الثلاثاء، 25 فبراير 2014

سبع الغاب يفرّ




كان "سبع الغاب" يستفيق في الليل.  وينام في النهار.  يستوطن المنتجعات.  ويقتات لحوم الحيوانات.   فالدم لا يقتات الا دما.  ارخى لغرائزه العنان.  وما كان يسلم من شره احدا.   وكانت نساء "كفرنسيان" تتلافى لقياه، مغبة التحرش بها.  فقد قاطع الثياب الداخلية.   كره الاعمال الجسدية.  وما قدر له ان يطور كفاءآته الفكرية.  فكان ان عاش في الهوان.  مؤخرا، اضحى يكره الشيخوخة التي ما استطاع ان يغلبها.  ف "عزرايل" راح يحوم من حوله.  ويحصد رفاقه الواحد تلو الآخر.  واليوم كان دور "حليحل" رفيق لعب الورق، والبارحة كان دور "كوكو" حبيب النساء بعد "جميل" خفيف الدم.  صار تحديه الاكبر البقاء حيا اكثر من كل رفاقه.  وها هو يتأمل في موكب جنازة "حليحل".   ويلوّح له من بعيد، قائلا: " غلبتك يا "حليحل".  عثر عليك عزرائيل قبلي.  سلّم على الجميع". 

طلب الى كنته توضيب اغراضه وحزم حقائبه لزوم التوجه الى حيّ شعبي في بيروت، كي يزيح من درب "عزرائيل".  غادر منزله بعد ان علّق على الباب  "ليس هو ها هنا.  فرّ الى جهة مجهولة.  ولن يعود".  كتب ما كتب وغادر كي يضلل "عزرائيل" الذي "لن ولن يتمكن في القريب العاجل من العثور عليه في زواريب الاشرفية.  وكل يوم حياة مكسب".  كره الموت الذي يحل ضيفا ثقيلا في شباط على كبار السن في كفرنسيان.  فيقتلعهم.

عاينه "برهوم" يتسلل الى سيارة ابنه "كوكو" ويتخفى في المقاعد الخلفية. 

وغادرت السيارة التي تحمله بخفر "كفرنسيان".  الا انّ الموت بان له في "كفرعميان" المجاورة حيث سمع قرع جرس.  وقد توقفت سيارته لبعض الوقت حتى مرّ المحفل.   اما هو فقد اخفى وجهه وراء الجريدة.   ولم يرد ان ينظر الى التابوت كي لا تقع عيناه في عينيّ من يقبض على نفوس البشر.

وصل بيروت.  ودخل الى منزل الذي كانت نوافذه تطل على نوافذ اخرى.  فحتى  الشمس لا تجد تلك الشقة الغارقة في غمرة بنايات الباطون.  استمتع هناك كثيرا بمراقبة البنات التي  بالكاد تستر اجسادها وتتمايل مع الريح في تلك الطرقات المكتظة والضيقة بانتظار وصول اصدقائها.  وكان ينظر اليهنّ قائلا، ومتحسرا :" لو انّ الشباب يعود يوما.  ايه ما قصروا الا بعد ما قصرّنا.  يسلملي الجمال!!!".  ثمّ راح يبحث عن الشمس ويردد في نفسه، مسرورا: "اذا كانت الشمس تجد صعوبة في اختراق المكان، فكيف يخترقه الموت؟؟".

وما كاد ينتهي من الاستمتاع بكل ذلك حتى سمع انفجارا حطم زجاج الشبابيك.  وللحال عاين عامود النار يطلع من تحت الارض في الخارج، واشلاء راحت تبان على التلفاز الذي وضع قيد العمل في الداخل.  ابلغ انّ شبانا قرروا الموت لزوم قضاء ليلة مع الحوريات.  فصعق من الخبر.  وهو مهووس في الجنس ومعروف بشهيته على النساء.   دخل سريعا الى المنزل الصغير.  اطفأ الضوء.   واختبأ تحت الحرام كهر خائف.  وراح يفتكر في المضي الى السماوات على طريقة الانتحاريين اذا ما كان الجنس هناك مباحا.    لم لا وهو قد فقد جاذبيته وقدراته الجنسية منذ زمن على الارض.  كما انه ما عاد قادرا على التهام العسل الصافي خوفا من السكري الذي يعبد طريق عزرائيل.  وهو ان تعلق بالحياة فعلى امل استعادة الامرين.  فكل شيئ عنده في الحياة كان يتمحور حول الجنس والاطعمة. 

ونام "سبع الغاب" وحلم بانه دخل غرفة نوم امرأة تغطت.  ولمّ خلع ثيابه ودخل الى سريرها.  اكتشف انّ طريدته كانت رجلا.  فهجّ هاربا بعريه الى الشارع.  حيث رأى الجميع عريه.  وصاروا يتهامسون.  شعر سبع الغاب بالخجل حتى انّ شواربه التي عصت الجاذبية قبلا، عادت فخضعت لقوانينها.  استفاق من نومه وراح يركض في الشقة الصغيرة حتى سقط من شرفتها ومات.

اعيد "سبع الغاب" الى كفرنسيان جثة هامدة.  وقد تبين لهم انّ السبع ما كان الا هرا هرب من كفرنسيان كي يموت في ارض غريبة.  

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق