الخميس، 24 سبتمبر 2009

"بذور التغيير" لمازن عبود يتجاوز الخيبات

-جريدة النهار-الخميس 24 أيلول 2009 - السنة 77 - العدد 23824
قلما قرأت عملا مبتكرا وشجاعا بقدر الجرأة والشفافية في كتاب "بذور التغيير" للزميل مازن عبود الذي يحوي قدرا وافيا من المعطيات الجديدة المخزية والمحبطة حينا والايجابية احيانا اخرى! "بذور التغيير" هو ايضا جردة حساب لمجموعة اشخاص مثلوا جمعياتهم في سلسلة نضالات في سبيل التغيير المنشود، عبر عملهم المتواصل لخلق كتل ضغط تكون بمثابة نواة رأي عام حقيقي في شمال لبنان او بزور تغيير حقيقية لاعادة تشكيل مجتمع مدني لبناني حقيقي بعدما دمرت طلائعه حروبنا الاهلية الصغيرة وما تبعها من هيمنة لامراء الحرب واجهزة الامن والفساد والوصاية. احداث العمل تقع في فترة ما بعد وصول الرئيس اميل لحود الى سدة الحكم في لبنان. انها جردة آمال واخفاقات قادها الكاتب مع زملائه. والعمل الذي هو على مستويات عدة يمثل عطش كاتبه الزميل عبود ورفاقه الى التغيير الهاديء، دون استنفار طبول الحرب وهو بالانكليزية مقدم له كل من مدير معهد الاعلام العالمي دايفيد داج ومدير عام المعهد العالي للاعمال ستيفان اتالي. والكاتب لا يكتفي بسرد الاخفاقات والنجاحات المحدودة للتجربة، التي اريد لها ان تكون رائدة في مجال الجمعيات في شمال لبنان، بل يتخطى الى التحليل فيربط الخاص بالعام، والمحلي بالوطني، والوطني بالاقليمي بالدولي باقتضاب. كما يعطي عبود ثمرة خبرته ورفاقه في استثماره التطورات واستيعابه ايجابا للازمات والضغوط الناتجة من النظامين الزبائني والامني، وذلك من خلال تسخير بعض عناصر تلك المعادلات لخلق توازن يبقي المشروع حيا. فالعمل قصة تحد صامت وبارد وشرس مع نظام لا يهزم، يحكم لبنان منذ زمن. وكل ذلك في لغة سهلة وراقية تتأرجح ما بين الرمزية والايمائية، الى الوضوح والصراحة والعلمية. والكاتب يعطي القارىء القدر اللازم من الحقائق والصور ويكتفي بالقدر الاخرة، ربما لاسباب امنية او لأن زمان قول كل المعطيات لم يحن بعد.
دادج واتالي
يقول مدير معهد الاعلام العالمي (International Press Institute) دايفيد دادج: "ان كتاب "بذور التغيير" لعبود يعالج باتقان موضوعات مهمة في المجتمع المدني في لبنان وفي اماكن اخرى، قطاعات كان عليها التأقلم مع مرحلة بغاية الصعوبة والدقة والخطورة. وان ما جرى ويجري في لبنان من ازمات وعواصف سياسية يعيد طرح موضوع تكوين مجتمع مدني قوي ومسؤول في البلاد. والكتاب يسلط الضوء على ضرورة تعزيز التواصل والتعاون ما بين مختلف مكونات المجتمع لتحديد اهداف مشتركة، وبخاصة في مجالات السياسات الخضراء".اما ستيفان اتالي – مدير عام المعهد العالي للاعمال (ESA) في بيروت، فيقول ان "العمل مبتكر وكان معدا اصلا كي يكون اطروحة عبود في برنامج الماستر التطبيقية في الادارة والاعمال (EMBA) في (ESA)، وقد عدل وطور كي يتلاءم مع المقتضيات العامة". كما يصف اتالي الكتاب بأنه غير كلاسيكي البتة (بالمعنى الاكاديمي) لا بل انه ثوري ويعبر عن مرحلة عاشها شخصيا في لبنان. ويعتبر ان ميزة نتاج عبود الاساسية انه "مبتكر، ولا وجود لمراجع غنية في هذا المضمار في لبنان، وهو جريء لان الاستحصال على المعطيات اللازمة لصنعه كانت شبه مستحيلة في حقبة زمنية محدودة وحرجة على الصعيد الامني والسياسي وامكانيات مالية شحيحة (2006 – 2007). وبالفعل ارتكز العمل الى حد بعيد على قدرة الكاتب على الربط بين المعطيات المتوافرة وخبرته الشخصية، مع علوم الاستراتيجيا والادارة والاقتصاد والتمويل المطعمة بمواد اجتماعية وسياسية حول الوضع اللبناني.
الكتاب
يلفتك في الكتاب بداية، تصميمه الفني الانيق وحجمه المدروس المعد من شركة Element C2 وتأخذك صورة الغلاف التي تختزل روحية العمل، المكتوب بانكليزية سهلة ومشغولة وراقية، الى عوالم الكاتب. فتراك تنسحر بيدي الفلاح السحرية الحاوية لبذور التغيير. يدان تمخران في عباب السواد وتمسكان بالبذور بحرص ومحبة. ثم ترى على صفحة الغلاف الخلفية اسماء الجهتين الممولتين للعمل وهما سوكلين للطباعة وفرنسا بنك للتصميم، وهو في 100 صفحة من الحجم الوسط على ورق انيق ومصقول، وغني بالرسوم والبيانات العلمية، ويتناول تحديدا تأثيرات المرحلة الممتدة ما بين الاعوام 2002 حتى 2007 على افراد المجتمع المدني من الجمعيات. ويصف اساليب مواجهتها وتفاعلها مع الازمات بعدسة اتحاد الجمعيات الشمالية للتنمية والبيئة والتراث الذي كان قد بدأ الكاتب تأسيسه مع زملاء من نهاية عام 2000.
في البعد الرمزي
الاسلوب المتبع في الكتاب يجمع ما بين الرمزية حينا والعلمية احيانا اخرى وذلك في اطار قصصي وتلفتك نعومة في الانتقال من الخاص الى العام، ومن الادبي الفني الى العلمي الواضح. اما الرمزية فاسلوب عودنا عليه عبود لتوليد الخيال عند القارىء ونشعر كأنه مستعار من الكتاب المقدس على غرار "النبي" لجبران خليل جبران فالزارع مثلا في "بذور التغيير" هو كل انسان يؤمن بمشروع تغيري، ولا ينفك يحاول الزرع في ارض جدباء، ارض لبنان والشرق الاوسط الا انه زارع يتمرمر في كل مرة يضيع مجهوده وتحبط محاولاته ولا يستسلم.ويختتم عبود كتابه كما بدأه بالاسلوب الرمزي. الا ان الزارع عنده ليس من ابطال هوليوود المنتصرين، بل انسان لم يحصل على مبتغاه، ببعض أمل كي يكمل المسيرة، على غرار الوزير فؤاد بطرس متشائم لكنه غير مستسلم اليأس.
في البعد العلمي
وفي المضامين العلمية يبدأ الكتاب بوصف المناخ اللبناني واوضاع المجتمع المدني وحيثيات وطرق تكوين اتحاد الجمعيات. ثم ينتقل الى تحديد اخطار تدهور وفرص تطور المشروع، قبل ان ينقل آلية تفاعل اتحاد الجمعيات الشمالية مع تهديدات المرحلة الاخيرة الخارجية، ولا يغفل تحليل وضع مشروعه عبر عرض نقاط القوة والضعف، واساليب الادارة المتبعة والثقافة التي تكونت. وينتقل بنعومة الى درس تأثيرات الظروف الخارجية في المكونات الداخلية. ويبدو تأثير بول كينغستون (الاكاديمي الكندي) حاضرا في عمل عبود من خلال دراسة عن الزبائنية والمجتمع الاخضر في لبنان يعود اليها الكاتب في بعض المحطات الاساسية وينهي بجردة اللاخفاقات والانجازات والاسباب، كما باقتراحات عملية لتطوير التجربة في سبيل تكوين نواة لمجتمع مدني لبناني سليم ومعافى.
بيار عطاالله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق