذه الموضوعات. نعم، فجدّته كانت بسيطة الروح وبعيدة كل البعد عن الفلسفة.


ثمّ اعتقد بأنّ وضع عيد القيامة في صحن الصدارة ناتج من تأثير آل "قيامي" على الخوري.
فكان ان دخل عليه يوما، وهو جالس بكل بهائه على كرسي هيكل الكنيسة، فسأله، مستفسرا عن الموضوع. فأجاب الكاهن الكهل الولد بانّ تسمية عيد القيامة بعيد الاعياد وموسم المواسم تعود ليوحنا الذي كان له فم من ذهب في القسطنطينية. فأنشده الصبي لتلقيه خبرا عن حبر حظي بفم من الذهب الخالص تقدمة من الامبرطور. الا انّ ما تلقاه ما كان الحقيقة، لا بل رمزا في كنيسة حرصت على استعمال الرموز والطقوس في ممارساتها الدينية.
وكبر الصبي، ومع كل سنة يكبرها، كان ينشد اكثر فأكثر الى "القيامة" ويدرك لما وضعت في هذا المقام المحوري.


الطريق الى القيامة
احد ابن الشاطر
لقد كان الطريق الى القيامة يمتد مسافة خمسين يوما من الصوم والتقشف والصلوات. وكان عندما يرى صليبا من رماد يزين جبهة "اليدأ" جارته، يدرك ان زمن التريويدي في كنيسته، قد اضحى ايضا على الابواب. لقد كان للرماد على هامات من رماد مفاعيله عليه. فيتذكر قصة الابن الشاطر في الانجيل، ذاك الشاب الذي خرج عن طاعة والده ومن ثمّ عاد اليه تائبا. والتوبة كانت كما يقول "جيجو" الميكانيكي، كتصفير عداد ما والانطلاق بنظافة ودون اي وزر او تبعة. او علّ التوبة كانت ايضا كولادة شمس جديدة من حضن ديجور كانوني طويل كما كان يقول "ابو زهر" قريب جدته.
ثمّ انه كان يطرب جدا لترتيل بداية المزمور الخمسين : " يا رحيم ارحمني يا الله كعظيم
رحمتك..." التي تفضي الى القول : " اذا تصورت كثرة افعالي انا الخاطئ، فاني ارتعد من يوم الدينونة الرهيب". والدينونة، كما ابلغته جدته، تؤدي الى هلاك الخطأة في الجحيم. والجحيم كان على شاكلة آتون معصرة العنب حيث كان يعدّ الدبس. اما الملائكة فكانوا على شاكلة اولاد "عبد النور" صاحب المعصرة. وآتون المعصرة كان يغذى بالحطب اليابس، اما آتون الديّان (فلقد خاله) يغذى بالخطأة الهالكين. ومنظر الآتون وملائكته الدنيويين كان يخيفه ويذكره بالدينونة. لذا، فانه سعى الى مسايرة "عبد النور" علّه بذلك ينال بعض الضمانات للمستقبل.


المديح
وكانت خدمة المدائح تحلّ في كل نهار جمعة من كل اسبوع صوم. والخدمة هي لاكرام والدة الاله اي ام المسيح. وكان الصبي يضيع في عبق بخور وكلمات وانغام تلك الخدمة المنظومة لام الملك. ثم انه كانوا يرنوا لملاقات مرأة الايقونة ومقابلة تلك المرأة المستترة التي بان على وجهها العجب والتي تشير دوما الى ابنها الملك. احب سحر المدائح التي حوت فلسفة وشعرا وقصصا. لم يفهم كل مضامينها، الا انه على الاقل حاول ان يسمع ويفهم، وفضل تلك الخدمة على كل الخدم. ولمّا سئل في مدرسته عن صلاته المفضلة اشار الى خدمة المديح التي ما استطاع شرح كلماتها الى رفاقه في تلك المدرسة المسيحية المختلطة. واغرم الصبي اكثر فأكثر بالمرأة التي قيل انها جعلت فلاسفة اليونان كأفلطون وسقراط عديمي النطق كالسمك. ثمّ انه انغمس في قصص الفردوس وحواء وآدم والسقوط وافتكر كثيرا بحواء الجديدة . ففقه عندها لما سميت جدته من امه ب"ايفا" اي حواء.

ان غرامه بتلك السيدة جعله يفرّ، وفور انتهاء دوام الدراسة من كل يوم جمعة في كل صوم، الحقول كي يتأمل الازهار والرياحين، فيشبك لام الانسانية عقدا من المارغيريت يزيّل به صورتها. وكم كان يتلهف لسماع ترتيلة " انّ جبرائيل اذ اعتراه الذهول ..." لكن، ليس من فيه "حنا" المستطرب. ترتيلة تنشد عند نهاية كل رتبة مديح، استذكارا لفعل بشارة جبرائيل للعذراء مريم بحبلها بالمسيح. وارتبطت الترتيلة برهبة "جبرايل عيد" وامراته "سيلانة" من حارة الصنوبر الذين كانا يحضران الرتبة بكامل اناقتهما المكسيكية .


ومازال الصبي، في الرجل يستفيق، فيبكي دموعا مدرارة. والصبي عنده ارتبط بالملاك الذي كان يزور جسده الممتلئ شياطينا. والملاك كان يحرك مياه نفسه فيحرره كي يتوب، فيبكي كي يغتسل من عفنه المتراكم والمزمن. ولقد بكى مؤخرا في خدمة المديح في دير سيدة الرقاد في حماطورة. نعم، لقد شعر بسحر الانغام والرموز والطقوس يحرك امواج نفسه، ويسحب عنه اغطية الازمنة والامكنة كي يشعره بحقارته هو المتعالي !! نعم لقد شعر في خدمة المديح الكبير معنى الانخطاف، فأحسّ لتوه انه عائد من القسطنطينية حيث اديت للمرة الاولى تلك الرتبة للعذراء مريم. فلامس الشعب الواقف خلف البطريرك والاحبار، واحسّ بفعل الاتكال على تلك السيدة التي بددت هجمة الفرس عن المدينة في غياب الجيش والامبرطور.
في سائر خدمات الصوم

لم يكن الصوم الاربعيني الذي يفضي الى اسبوع الالام مدائح فقط لا بل صلوات نوم وقداديس سبق تقديسها. ولكل خدمة من تلك الخدم الكنسية طقوسها، الا انّ المشكلة كانت في غياب من يتقن ادارة وترتيل مثل هذه الخدم الامبرطورية المتنوعة. فضاق زرعه احينا من سؤ تأدية لحن او قرائة مقطع. ثمّ كان يمتعض احيانا من خوري محلته الذي كان يسترسل بالكلام عن موضوعات شتة دون ان يتمكن من افهام الرعية، وذلك لانّ الدهر كان قد فعل فعله بفمه، فقد فقد القدرة على تبيان مخارج حروف الكلمات. الا انه لمّا كبر قدر لذلك الشيخ جدا ايمانه وتقشفه وسيرته الطيبة. كان الصوم وصلواته عودة الى الجذور، عودة الى مزامير داوود ونبؤآت اشعيا وحزقيال وغيرهم.


في الاسبوع العظيم
والاسبوع العظيم كان يبدأ فعليا عشية الشعانين، حيث كان يستذكر يوسف المهاجر واخوته ومريم المصرية وصولا الى العشاء الاخير والصلب والقيامة. وكان من تمكن من العائلات ينصرف عن اعماله لتأدية واجب الصلاة المستمرة كي لا يقع في تجربة. اما النسوة فكنّ يكتسينّ الاسود في اقدس اسبوع من الروزنامة اليولانية وينقطعنّ عن طبخ الزفر بشكل صارم. فتذهبنّ الى الحقول لجمع البقول لزوم اطعام اولادهنّ في مثل هذا الاسبوع، ولكم اختلط على الفتيات منهنّ تمييز ما يؤكل مما لا يؤكل!!! ولولا مشورة الحكيمات ورحمة الختن لقضى الكثير جراء ذلك. وكان الصبي في مثل هذا الاسبوع، يذهب خارج المحلة حاملا عصاه فيروح يستذكر في طريق العودة اورشليم والتلاميذ واليهود.


في عيد الاعياد وموسم المواسم
وسبت النور كان يأتي بعد التسليم والالم والموت كي يبلسم الجراح باءنتظار القيامة. والنور كان لعنة للجحيم. نور ما انفكّ يفيض في مثل هذا اليوم في القدس حيث القبر والسبت يتناغمان مع القيامة في تلك الكنيسة التي بنتها هيلانة قديما والتي مازالت متموضعة في قلب اورشليم الارضية القديمة والبائدة.
ورسما لكل ذلك، كان اهله يضيئون الشموع في مثل هذا اليوم، كي يتأله كل ذي جسد، ممن صنع من ماء وهواء ورماد. فالنور واللهب والدفئ هي النار التي ترمز للاهوت. اما الشموع المشتعلة فهي لقاء المادي بالالهي. لقد احبّ الصبي ان يكتشف النور الذي لا يزبل ابدا، فراح يسعى ان يبلغ اليه يوما، حتى لو بعد الموت الذي اضحى بالنسبة اليه رقادا او قيلولة ما بعد الغداء!!!
كما كانت الابواب القديمة تدكّ في ايامه في مثل ذلك الموسم. كانت الابواب تدكّ رمزا لدك المسيح ابواب الجحيم النحاسية وتحريره الارواح المعتقلة منذ القديم. فالقيامة كانت بالنسبة الى اهله، تحررا وضؤا ولسيادة لقد كانت تكريسا لغلبة النور على الديجور. نعم فلقد عنت القيامة لؤلائك القوم الشيئ الكثير، ولولاها ما كانوا ما هم عليه. لقد كانوا مسيحيين لانهم قياميون، ولولا القيامة لكان ايمانهم باطلا.


جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2010