الثلاثاء، 18 يناير 2011

في ميخائيل البشير وسفره


في ميخائيل البشير وسفره
بقلم مازن عبّود

اسمه ميخائيل، اما عائلته فبشير. عرفت ميخائيل البشير، اخ سام، صبيا يهمس، اذا ما تكلم كي لا يزعج طيور السماء. عرفته ابنا بشيرا لاهله ولنا جميعا نحن معشر قومه ورفاقه. ما سمعته مرة يلعن او يشتم في العلن او السر، كما اني ما عرفت عنه يوما بأنه قد اخلّ بنظام او خالف وصية. وكان اذا ما استاء من احد يهدده بان يشكوه الى يسوع، او يكتفي بلفت نظره الى انه جار "مار الياس" و"مار جرجس".


ما احب ان يسمع مذمة او شتيمة على لسان. وكان اذا ما التقطت اذنيه شيئا من هذا القبيل يسارع الى اسكات المصدر، قائلا: "عيب عليك. ستغضب الرب بفعلتك هذه. الا فاستكن...". واذ لم يجد اذنا صاغية، كان ينصرف ويحزن.


ادركت ميشالا منذ طفولته ملاكا بجسم انسان. وهمّه كل همّه كان ان يرضي ربه ووالدته واخاه واخته ومن ثمّ عائلته الموسعة. ادركته مغرما بالزنابق والورود والرياحين، وكان يحزن اذا ما انكسرت او ذبلت احداها. وقد كثّرها كثيرا في حديقته التي كانت عالمه.


لقد عاش ميخائيل البشير في عالم من صنعه. وعالمه كان خاليا من الكذب والنفاق والدجل. عاش صبيا رضيا ومحبا. انشأ لنفسه عالما قوامه طبيعة ونباتات زينة وزينة ميلادية وهدايا واناشيد واطفال بثياب جديدة.


هذا وقد رحل ميشال في زمن الميلاد الذي حفظ له موقعا خاصا في قلبه منذ الطفولة. فودّع دنيانا وفي مخيلته شجرة ميلاد ومغارة. نعم، لم يرحل ميشال الا بعد ان اشبع عينيه وهج المغارة واضواء شجرة الميلاد، كما تقول ناديا-اخته.


رأيته للمرة الاخيرة لمّا اتيت لزيارته، او لوداعه قبيل سفري الى غزة في مهمة انسانية، وبالاحرى قبيل سفره الى دنيا طفل الميلاد.
اتيته، وانا كنت عارف بالبصيرة أنّ مشواره في عالمنا قد بلغ نهايته. فكان ان غمرني رجاء وصبرا ومحبة. فراح يسألني على عادته عن امي المريضة ومن ثمّ عن قمح المغارة الذي تعودنا في طفولتنا ان نزرعه في كل عيد بربارة، كي يخضرّ فنزيّن به المغارة والشجرة.


ما عرف ميشال يومها انه هو كان القمح الذي بزغ واخضر كي تتزين به المغارة السماوية في الميلاد، لذلك العام. ما عرف انّ ربه قد اراد له ان يبقى في عقولنا قمحا اخضرا لا يصفر ابدا.
ابلغني يومها انه كان ينتظر قدوم طفل المغارة بتلهف، واخبرني أنه كان يصلي للطفل الالهي كي يدبر امره بما يتوافق ومصلحته. وابلغته باني ذاهب الى غزة كي اعاين وجه الطفل يسوع في اطفال القطاع المعذبين. فكان ان سأل ربه ان يعيدني الى البلدة بالسلامة. ففرحت ومضيت...
وبعيدا هناك، عرفت انّ المولود استدعاه الى حيث ملائكة التسبيح تنشد بحبور، وبدون ملل، الانغام السماوية. لقد استدعاه عمانوئيل الى حيث ميخائيل وجبرائيل البشير، زعيميّ الملائكة، يسودان.

وولد عمانوئيل، اياما قليلة، بعد سفر ميشال الى دياره. فكان ان انشد له ميشال رفيقي اناشيد التسبيح. سمعت صوته انا من عرفته هنا. كما ابصرت طيفه مع طغمات الملائكة. ابصرته يوافي مع الجنود السماويين الينا عشية الميلاد كي ينير مغارتنا الارضية المظلمة، فتعزيت.
ميشال، تراني اردد مع امك :" الا فانظر الينا من حيث تقيم وتفقدنا دوما يا ملاك دوما!!".
ميشال، يا جار كنيستي النبي ايليا وجاورجيوس، اني على ثقة بانك لن تنفك تحضر خدمات كنيستنا الارضية. كما اني على ثقة بانك لن تنفك تزور المرضى كما درجت عادتك. نعم، ولن تنفك تعاود عائلتك واصحابك.

ميشال يا زنبقة آل بشير في بلدتنا، ما زلت حاضرا ابدا معا في كنيستنا الارضية، في قداديسنا وخدماتنا واعيادنا وتذكراتنا. لما لا فقد انتقلت من الكنيسة الارضية الى الكنيسة السماوية!!!
ميخائيل، لن اقول لك وداعا، بل الى اللقاء. فكلنا على دربك سائرون يا صاح.

وتراني اردد لك اليوم مع بولس-حبيب المسيح: " مغبوط الطريق الذي تسير فيه اليوم، لانه قد كتب لك مكان الارتياح".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق