الاثنين، 9 أغسطس 2010

الارث وفيروز والرحابنة الجدد

http://www.aldiyaronline.com/articleDetails.php?menu=article&artId=26870
آب 2010 | العدد 7746

الارث وفيروز والرحابنة الجدد



تفاعلي النغمي الاول بالعالم كان ب«تكتك يا ام سليمان»، التي هي من غناء فيروز عبر اثير اذاعة لبنان،
وترعرعت على: «امرا، يا امرا..»، الى أن رسخت الجمهورية في كياني صوتا فيروزيا بنغم وكلمات رحبانية. فصارت رجعة عسكر فخر الدين واسطورته لا تفارق عالمي. تعلمت بفيروز تاريخ بلدي فعشقته صورة ولحنا. لما لا، وقد صار معها ايقونة شعبية وانشودة لا تنفك تفارقني يوما. ان صوت فيروز هو جمهورية لبنان المرتجاة. جمهورية قروية من جبل لبنان تسكنها «ستي الختيارة» والشاويش برعاية ا لقمر ودعم العين وفي كنف الارض..
ولما كبرت، نقمت على فيروز والرحابنة اذ اكتشفت ان لبنان كان مختلفاً. فقد كان واقعياً «فيلما اميركيا طويلاً» و«سهرية»..
نشأت على تراث الرحابنة المتجسد في صوت وطلة فيروز. وتغذيت موسيقاهم طعاما للروح ومهدئاً للخواطر في ايام العواصف.
وما زلت منجذبا الى تلك السيدة الغريبة بالاقماص النافرة، التي لا تقابل الناس، والتي تسكن خلف حوائط الاسطورة. وما زلت اتتبع اخبارها..
تربيت على عشقها، وقد كانت الامل بالنسبة لي ولجماعتي في زمن الحروب. نعم، كانت رمزا من رموز لبنان الذي لا ينكسر. فقد بانت سيدة لبنان الغريبة على المسارح العالمية كـ«البيرت هول»، عندما غرقت فتافيت البلد في الحروب الصغيرة، تغني لبنان انشودة ابدية لا تنهزم. لقد كانت القمقم الذي حوى روح البلد وهويته وآمال اناسه الطيبين.
الا انها كانت واجهة لما هو ابعد من الصوت والطلة، كانت جسد الاخوين رحباني الذي يتكشف عن هويتهم الروحية.
واني ما حزنت، في طفولتي، على رجل قدر ما حزنت على غياب اول اركان الرحابنة (الأب عاصي الرحباني). واستمر بعده منصور في المسيرة، بما توفر له من امل والهام ومقدرات الى أن غاب مؤخرا.
اشعر اليوم، مع كل ما اسمع، بالخسارة على الرمز. فأقشعر، اذ اقارن ما يجري بقضم الماعز البربري لارزة علم لبنان. طبعا، اني لا اريد ان اجرح كبرياء احدا او ان اتهم احدا بشيء، الا ان هذا ما يشعر به كل جاهل لملف الخلاف الرحباني - الرحباني على شاكلتي...
اشعر ان جسد الاخوين رحباني يتشوه، وقبورهم تفتح، وذكراهم تداس، بفعل خلافات صغيرة من هنا وهناك.
اشعر ان ذاكرتي تنتهك وارث اجدادي قد اضحى للبيع. كما اخشى ان يكون ما نشهده استكمالا لازالة القيم المؤسسة للبلد الذي عرفناه.
اخشى ان يكون لبنان القديم قد انطوى، وها ان اخر رموزه تتداعى وتتهاوى. لذا، فاني استميت بالدفاع عن فيروز - الرمز الرحباني مخافتي على بلدي وهويتي وذاكرتي. يا لبنان الاخضر والقديم والجميل والحبيب لا اريدك ان تذهب لحساب هذا اللبنان الذي اكرهه. واني اكره لبنان التلوث الفكري والسياسي والبيئي...
وبالمناسبة ادعو حارس الدستور ان يأخذ مهمة اصلاح الرمز على عاتقه كي تحفظ الصورة، ولا تنكسر معنويات الكثيرين...
اشعر بالاسف حيال ارتكابات ذرية صانعي لبنان الحقيقي، لانهم يضعون الربحية المالية فوق القيمة المعنوية لارث آبائهم العظيم، غير عابئين بالناس. فمن غير المسموح لجسد الرحابنة ان يتشوه ولفيروز ان تصمت. فصمتها رغما عنها هو سجن للروح التي فيها وللرموز التي تمثل. وان الصمت في غير مكانه رذيلة.
ايا ورثة العملاقين لا تهدموا ما لم يعد لكم، حتى لو اعطي لكم وضعيا!!!
الا فاعلموا ان النغم طليق!! واعرفوا ان الله حر في ان يغدق من روحه على من يشاء!! فلا تختلفوا على مواهب الروح التي لآبائكم. ولا تتفاخروا كثيراً بما ليس لكم حتى لو اعطي اليكم بقانون وضعي!! الا فاتسعوا الى حدود الدنيا، كي تنالوا من روح الكون، المواهب التي كانت لآبائكم!! اجعلوا القيمة تطغى على الثمن، فيقال عنكم حينها انكم عن حق فرع، من ذلك الاصل الروحي!! فالتحدي الكبير هو ان تثبتوا انكم فرعا من ذلك الاصل روحيا وليس ماديا فقط. فالمادة هي من لحم ودم، وهي الى تراب. اما الروح فتحيي وهي برسم الخلود.

مازن عبود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق