الاثنين، 22 أكتوبر 2012

على جناح بساط الريح إلى بلاد «العم سام» (الجزء 2)

وكان ان دخلت الى الكابيتول الذي بدأ ببنائه «جورج واشنطن» في العام 1793 كي يكون القمقم السحري الحاوي للروح الاميركية التي اريد لها ان تكون من حرية وديموقراطية ومساواة. فكان ان استوطن فيه النسر التشريعي الاميركي بجناحيه: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، منذ العام 1800. من دون ان يرقد هو فيه، اذ انه آثر ان يستلقي في حديقة منزله ربما هرباً من الدهاليز. رافقتني في زيارتي الى هناك ايضا المهندسة ميراي وصديقتها د. فاديا صادق التي تبرعت مشكورة ان تواكبنا في زيارتنا الى عاصمة هذا العالم. في الكابيتول استقبلت مع مئات القادمين لزيارة هذا المعلم. لقد كان ذلك المعلم مفتوحاً امام الزوّار على رغم الكابوس الامني. فمن اراد ان يكون بيته للحرية يشرّع لها بواباته، لأنها لا تطيق الأمخال والابواب المرصودة. هناك استمتعت بمشاهدة فيلم وثائقي قصير حول طبيعة الولايات المتحدة الاميركية وتاريخها وروحها وفلسفة الحكم فيها. بهرت بتوَثّب الروح الاميركية ونجاح ذلك الأنموذج الذي ترعرعنا في مدارسنا وجامعاتنا على محبته. فالحرية كانت في اساسه، والانسان يضحي ترابا لولا نفحات الحرية التي فيه. لقد كان الكابيتول كبيرا للغاية وقببه ضخمة ومذهّبة ومذهلة. فالقبب تؤشر الى السماء، الى الحلم، الى عظمة الحلم الاميركي. الّا انّ الكابيتول لم يكن قاعات كبرى حصراً، بل كان ايضا اقبية ودهاليز وغرفا صغيرة. فالسياسة تخرج احيانا من تحت الارض الى الصالات، وما هو تحت الارض في عالمنا يؤسس للكثير ممّا فوقها. اختلطت الدهاليز بالقبب في ذلك المكان، كما في كل مصانع القرار في هذا العالم. دهاليز تشعبت وما شاهدناه منها كان شيئاً قليلاً. فقلت للكابيتول: "اني اعشق قببك وصالاتك يا معبداً اريد له ان يكون للحرية. الا اني اخشى دهاليزك خشيتي من الموت". فأجاب: "انا ما انا. إمّا أن تقبلني بكليّتي او ان ترفضني بكليّتي". فما اجبت، اذ اني على عادتي متردد لا احسن اتخاذ القرارات الا تحت الضغط. نظرت طويلا وعميقا في المعلم الرمز لكرامة تلك الامة وعظمتها، هو الذي تعافى من جروحه وندوبه وأوّلها كان حرقه من قبل الانكليز. وتنفست بعضاً من أهويته، وسألت: "هل يتعافى اهل الشرق يوما من ندوبهم ايضا فيبنون لانفسهم صرحاً من حرية وديموقراطية وتحرر بعد كل هذا الكم من العنف والدماء؟؟". سلمت في الكابيتول على روح اميركا ابنة اوروبا، تلك التي قيل في الاسطورة انها تتحدر من فينيقيا وصور، ومضيت لاكتشاف سائر معالم عاصمة هذا العالم. كانت واشنطن رائعة. تغري كل من يزورها وتستهويه. كانت خمرة عتيقة. كانت عطرا شذيّا. كانت لؤلؤة ولوحة فوّاحة. ومن كرهها بالمطلق فهو لم يدركها حتما ولم يعرف منها شيئا. واشنطن متاحف مجانية رائعة ترسم وهوليوود اجمل الصور عن انماط المعيشة الاميركية وعظمة تلك الحضارة. هي ايضا شوارع عريضة وابنية جميلة. اما قلبها فحديقة مترامية الاطراف واروقة ونصب تذكارية لأناسها. وقفت طويلا امام نصب "ابراهام لنكولن" الذي عشقت سحر كلماته وضياء سيرته، ورحت اردد اجمل ما عشقت من اقواله: "لست مجبرا على الفوز، الا اني مجبر ان اكون نفسي. ليس مكتوبا عليّ النجاح بل مكتوب عليّ ان اعيش في النور الذي فيّ. يتوجب عليّ ان ادافع عن اي شخص يقف مع الحق واتركه لمّا يبتعد عنه"، و"لا تستطيع امة ان تكون حرة اذا ما كان نصفها مستعبدا"، وغيرها من الاقوال. فقوة اميركا كانت في الاسس الاخلاقية التي وضعها هو وامثاله. فلا القوة العسكرية اضافت عليها شيئاً ولا التسلط. رحلت من عنده وانا احمل في قلبي حلاوة اللقاء مع زعيم جعل الاخلاق في صلب السياسة، كي التقي اناساً من بني قومي استوطنوا ارضه. في واشنطن التقيتُ بأناس من قومي ممّن رحلوا اليها طلباً للاستقرار او بحثا عن فرَص افضل وحياة افضل. كانت حياتهم بالفعل هناك اكثر رفاهية واستقرارا، لكن اقلّ نورانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق