الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

المحطّة الأخيرة

اقلعت الطائرة من حيث حطّت اصلاً. فحملتنا الى «بوسطن»، المحطة الاخيرة من المشوار الطويل. المسافة الزمنية لم تكن كبيرة. الّا انها كانت ضرورية كي أعيد رسم «نيويورك». وجلت مجدداً في كل مطارحها الجميلة: حديقة "السنترال بارك" الخلّابة، ومتحف "المتروبوليتان" حيث تركت مصر فيه منها قطعاً ومعبداً... عرّجت على الشارع الخامس حيث النخب المالية العالمية من الأذكياء ممن يريد بعضهم لنا ان نصبح كائنات ممغنطة في عالمهم الوهمي تُحرَّك كدمى مسرح الاطفال. فيمسكون بنا، بغرائزنا وحاجاتنا مستعملين علوم هذا العصر وطرقه للتحكّم بسلوكنا، لكشف اسرارنا ورصد تحركاتنا. فنرتبط بحاسوب. ونفرح لذلك!! خشيت"نيو يورك" لانني مقتّ اذكياءها، مقتي لأزمة التقلص المالي واسبابها. وخشيتي منها لانها "العولمة" المستوحشة. وانا اكره ان اكون قرداً ممغنطاً. ثمّ راحت "بوسطن" تمحو اطياف "نيويورك" كلما اقتربنا منها. "بوسطن" في وجداني هي كلّ الولايات المتحدة الاميركية. فهي قصص شتوية للعمة "ام سليم" ايام الطفولة، وفي ازمنة الشتاء الباردة!. هي قصص لتلك المرأة القائدة والخضراء، وقت تصبح القصص في جبالنا اثمن من الدفء. حين ترحل الشمس وتضحي الليالي دهرية. فتسكن "عوالمنا" الخيالات. حين تحلّ الثلوج ضيفاً ثقيلاً على الجبال والناس والحارات القرميدية، تقعدنا في بيوتنا، تخرق مواقد حكاياتنا ونيرانها جبة الغيم الداكنة وصهيل البرد الراكض "ادخنة"، "ادخنة"، وتحملها جيوش الريح آمالا الى القمم. كنت متشوقا للقاء "بوسطن" شوقي "لأم سليم" التي سَلَبَتْها منا صنارات الحياكة كي تصنع للفلك غطاء من نجوم. او كي تصمِّم لشجر الحقول زينة في الميلاد وتصنع اطباقاً بطعم الصعتر وحلو التفاح لملوك الجان. وصلنا "بوسطن" ظهراً. ولمّا بلغتها، وجدتها منشغلة بأخبار ابنها، المرشح الجمهوري للرئاسة- ميت رومني. فالموسم كان انتخابياً. وحمّى السباق كبيرة. كما انّ الاعصار ما كان قد حصل بعد. فتغيّر المزاج. وجدتها جميلة تتلألأ تحت انوار الشمس الضاربة على مرفئها. "بوسطن" تلك التي لها قلب اوروبي خالص في جسم اميركي. وقد حوت حديقة جبران. ازدانت بالجامعات العريقة، كما بالنصب التذكارية. استمتعت جداً في الوسط التجاري لتلك المدينة. وتوقفت ملياً امام نصب المحرقة المؤلف من ابراج زجاجية صغيرة ستة وممرات فيما بينهم. احببت جداً ما كتبه "مارتن نيامولر" على بلاطة: "اتوا اولاً لاصطياد الشيوعيين. ولم افتح فمي لأني لست شيوعياً. فوافوا لاصطياد اليهود. ولم اتكلم لأني لست يهودياً. ثمّ اتوا لاخذ الكاثوليك. ولم اتكلم لاني كنت بروتستنتياً!. واخيراً اتوا من اجلي. ولم يكن حينها احد بعد على قيد الحياة كي يتكلم ويدافع عني". تأملت عميقاً في الكلمات التي سجلتها في يقيني. الّا أنّي حزنت جداً. فالتاريخ بمجمله ردود فعل. فابناء ضحايا الامس تحوّلوا الى جلاّدي اليوم. ومازالت الحاجة كبيرة الى من يتكلّم في وجه الظالم. لانّ ظلم انسان واحد هو ظلم بحق البشرية جمعاء. اذ انك تنتهك الانسانية التي فيه. ورحت اجول في معالم المدينة القديمة. واتحسس التاريخ الطالع من ابنيتها. والأديم يرمي علي بعض من رذاذه الخريفي. استوطنت تلك الارض العائلات اللبنانية كعائلة "اسحق" التي استضافتنا على مادبة عشاء. وواكبتنا في مشوارنا. كانت روح العائلة اللبنانية فيهم تضيء تماماً كعائلة "سعد" ايضاً التي اظهرت كل اللباقة في التعاطي معنا، فأرتنا مفاتن المدينة. واصطحبتنا الى المطار. ما غادرت "بوسطن" الّا بعد ان قابلت "هدى" الصغيرة حفيدة العمة "هدى". وقد اضحت دكتورة في علم النفس تعمل في احد معاهد الابحاث هناك. التقيت الحفيدة، فاسترجعت معها الماضي وجدّتها. فشعرنا انّ الارواح تسكن القصص. احببت "بوسطن" المدينة المحافظة والقديمة والمثقفة والهادئة. رغبت في ان ابقى فيها اكثر. الّا انه لي وطن. ولي حبيبة تنتظرني، تتخابط مع الزمان لاستعادتي، وانا لاستعادتها. ولي اهل و"صحاب" ورفاق يأملون في رجعتي الى "اورفليس". كانوا ينتظرونني، ربما كي ندفن سوية امواتنا واحباءنا. علّه كي نحلم معاً بغد افضل. ومن ثمّ نُحبط معا. "بوسطن" ارتسمت في بالي المدينة الهانئة التي خطّتها اقلام خريف "ماساتشوساس" الواناً دافئة. شوارع حمراء وبرتقالية تفصل، تربط ما بين الحداثة والتاريخ المعاصر، وما بين الخريف والمشاعر الجيّاشة والاوراق المتساقطة. في بوسطن شعرت في انجذاب ورغبة بالعودة الى حبيبتي والى ارضي. وغادرتها على متن طائرة مغادرة الى اوروبا، فبيروت. ووافى من بعدي الاعصار. وإنّي لم ارغب ان يأتي بعدي. نعم، فانا لم ادعوه. عدت من "بوسطن" الى بيروت. وانا محمّلٌ ببعض عطور بلاد العم سام وقصصها. كما تسلحت بكلمات القس"مارتن نيامولر" بغية استكمال ما قد بدأته. فمن غير الجائز ان اسكت واستكين على الظلم. فيفاجئني الوحش يوماً. ذاك الذي يستفرد الناس. فيصطادني وحيداً على حين غفلة. ولا يكون احد بعد على قيد الحياة كي يتكلم...

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

Mazen Abboud encourage l’augmentation des taxes sur les anciennes voitures

L’écologiste Mazen Abboud a salué hier la décision gouvernementale d’augmenter les taxes sur l’importation des voitures usagées, estimant que cette mesure aurait des répercussions positives sur l’environnement, en contribuant notamment à réduire la pollution de l’air et l’intensité du trafic dans les villes. Il a rappelé que « les voitures anciennes dégagent plus de gaz à effet de serre que les nouvelles ». Il a estimé que le coût de la dégradation écologique résultant de la pollution et du trafic est de loin supérieur aux gains que peut générer l’importation des voitures usagées.

المدينة العظيمة 2/2

لقد خشيت جداً من شوارع «نيويورك» وأزقتها العميقة خشيتي من الوحش القادم الذي قيل لي إنه سيحوّل الناس إلى عناصر وأرقام ومعادلات يتحكم بها بسهولة. كما خشيت من المدينة خشيتي من المستقبل الداكن للبشرية جراء استفحال الطمع وطغيان الحرية الفردية غير المسؤولة في ظل تناقص الوعي والمسؤولية الجماعية وتراجع ادوار المؤسسات الناظمة للمجتمعات. "نيو يورك" مدينة الارض وبشرها وحضارتهم الكرتونية. نيويورك المدينة الطالعة من تحت الارض بابراج من شهوات ولذات. حاولت اغوائي. الّا اني رحت ابحث فيها عما تبقى من روح. ليس بعيداً عن "وال ستريت" توقف باصنا السياحي. ترجّلت امام برجَيْ التجارة العالمية سابقاً كي اعاين موقع الفاجعة التي غيّرت المدينة والعالم الى الابد. وجدت كنيسة صغيرة تلطت تحت افياء ناطحات سحاب. شيّدها الانكليز قديماً كي تحرس مدافنهم. كنيسة القى فيها "جورج واشنطن" خطبة تدشين الرئاسة الاولى للاتحاد قبل ان يهجر صخبها الى "واشنطن". نضحت من هناك انغام وايقاعات ل"موزار". فهرعت اليها طالباً السكون. كانت كنيسة بولس بعضاً من روح في عتمات. احسست هناك بأنه مازال للموسيقى الالهية حضرة امام الموت. مازالت الانغام تعطّر بعض المطارح المتوارية في غمرة الموسيقى الثقيلة التي للعصر وشياطينه. دخلت. فأُخذت بسحر الانغام التي اقلّتني عبر الزمان غير البعيد الى احداث الحادي عشر من ايلول. انتقلت في الزمان من "جدّايل" حيث كنت ذلك اليوم بضيافة صديق الى حيث انا اليوم. فرأيت ما رأيت. سمعت نداءات الاستغاثة وأبواق الموت والانين المختلط بأصداء تبادلات الاسهم في "وال ستريت". عاينت البشر ارباً، ارباً تنتزعها الايدي من تحت الركام وانياب الوحش الذي كان يلتهم كل شيء. ادركت كيف تنتهي الاحلام وترحّل البشر وتختفي الاسرار. تلمّست هشاشة العولمة. فرأيت كيف يمحو الوهم عندنا الحقيقة لكن الى حين. بكيت جداً لمّا ادركت انّ الموت يبقى الحقيقة الكبرى. بكيت عميقاً، في تلك الكنيسة على نفسي وعلى نيويورك وعلى العالم. فالدموع تغسل مني ما وشمه فيّ الوحش. سائح غريب في كنيسة قديمة وبعيدة، مرمية على جنبات مقبرة بروتستنتية قديمة عند برجي التجارة المغدورين. يستمع الى تمارين فرقة تشدو لمن رحل ممن سُجلت اسماؤهم على قارعة جرسٍ مرميٍّ في تلك المقبرة. وقد اهدته بلدية لندن لاهل المدينة المفجوعة. لعنت الوحش. وبصقت عليه. فهو لا يشبع دماء وابرياء تحت الف غطاء وغطاء. حتى يمسك بالبشرية جمعاء فيلتهمها. مضيت من هناك نظيفاً كي أواجه تمثال الحرية الذي انتصب معْلماً فرنسياً في قلب البلاد الجديدة من صنع "ايفيل". سألت النصب عن مفاهيم الحرية التي يقدمها للبشر، كيف واين تبدأ؟؟ واين تنتهي؟؟ وهل انّ حريته هي استفحال للفردية التي تجعل من كل منّا جزيرة لا تربطها بسائر الجزر الا بطاقة الاعتماد والحاسوب؟ سألته عن النظم المجتمعية والمبادئ التي تسقط كل يوم في سبيل مفاهيمه للحرية. ثم سألته عن التحرر. فما اجاب. ولا اجابت مياه المحيط المالحة ولا ناطحات السحاب ولا اسراب السفن. وكان ان صعدت الى برج "روكفيلر" حيث رأيت المدينة من فوق. عاينتها مع كل محاسنها وجمالاتها ومفاتنها. كان البرج كبيراً وعالياً. والمدينة كبيرة وساحرة. الا انها كانت قد وشمت للوحش كما قيل. لم اسجد لها. لانّ لي مدينة فوق. واني لا اسجد للبشر وآلهتهم وفنونهم وطرائقهم وحضارتهم. فهم من تراب. والتراب سرعان ما يتعرّى عن الارض. فتحمله الامطار والرياح الى حيث لا يريد. حزنت المدينة مني جداً. اذ اني لم انتمِ اليها الّا ببعض الجوانب التي لامست فيها الالوهة. وكان ان مضيت ليلة فراقها كي اكتشف مسارحها. Broadway ومسارحها الموسيقية كانت قبلة كل من عشق في هذا العالم فنونه الراقية. وانا كنت من هؤلاء. استمتعت جداً بمشاهدة مسرحية "The JerseyBoys" التي اضاءت على حكاية فرقة "الفصول الاربعة المشهورة" ونجمها مغني البوب المشهور "فرانكي فالي". فرسمت بالموسيقى والديكور والاغنيات كيف واجه اولئك الفتيان ضغوط المافيا والقمار والنكبات العائلية للانتقال من ازقة "نيو جرسي" الى زقاق الشهرة العالمية. كما رسمت بوضوح اثمان تلك الشهرة. وقد افرغ الابطال من مضامينهم وحياتهم وعائلاتهم. فأضحوا يدمنون على الاضواء الخاوية. حزينة كانت نهاية النجم الذي ما عرف كيف يضع نهاية للوحش الذي استعبده والتهمه. فكان ان آثرت ترك تلك المدينة. تركتها بعد ان اتصلت بقنصلنا العام فيها مجدي رمضان للإطمئنان عليه. وتوجهت الى بوسطن، المحطة الاخيرة في زيارتي الى بلاد العم سام.

الاثنين، 19 نوفمبر 2012

مازن عبود أثنى على قرار زيادة الضرائب على إستيراد السيارات المستعملة

الإثنين 19 تشرين الثاني 2012 أثنى المستشار البيئي مازن عبود، في بيان، على "قرار زيادة الضرائب على إستيراد السيارات المستعملة"، معتبراً ان "لهذه الخطوة تأثيرات إيجابية على خفض الزيادة في معدلات إنبعاثات الغازات الدفيئة من السيارات، لأن معدل الانبعاثات في السيارات المستعملة أكبر من السيارات الجديدة". ورأى ان "هذا القرار قد يسهم في خفض معدلات تدهور نوعية الهواء المرتقبة"، لافتاً إلى ان "هذه الخطوة ستحد من تفاقم مشكلة زحمة السير والوقت الضائع المتزايد بشكل دوري، بحيث ان الطرق ما عادت تستوعب كميات السيارات"، داعياً إلى "البحث بشكل مواز عن خطة نقل متوازية وتمويلها بغية خفض إعتماد المواطنين على السيارات". http://www.elnashra.com/news/show/548928

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

المدينة العظيمة 2/1

غادرتُ «كانتكي» التي لم ارد تركها مع هذا الكم من الاحباء كله والذكريات كلها. غادرتها تاركاً لبنان وفيروزه وتالا ورانيا... وما شئت أن اذرف دمعة من الدموع المحتجزة في عينيّ. وانطلقت في مشواري لمعاينة «نيو يورك»، تلك التي غنّى لها «فرانك سيناترا» أجمل ما عنده... انطلقت كي ازور المدينة التي تنبأ لها وعنها "نوستراداموس". فتكلم عن سقوط البرجين الكبيرين في المدينة العظمى وعن المطر الحامض. جئتها لا من اجل "وول ستريت" واقتصاداتها الوهمية، بل من اجل "برود ويز" والمسارح والموسيقى. عرّجت على تلك المدينة وفي بالي ان المح فندق "والدورف استوريا" ومبنى الـ "امباير ستايت" و"السنترال بارك" ومتحف "المتروبوليتان". جئتها ولم يغب عن بالي قوافل المهاجرين من بني جنسي الذين قدموا اليها، فاقاموا فيها، وعملوا في "بروكلين" قبل ان يتناثروا في سائر الولايات الاميركية. اقلعت الطائرة الى مطار JFK، وفيَّ شوق لمقابلة تلك المدينة التي تَمَلّكني خوفٌ منها. لم اعرف انّ السيناتور ميتش كونيل- رئيس الغالبية الجمهورية في الكونغرس كان ينتظر معنا عند معبر الدخول الى الطائرة مثل أيّ مواطن عادي. كما اني لم ادرك صفته عندما جلس الى جانبي في مقصورة الاعمال، حيث انهمك في القراءة. ولم اسع الى ان اتعرف على صفته. اذ انه لم يحظ باهتمام غير عادي على مثال ما يجري في بلدي. مرافقوه ومساعدوه تواروا. الا انني احسست بأنّ وجهه كان مألوفا بالنسبة لي. فتبادلنا اطراف الحديث حول الانتخابات الاميركية والشرق الاوسط الى ان وصلنا الى "نيو يورك"، هنا في نيويورك اعدّ له على ارض المطار استقبالا يليق بالرؤساء!؟ لم ادرك بداية انّ كلّ تلك التحضيرات كانت من اجله، الا عندما امتشق درج الطائرة، ولمّا مضى. سألت عنه، فأُبلغت، وصمتُّ! ورحت "افتكر" في كل شيء: "الولايات المتحدة. الكونغرس. الانتخابات الاميركية. لبنان. انا. إرث ساستنا. سلوك الساسة الامريكيين. وشخصيته...". شعرت انّ الاقدار دبّرت لي لقاء مع احدى المرجعيات الاميركية من دون ان اطلب ذلك. ذهلت لهذا الأمر. وتأملت في ما جرى معي ملياً. وغادرنا تلك الطائرة الى محطة التاكسي التي كانت مزدحمة للغاية. توجهنا غروب ذلك اليوم الى "مانهاتن" وفندقنا القابع في الشارع السابع من وسط المدينة على بعد امتار من شارع مسارح "برود واي". وفي صبيحة اليوم التالي مضيت كي اكتشف المدينة عبر الباص السياحي. كانت "مانهاتن" ابراجاً زجاجية لا تخترق جذوعها الشمس. وهي درة "نيو يورك" التي لا تنام. فصلتها المياه المالحة عن "بروكلين". لم تكن هي وحدها المدينة العظيمة. لا، وما كانت "بروكلين" لوحدها ايضاً. بل انّ المدينة العظمى هي كلاهما واكثر. فالاولى لم تظهر لولا الثانية. سُحرت بالدعاية والاعلانات والابنية في "نيو يورك". واسرني طنين المدينة التي كانت للمال واسواقه وجنوده وعوالمه. ففيها بنى الناس للتجارة كاتدرائية. ناسها كانوا يركضون في الشوارع هاربين من بعضهم. كانوا يتسابقون ما بين أفياء ناطحات السحاب الزجاجية. يسيرون على عجل. علّهم يخافون من سطوة المباني او من قدوم الوحش. "نيو يورك" هي قبلة العصر وحضارته البلورية الداكنة. بقعة غزتها ناطحات السحاب السوداء التي تسابقت في ما بينها على تسلق الاديم. ابراج اراد لها اهل المال ان تكون شاهداً لعظمة حضارتهم وتعاظم نفوذهم وتنامي قدراتهم وجبروتهمم. "نيو يورك" قلب العولمة وام الحضارات التي انبثقت عنها. جذّابة هي ومخيفة. مدينة "الروك" والموسيقى الثقيلة. ببساطة هي ضاربة ومتشعبة في اعماق الارض وما تحت الارض. مدينة الاسرار والدهاليز التي يسكنها حكّام "واشنطن" والعالم "الحقيقيون". مدينة التناقضات. احشاؤها عتمات. امّا ووجهها فكالصبح. جميلة هي وباهرة، تتباهى بما لها. وما لها كان من صنع البشر. تأملتها عميقاً من "متن" ذاك الباص الذي قادنا في شوارعها. فعرفت بعضاً من قصصها التي لا تنتهي. ولكل دليل قصصه عن المدينة التي تلتهم البشر. كبيرة كانت باعراقها ودياناتها وطقوسها المعولمة وغير المعلومة. (يتبع)

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

مازن عبود: البيئة هي الشهيدة الاولى في لبنان

08-11-2012 اعتبر الناشط البيئي مازن عبود في محاضرته في مؤتمر دولي عن "المسؤولية الاجتماعية"، والذي دعت اليه جامعة الروح القدس في الكسليك "بأن للازمات والاضرابات تأثيرات كبيرة على البيئة في لبنان". واعتبر "ان من المفاعيل المباشرة للاضرابات كان حرق اكثر من اربعين الف دولاب في غضون فترة لا تتجاوز بضعة ايام من العام الحالي، مما ادى الى تراجع ملحوظ في نوعية الهواء وبالتالي خلق بيئة ملائمة لتطور السرطان وعدد غير قليل من الامراض والعوارض". واشار الى ان "الملفات البيئية والحياتية هي الاكثر تأثرا بالازمات، فالكثير من الملفات الخضراء قد انتنت على الرفوف جراء ذلك"، لافتا الى "ان البيئة في لبنان هي الشهيدة الاولى، وقد اغتالها تراجع هيبة وادوار الدولة المركزية الناظمة والراعية والرادعة".

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

«مطارح» أخرى

تموضعت «رالي» في عمق الجنوب الاميركي حيث حقول التبغ والقطن. هناك، حيث المزارع والفلاحون، كانت عاصمة نورث كارولينا ابنة خضراء من بنات الجنوب الاميركي، عُرفت بممانعتها وأخواتها للشمال الصناعي الذي حاول التهامَهنّ. فكانت الحرب الاهلية، بحسب ما ابلغني نائب رئيس الشركة المضيفة "بوبي الكينز"، الذي تولّى شخصيا مرافقتنا خلال زيارة العمل الى ولاياته. وانا ما أتيت رالي- عاصمة نورث كارولينا- أصلاً كي اتعرّف الى وجهة النظر الاخرى من التاريخ، بل لضرورات العمل. وصلنا مطار الولاية بالتزامن مع قدوم المتعهد "جورج فتّوح" ووكيلته "كارلا بحري" للانضمام الى الوفد. وقد كان "بوبي" بانتظارنا. فترة مكوثي في الولاية كانت مناسبة، ليس فقط لإتمام المهمة التقنية، بل للاستماع ايضا الى شروحات "بوبي الكينز" في التاريخ الاميركي. بوبي كان مجازا في التاريخ، وكان بروتستنتيا محافظا وجمهوري الهوى، الّا انّ وجهة نظره من الحرب الاهلية الاميركية كانت تتنافر مع ما نشر وبلغنا. كان جنوبيا يفتخر بانتمائه الى تلك البقعة والى تاريخها. فكان ان اراني النصب التذكاري الذي اقامه اهل كارولينا الشمالية لشهداء الكونفدرالية في الحرب الاهلية، وقد انتصب قرب مبنى كابيتول الولاية. فالقصص على ما يبدو تختلف بحسب هوية البشر وتموضع الامكنة. فالروايات تتناقض احيانا!! في "نورث كارولينا" اجرينا الاجتماعات بأهل القطاع، وخَصَنا رئيس الشركة "تومي بان" بالتفاتة خاصة. فأحيط الوفد بكل مظاهر الحفاوة. أولَمَ على شرفي، فجمع كل طاقم مجلسه الاداري. القضايا الحميمة والخاصة، كما لبنان ومسائله، لم تغب عن عشاء العمل، فأهل الولايات المتحدة الاميركية يعرفون كيف يرسون تبادلاتهم التجارية على اسس الثقة والاحترام، بغضّ النظر عن حجم الشريك او هويته. في "نورث كارولينا" حلمت مرتين بلبنان. المرة الاولى كان الحلم جميلا، فأبلغت لمّا اتصلت بأنّ اخي قد تمّ تعيينه رئيس الهيئة العليا للتأديب، ففرحت. والليلة التالية كان الحلم كابوسا مفزعا، اذ اني سمعت انينا وعويلا، وعاينت نيرانا وقتلى، وكان ان ابلغت انّ اللواء الحسن قد اغتيل ظهر اليوم التالي. لقد كان طيف بلدي يلاحقني الى هناك. لا اعرف لم لا ينفكّ يلاحقني هكذا حتى الى اقاصي الارض؟؟ فكأنه يسكن فيّ، او اني ببساطة اسكن في قلبه، ولا اعرف!! بداية، فرحتُ لأخي، ومن ثمّ بكيت لاحقاً على بلدي هناك. تحسّرت جدا على اللبنان، وتحوّل جوّالي الى خط ساخن لا يسكت ولا يستكين، لزوم العبور الى حيث انتمي للاطمئنان على الاهل والاصدقاء. كانت ايامنا الثلاثة في "نورث كارولينا" معطرة بشذى ارضها ومحبّرة بألوان خريفها وغسقه الموشى بأطياف الورود. انتهت زيارة العمل. ودّعت "رالي" واهلها، والى "كانتيكي" حيث لي "لبنان" من ازمنة الجامعة الاميركية. و"لبنان" صديقي كبلدي عَنى ليّ كثيراً، فلقاؤه في ارض العم سام حدث بحدّ ذاته. بحثتُ عنه في بلدي، فوافيته في بلاد العم سام. ذاك المحمّل بما فيّ. جئته كي التقي بعضي ممّن تركت على طاولة الدراسة. و"لبنان" اضحى من اشهر اطباء "لويس فيل" عاصمة "كانتكي". فتزيّن الاسم بصاحبه ايضا. بنى صاحبي في تلك المدينة عائلة وبيتا فخما. لقد ألحّ بدعوتي، فلبّيت، لعلّني وافيته كي اكتشف عالمه. استلقيتُ على أريكة شرفته، ورحتُ اداعب اولاده فرداً فرداً. ذهلتُ بفرادة طينة رفيقة حياته التي هي حجر صلب وكريم. ثمّ عدت وإيّاه الى أيام الصِبا على متن اغنية "Forever Young I want to live forever، شاباً ابداً اريد ان أعيش للأبد" التي أدمَنّا سماعها في ازمنة الدراسة في الجامعة الاميركية منذ العام 1992. فتذكرنا سوياً كل الأصحاب والجميلات والاحداث. عشرون عاما مضت. صمتنا. فدمعت عيناي، ورحلتُ الى رأس بيروت. ومن ثمّ رحنا نرسم وجوه الامس. لقائي به كان عميقا، عمّق المسافات ما بين بيروت وكانتكي، والتي تجاوزت الخمسة عشر عاما. امور كثيرة تغيرت، واحداث تبدلت، واناس رحلت منذ ذلك الحين. قدّمني الى "تالا" ابنته، التي لم تكمل الثماني سنوات بعد، كشقيق وكاتب. ففرحت الصغيرة، وراحت تسألني عن سحر الكلمات وقوتها ومفاعيلها. اعطاني كتاباً وسألني ان أحَبّره بكلمات واهديه اليها. عائلة صديقي كانت من صلبه وصلب زوجته "رانيا". كانوا انوار "كانتكي". امضيت عندهم اياما من حلم، منسوجة بأفئدة وموشحة بومضات. مضت تلك الايام كسهم نار في ليل حالك. وفي ليلة الوداع وَافَت اخته فيروز وزوجها. فكان ان أنشَدت لهم "ام كلثوم" و"فيروز" و"زياد رحباني" و"لبنان" على الشرفة المستلقية على حقول النجمات. لم ارد الذهاب من هناك، الّا انّ وقت الرحيل قد حان. وثمّة محطات تنتظرني. ودّعت "لبنان" صديقي واهله برائحة الوطن وعبق التراب، ومضيت.