الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

في موسم الصيام والجردة لدى المسيحيين

في موسم الصيام والجردة لدى المسيحيين

الديار 15/03/2010

بمناسبة تفجير كاتدرائية سيدة الخلاص في بغداد في 1-11-2010استرجع مقالة كانت قد نشرتها لي جريدة الديار


»مما لا شك فيه ان نهاية التاريخ ستكون حزينة حتماً.
فالنضال للتحرر، او رغبة فرد ما بالتضحية بنفسه في سبيل قضية...
كما سائر الصراعات الفكرية التي تتجلى في أحسن أشكالها في الإقدام والشجاعة والخيال والمثالية ستستبدل لصالح الحسابات الاقتصادية».
فرنسيس يوكوهاما في ورقة «نهاية التاريخ والانسان الأخير»


وكان ان اتى عيد مار مارون أولاً، فسبق مراسم بداية الصوم.
والصوم يبدأ عادة عند الموارنة بالرماد الذي يكلل الهامات، اي باستذكار ان «الانسان تراب هو والى التراب يعود».


هذا وعند حلول كل صوم يدعو الأحبار وكهنتهم الشعب الى التوبة والإنسحاق.
ومن شروط التوبة العودة الى النفس ومراجعتها لتحديد مكامن الخلل والترهّل بغية استعادة الصورة الأساس التي أضحت مفقودة.


وبمناسبة بدء هذا الموسم سأحاول دراسة أسباب تراجع أدوار المسيحيين في أرضهم.
اضمحلال القيم المؤسسة للأدوار
اني أعتقد ان أدوار مسيحيي لبنان عموماً، والموارنة خصوصاً، قد تراجعت بفعل اصابتها بالوهن المتسرّب من غمار الحضارة الغربية التي تشربوها وعرّبوها كي تكون في متناول محيطهم العربي والاسلامي!!!


ان الوهن الذي أصابنا كمجموعات روحية في هذا الشرق ناتج عن عدم التزامنا بما بشّرنا به من مبادئ تحررية على شاكلة: الديموقراطية (المحاسبة والمساءلة) وتحفيز الأكفأ والبرغماتية وثقافة السلام وحكم القانون والتربية السليمة لحساب الزبائنية والاقطاعية والعنف والقبلية!!!


أخشى ان نكون قد غرقنا كثيراً في فرديتنا الى حدود العمى، الذي هو النظر الى كل المتغيرات من منظار «الأنا الجماعية» المنتفخة والمريضة.

نعم، أخشى ان نكون قد اختزلنا ارثنا الحضاري بـ«الكبّي والتبّولي والحمص».
وبالمناسبة اسأل ما اذا كانت مشاركتنا في السلطة وحكوماتها هي ضمانة لاستمرارنا في هذا المشرق والبلد أم تهديد لهذا الوجود؟

جلّ ما أعرفه اننا بدأنا نضمحل عندما تخلينا عن رسالتنا (الخدمة، المحبة، نشر مبادئ الثقافة الغربية) لحساب الربحية الاقتصادية المباشرة.
بدأت أدوار المسيحيين تتراجع عندما تخلى الناس عن الفلاحة والقناعة لحساب الطمع والتجارة.

بدأت جماعتنا تتقهقر لما فقدنا ثقتنا بأديارنا ورؤساء كهنتنا.
فما عدنا نعول على بركتهم.

وان في هذا حق على الرهبان والاكليروس كما على العلمانيين.
بدأت مجتمعاتنا المسيحية في لبنان تضمحل لما رغبت كنائسنا بالعمل على تعزيز مؤسساتها الربحية، فضعفت الروحانية لحساب الربحية.

وصارت ديمومة المؤسسات واستمرارها الأولوية الكبرى لدى مالكيها من رجال الدين.
وانغمس بعض قادتنا الروحيين في خضمّ اللعبة السياسية حتى الفناء، من حيث لا يدري.

حوّلهم بعض تجار الطوائف المتجسّدين في أقمطة خراف، الى متاريس لهم.
فجعلوهم بذلك ساسة وليس قادة تزود عن المبادئ الاخلاقية والروحية المكوّنة لحضارة جماعتهم في هذا الشرق.

لقد بدأت الحضارة الغربية تنحسر لحساب الحضارة الآسيوية (الصين تحديدا)، لما تبنّت الصين الأفكار المؤسسة للحضارة الغربية.

ونحن بدأنا نتراجع لحساب الآخر، لأنه مستعد للإستماتة من أجل مبادئه.
تغرّبنا (أضحينا غربيين) بشكل مرضي الى حدّ بعيد، فتناسينا تاريخنا في هذا الشرق، ولم يبقَ عندنا من الحضارة الغربية الا القليل من قيم تلك الحضارة والكثير من وهنها.

أحزن جداً عندما يختزل البعض قديسي بلدي بثلاثة متناسين بذلك ان لبلدنا اكثر من خمسة وثلاثين قديساً في العصور الأولى للمسيحية.

لست أعرف اذا ما كان البعض يدري ان صور وحدها هي موطن لأكثر من ثمانية قديسين، وقد غابت اسماءهم وصورهم عن كنائسها؟؟ كما ان بعلبك هي ايضاً موطن لسبعة منهم.

هذا وقد فتشت طويلاً في جبيل عن مزار صغير للقديسة اكلينا الجبيلية، فلم أجد.
هذا وقد غصّت مدينة اكلينا بمزارات لقديسين غربيين.

وعندها أدركت لما اننا نتناقص في هذا الشرق.
نتناقص اذ لا محلّ لجماعة تتجاهل تاريخها وشهدائها وقديسيها بهذا القدر!!!
لقد سقطت القسطنطينية بيد الأتراك العثمانيين لمّا قرف قومها من الدفاع عن الحرية، وخوفي اليوم على قوم مارون وأخوتهم ان يسقطوا اذا ما قرفوا من الدفاع عن القيم الصانعة
لتمايزهم في لبنان والمشرق.

خسارة المعركة
أخشى اننا بدأنا نخسر المعركة امام التطرّف والعنف والارهاب.
بدأنا نخسر معركة وجودنا لأننا بمعظمنا قد أضحينا «مكرنتليين».

والمركنتليون عموماً يخسرون معاركهم مع المتمسكين بعقائدهم حتى الشهادة (بغضّ النظر عن مدى صوابية تلك العقائد)، اذ ان الحسابات الاقتصادية (التجارة) لا يمكن ان تغلب الشهادة.
ان الخطر الأكبر الذي يفتك بالمجتمعات المسيحية في لبنان اليوم ليس سطوة الآخر وتفوّقه السكاني، انما المادية التي تضرب الحضارة الغربية الى حدّ الموت.

بدأت حضارتنا تضمحل ووجودنا يتراجع لما وضعنا زعمائنا في مصاف الالهة، فأهملنا مبادئ المحاسبة والمساءلة والشفافية واستبدلنا «دستور الايمان» بدستور الولاء للزعيم خوفاً من المجهول والذي يتلوه الناس عادة في مجالسهم على النحو التالي: «أؤمن بزعيم واحد، ضابط الكل، خالق ومالك كل شيء، عارف بكل ما يرى ولا يرى، لا يخطىء ولا يستكين ولا يملّ، محبّ ومخلص لجماعته.
فبفضله تشرق الشمس وينهمر المطر.
زعيم ارتضى بمحبته ان يقودنا نحن العبيد الحقيرين...
واني ايضاً أؤمن بقدراته الفائقة ومحبته لي وصدقه ووطنيته التي لا توصف...».

آمل ان يكون حلول موسم الصيام مناسبة للبدء في تغيير انماط تفكيرنا.

لقد أضحى مطلوباً اليوم ان نرجع الى قيمنا والى قرانا وأرضنا، كي نكون شهوداً للحق والنور في هذا الشرق، حيث أراد الله لنا ان نكون.

ولنبدأ بمحاربة «انفلونزا المركنتيلية» في ذواتنا، كما محبة السلطة حتى لا تستحيل مناعة مجتمعاتنا الداخلية ضرباً من ضروب الخيال.


ولنحتاط من الكثير من زعمائنا ممن يتّقنون تجارة الوعود والآمال الساقطة والرهانات الخاطئة.
وليدرك الكثير من احبارنا بأنه، اذا ما رحل الشعب بفعل جهالاتهم، ذابت الكنيسة واستحال كهنوتهم ثقلاً كبيراً عليهم.


مازن عبود
كاتب - عضو معهد الصحافة العالمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق