الاثنين، 5 أكتوبر 2009

القدس والأديان وعودة الديّان في المعتقدات الشعبية





الاثنين 05 تشرين الأول 2009 - السنة 77 - العدد 23835
القدس والأديان وعودة الديّان في المعتقدات الشعبيةإعادة بناء الهيكل الثالث تؤدي إلى توحيد المسلمينوإلى استرجاع المدينة المقدسة من اليهود
"في الاسلام، كما في اليهودية والمسيحية، ثمة عناصر تختص بالصراع الكوني ونهاية العالم، كظهور "غوغ" و"ماغوغ" ومجيء المسيح الدجّال وحرب "ارماغيدون" عند بعض المسيحيين مثلا، وعودة الامام المنتظر لدى الشيعة وانتصار قوى الخير على قوى الشر... ان السيد احمدي نجاد واتباعه يعتبرون انّ هذا الوقت قد حان اليوم وأنّ الصراع الاخير، قد بدأ...".
برنارد لويس، و"ول ستريت جورنال"، في 8-8-2006.

ان احد اهم اوجه الصراع في الشرق الاوسط، هو ديني. ولطالما اعتبر المفكر الراحل شارل مالك أنّ مشكلة الشرق الاوسط هي في تعدد الاقليات الدينية في منطقة محصورة جغرافيا. ويبقى لبّ القضية الاساس في العالم، حكم القدس التي يتصارع عليها آلهة الاديان السماوية الثلاثة. الا انّ القدس ما كانت يوما معزولة عن محيطها، فثمة خيوط رمزية وصلتها ببابل وبعض مدائن بلاد ما بين النهرين مثلا. وانّ ما يدور اليوم في المنطقة على صعيد عدد من الملفات كالملف النووي الايراني الى حركات المقاومة وازدياد تأثيرات حركات التطرف الدينية في معظم دول القرار الاقليمية والعالمية والتغيرات المناخية، يعيد خلط الاوراق، ويجعلنا نقرأ بتمعن اكثر بعض النظريات والنبؤآت حول اشارات نهاية العالم، التي بدأت تتصدر اهتمامات معظم الغربيين والشرقيين على حد سواء الى حد بعيد.
في لا وعي "فوتين"
"انّ ايقونة سيدة البوابة بدأت تهمّ بترك الجبل المقدس في آثوس، لقد ظهر عليّ يوسف الهدوئي(1) مبلغا اياي بذلك... ألا فتحضروا يا بني دمي، فثمة اشارات حول بداية نهاية العالم. نعم وضبوا ما خفّ وما لزم من اغراضكم لحملها الى مغارة الصناديق وامكثوا هناك عندما تسمعون بظهور المسيح الدجّال ونبيّه الكذّاب بعد استرجاع القدس! لن تمكث القدس طويلا تحت حكم اليهود الذين تحدّوا حكم الديان. وسيكون بناء الهيكل مجددا وهدم الجامع الاقصى في اورشليم بداية نهايتهم التي اضحت على الابواب، اذ انّ المسلمين سيتّحدون تحت راية قائد يسترجع كل الارض. ومن ثمّ فانهم سيحتلون روما-المدينة ذات التلال السبع والمتوسط وغالبية اوروبا، وسيتدخل الجيش الاصفر كثيرا في مصائرنا. ثمّ يكون ظهور للنبي الكذّاب ومسيحه الدجّال قبل عودة الديان كي يدين العالم بمجد عظيم". كانت تلك كلمات "فوتين" قبيل رحيلها، والعمر بالنسبة اليها كان صيفا هنديا يمضي سريعا ويؤدي الى الخريف، الذي يطول اكثر وصولاً الى الشتاء.
في مغارة الصناديق
ومغارة الصناديق هذه كانت سردابا كبيرا، وهي صنعت كي يفرّ اليها اهل المحلة من بيوتهم عند الحاجة، حاملين صناديقهم التي كانت تحوي مدخراتهم النفيسة، لذا اتخذت تلك التسمية. وبالفعل يروي الاسلاف انّ محلتهم نهبت وحرقت سبع مرات. هذا وقد اضحت المغارة مع حلول ايامنا لغزا او جزءا من اسطورة تواري قوم لتجنب الغزاة. وكان للمغارة مداخل سرية، اضحت مجهولة اليوم. ويقال أنك اذا ما اشعلت نارا في احدى تلك المنافذ بان الدخان من قمة الجبل حيث قلعة الحصن.
في ايقونة سيدة البوابة
وايقونة سيدة البوابة، هي رسم لمريم العذراء، رمي به في البحر ابان حرب الايقونات التي اندلعت في القسطنطينية ابتداء من القرن الثامن. ومن المعروف انّ الايقونة المذكورة طافت على وجه المياه المالحة مجتازة المسافات كي تصل الى جبل آثوس(2) حيث اظهرت نفسها لرهبان دير ايفرون التاريخي الذين انتشلوها من الشاطئ. ومكثت تلك الايقونة على بوابة ذلك الدير لغاية هذا التاريخ. وهي تعتبر اليوم من اهم كنوز الجبل المقدس-المسكوني الطابع لدى الطوائف الارثوذكسية. هذا ويقول آباء الجبل هناك انّ رحيل تلك الايقونة التي اتت بنفسها اليه سيكون اول مؤشر الى نهاية العالم.
نبوءات نوستراداموس والتراث الديني
غابت "فوتين"(3) منذ عقد ونصف العقد حتى انّ ذكّرها غاب عن فمي لغاية يوم القدس لهذا العام(4)، حيث رحت استمع بتأنٍ الى كلمة السيد حسن نصر الله، الامين العام لـ"حزب الله"، التي بثتها معظم شاشات التلفزة اللبنانية والعربية. وقد قال قائد "حزب الله"، حرفيا ما يأتي: "نحن أيها الناس خير أمة أخرجت للناس، ليس بالعنصر ولا بالدم بل لأننا أمة الجهاد وعمل الخير... اول ما نستحضر في يوم القدس المسجد الاقصى، الذي يتعرض لاخطار محدقة به ويحتاج لمساعدة من الأمة، والحفر تحت المسجد الاقصى تم الـتأكد منه، وقد نستيقظ في يوم من الايام من الايام وقد إنهار المسجد الاقصى. مَن مِن المسلمين قد يتحمل هذا الامر وأية أمة وهي تنام ومسرى نبيها وقبلتها الاولى معرضة للتدمير والانخساف في اي لحظة؟ الا يستحق هذا الامر ان يجتمع علماء المسلمين وان يأخذوا موقفا واضحا ويوجهوا كلامهم للحكام والشعوب والجيوش ويقولوا للصهاينة: "انّ المس بالمسجد الاقصى سيؤدي لحوادث وردات فعل لا يمكن توقعها على الاطلاق، وسيخرج عن اي حسابات محلية واقليمية ويجب ان يسمعوا كلاما واضحا كي يوقفوا ظلمهم..."".طنّت كلمات السيد، الذي لامس حدود الاسطورة لدى محازبيه، في اذنيّ، وفعلت فعلها. فاستخرجت من ذاكرتي معتقدات يتكلم عنها بعض قيادات الاديان الثلاثة (اليهود والمسيحيون والمسلمون)، ومفادها انّ اعادة بناء الهيكل الثالث ستؤدي الى توحيد المسلمين خلف زعيم يسترجع القدس من اليهود. وسيقع عندها الشرق تحت سطوة التطرف. كما ذكرت ما فسّر لي عمّا قاله الاسقف ملاخي(5) حول البابوات وروما، فشعرت حقا أنّ البابا الحالي سيكون البابا ما قبل الاخير الذي ستسقط في عهده روما وتنتهي سلالة بابوات الكنيسة. كما شعرت بقرب ظهور النبي الكذّاب والمسيح الدجّال اللذين يسبقان حضور الديّان الذي سيأتي بمجد عظيم كي يدين المسكونة.هذا ولم يأت خطاب السيد حسن نصر الله من فراغ، بل اني اعتقد انه وليد تراث شيعي قديم يشير الى قرب عودة المهدي المنتظر، في ضوء المعلومات المتوافرة اليوم انّ فريقا من اليهود المتطرفين ينوي هدم الجامع الاقصى لبناء الهيكل الثالث الذي اضحت خرائطه وحتى مواده جاهزة للتنفيذ. وما الكلام على النصر الذي حققه الحزب في حرب تموز ووصفه بالالهي غير جزء يسير من هذا الارث، حتى انّ كثيرين من مقاتلي المقاومة الاسلامية نقلوا لاهلهم واصحابهم قصصا عن تدخل الملائكة في تلك المعركة التي شهدت للنصر شبه الوحيد الذي حققه العرب في تاريخ نضالهم ضد اسرائيل منذ ولادتها. وخلال استماعي لخطاب ذلك القائد الشيعي، ومض في مخيلتي حدث اختراق آرييل شارون(6) حرم المسجد الاقصى لوضع حجر الاساس لبناء الهيكل، مما اثار وقتها الانتفاضة الثالثة المسلحة في الاراضي المحتلة، التي افضت الى سيطرة "حماس" على غزة وجزء لا يستهان به من القرار الفلسطيني. خطاب راح يمتزج مع ما قد وصلني من نبوءات "نوستراداموس"(7) التي اعتقد أنّ جزءا منها قد تحقق، كحوادث الحادي عشر من ايلول 2001 والحربين العالميتين الكبيرتين وغيرها...بعدها رحت اتأمل في شق التوقعات المرتقبة، وخصوصاً في ما يتعلق بانصهار قبائل المشرق تحت امرة عمامة واحدة تعلن يوم الخميس يومها، فتزحف نحو بيت المقدس وتسترجعه، وتحتل شواطئ المتوسط وصولا الى حوضه الشمالي. ثمّ بان لي الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، يتشاور مع بعض فرق المسيحيين الجدد، بغية استعجال عودة المسيح المنتظر عبر بناء الهيكل الثالث والتحضر لمعركة" ارماغادون" المتوقع نشوبها في بلاد ما بين النهرين. لقد اختلط كل ذلك، وبعد حين، بصوت الرئيس الايراني احمدي نجاد وصوته، مبشراً بقرب صنع القنبلة النووية ومحو اسرائيل من الوجود.
***
خفق قلبي خوفا من تلك الرؤية، اذ شعرت انّ نهاية الازمنة قد اضحت على الابواب. الا انّي عدت فسمعت بولس الرسول، يهمس في اذني "اما الازمنة والاوقات فلا حاجة لكم ايها الاخوة ان اكتب اليكم عنها... انّ يوم الرب يأتي كلص هكذا يجيء. لانه حينما يقولون سلام و امان حينئذ يفاجهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى، فلا ينجون. اما انتم فلستم في ظلمة كي يدرككم ذلك اليوم، كلص. فجميعكم ابناء نور وابناء نهار، ولسنا من ليل او ظلمة..."(8)، فاستكنت. استكنت والخوف لم يتركني، اذ اني مازلت غير مطمئن الى قادة يمزجون التراث الديني بالممارسات السياسية بطريقة عشوائية لا تخدم الا اهل الظلام. وحسبي انّ الدين لا يفسر الا في خدمة السلم والانسان والبشرية حصرا، وكل ما يخرج عن ذلك فمحال. حسبي انّ الله محبة، وهو روح الكون، وأنه لن يعمل ضدّ انظمته!!!ثمّ انّ الشر لا يقاوم بشر، كما كانت تقول "فوتين"، حتى لا يتحول عالمنا جنة شياطين. وما استثمار الولايات المتحدة الاميركية في انبات بذور التطرف النائمة في كل من ايران والسعودية وافغانستان، بغية مقاومة المد الشيوعي ابان الحرب الباردة، الا المثال الحي على ذلك. فالمنظومة الشيوعية سرعان ما سقطت، انما لحساب ظاهرة اكثر خطرا وفتكا وتطرفا. ظاهرة بدأت تأكل راعيها القديم كما كل عناصر الحياة في كل مكان من العالم، زارعة حضارة العنف والموت والدماء.الهوامش(1) راهب يعتبر قديسا عند الارثوذكس من جبل آثوس، وقد توفي في بدايات المقلب الثاني من القرن العشرين.(2) جبل مقدس لدى الطوائف الارثوذكسية وهو يأتي على شكل اصبع (شبه جزيرة) في بحر ايجه في اليونان.(3) اسم فوتين هو يوناني الاصل ومعناه المستنيرة.(4) وهو يقع في آخر أسبوع من شهر رمضان(5) هو اسقف ايرلندا في القرن الثاني عشر وقد تنبأ عن البابوات الذين سيتعاقبون على كرسي بطرس.(6) قائد عسكري وسياسي اسرائيلي سابق.(7) نوستراداموس ولد في فرنسا في القرن السادس عشر وقد تنبأ حول مستقبل البشرية ونهايتها.(8) رسالة بولس الرسول الى اهل تسالونيكي الاولى، الاصحاح الخامس، من الآية الاولى حتى الآية السابعة.
مازن عبود

.........................................................................................................................................................................................جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق