الاثنين، 20 ديسمبر 2010

عيد عمانوئيل وصبي


عيد عمانوئيل وصبي
بقلم مازن عبّود

النهار في 19-12-2010
لقد كان الميلاد ايضا عيد "عمانوئيل"، بحسب خوري محلته "يوئيل" الشيخ الذي ظنّ الاولاد انه هو من ادخل يسوع الى الهيكل، ومن ثمّ رحل عن دنيانا في خضم تلك السنة العاصفة والمثلجة من ذلك العقد.
الا انّ الصبي حينها ما استطاع ان يميّز ما بين "عمانوئيل" و"عزرائيل" الذي كان جده يخشاه. فكان ان حمل تسمية الكاهن الجديدة للعيد ممسوخة (عيد عزرائيل) الى جده الذي سرعان ما اغتاظ، فراح يصرخ ناعتا الصبي بالكافر، وحرمه من منحه المالية لتلك الفترة.

كما اعتبر الجد أنّ تأثير الحركات اليسارية قد بدأت تطال عقول الصغار، فكان ان ثار على الشيطان واتباعه، وبخاصة "يعقوب المندوب" والشبيبة المجانين اتباعه من اصحاب النظريات الماركسية.
بكى الصبي من هيجان الجد، وزرف دموعا حارة ليلتها. كيف لا وقد ضاع عليه رضى من يمسك بيده المصادر المالية.
لم يستطع ان يدرك ليلتها، لما تصرف جده الهادئ معه بتلك القساوة. فكان ان ابلغته جدته صبيحة اليوم التالي، مغزى ما قال.
فعلم عندها انّ عمانوئيل الذي يتكلم عنه الكاهن الكهل هو يسوع الملاك الاتي الينا. اما عزرائيل الذي ابلغ عنه جده خطئا، هو الملاك الساقط الذي يقبض على الارواح. والجد كان خائفا من الموت.
فكان ان لعن الصبي سرا الاجداد والعربية واليونانية والارامية واللاهوت وكلام الكهنة الكهلة.
وراح يتحسر على المال الفائت جراء جهله لقواعد اللاهوت والكتب المقدسة.
وعوضا عن ذلك، فاضت عليه جدته ايفا (حواء) بالكثير من قصصها حول عمانوئيل والانبياء والميلاد. فكان ان اعجب بقصة "دانيال النبي وحلم ملك بابل نبوخذ نصر"، حيث انّ الملك ادرك في الحلم انّ صخرا نزل من جبل، ودمّر التمثال الواحد الذي كان ينظر اليه الملك نبوخذ نصر ويتعبّد له اهل بابل وقتها.

وسرّ جدا لمّا عرف انّ النبي دانيال فسّر للملك انّ الصخر غير المقطوع من الجبل يرمز لعمانوئيل (الله معنا) اي ربّه- طفل الميلاد الذي سيدمّر الوثنية كعصافة بيدر تحملها الريح، ويقلعها من جذورها.

فرح لمّا عرف ان الربّ ابلغ نبوخذ نصّر الملك عن نشؤ مملكته التي تثبت الى الابد، والتي تقضي للفقير والمظلوم والمعوز. الا انه فضّل لو انّ ذلك الصخر قد غمر المكان من دون ان يدمّر التمثال، الذي لو ابقي عليه لكان سلوة جيدة للاولاد، وبخاصة ان بعضه كان مصنوعا من الذهب والفضة. فالذهب والفضة تباع بغية شراء اطنان من الالعاب التي تغني من يقتنيها وتعزز وضعه الصبياني في المحيط، فيضحي زعيما لكل اولاد البلدة.


كما فهم الصبي من جدته انّ عمانوئيل (الله معنا) ينحدر في ميلاد كل سنة من السماء ويستقر في المغارة. الا انه اغفل ما اوردته له ايضا حواء- جدته عن العذراء التي تلد صبيا دون ان تتزوج. فالعذرية كانت كلمة لم يتمكن احد من شرحها له مخافة الافضاء بكل اسرار الحياة. اما التوالد فقد فهمه انه كان عطية سرية من الله، بحيث يوضع الطفل او الطفلة في احشاء المرأة، دون ان يكون لذلك علاقة بالجنس والرجال.


هذا وقد سمع في الخدم ما قبل العيد الكنسية عن ملكيصادق وكهنوته الابدي:" قسم الله ولن يندم، انت الكاهن الى الابد على عرش ملكيصادق". ولمّا سأل عن ذلك عرف انّ ذلك الملك الكاهن يرمز ايضا الى يسوع. فكان ان اختلطت عليه امور العهد القديم ورموزها، فأضحى رأسه الصغير يدور، الى احد انه اغفل بعض المعطيات وقتيا. فكان ان قرر ان يرّكز على عمانوئيل وقصص جدته حواء.

فكان ان اضحى يترقب يوميا لحظة نزول يسوع الملاك الى محلته التي جعلها في مخيلته "بيت لحم". فصار ينظر، ومن نافذة المنزل، الى حركة الغيوم التي اعتقد انها تشكل سلّم عمانوئيل الى المغارة.

راح يتفحص الغيوم ويتأكد من جودتها في حمل الاله المنتظر الى اسفل. وامسى مهتما بمغاور محلته، فراح يستفسر عن اماكن وجودها في الجبال. وصار يشكّل خلسة بعثات استكشافية من اولاد فرقته للبحث عنها.

هذا ومضى يتدرّب مع "يوسف" ابن "اسماء" و"الرامي" ابن "الميلاد" واخيه "الوليد" على مواجهة جيوش "هيرودس"، الذي عرف من جدته بأنه كان يسعى الى قتل المسيح. فحماية عمانوئيل واجب من الملوكين الظالمين.

وكان ان نشأت علاقة مودة، من طرف واحد، بينه وبين ملوك فارس، لمّا عرف عنهم بأنهم يأتون في كل عام لتقديم الهدايا والسجود لعمانوئيل. هذا وقد اقسم ذلك الصبي انه سيرد لهم معروفهم حتى لو بالسياسة عندما يكبر.


كما راح، في كل مرة يمرّ في تخوم منزل"راحيل" صديقة جدته، يستلّ سيفه الخشبي ويصيح :"لا تخاف يا عمة "رحيل "، يا حبيبة جدتي "حواء".

لا، لا تخاف يا امرأة، لاني لن ادع هذا اللعين "هيرودس" يقتل اولادك، كما درجت عادته.

الا فاعلمي انّ سيوف اولاد الحي تحميكي وتردّ الغيّ عن نسلك. نعم، ولتتحضر ابتك مريم الجميلة لولادة عمانوئيل، ولتفخر بولدها الالهي المنتظر النازل اليها من الغيم!!!". وكانت العجوز تسرّ بذلك وترسل له ال "سكر النبات".

واخذ يتردد في تلك الحقبة على قبو اخ جده "وديع" حيث كان ينتصب في وسط البهائم فيلقي، في الماعز والحمار الاغرش، خطبة، فيقول : "يا بهائم "وديع" استعدو لانكم ستدفؤن مزود ابن داوود ومنقذ العالم... اما انت يا اغرش فافتخر لانكن ستحمل على ظهرك "مريم" البتول وتأخذها الى حيث آمرك ان تذهب، عشية الميلاد".

وكان يوافي ذلك المكان يوميا الى ان اكتشف امره اخ جده "وديع" فأقصاه عن حظيرته خوفا من ان تطال عدوى جنون الصبي بهائمه. فكان ان حذّر الصبي الكهل من عمانوئيل وغضبه. كما امسى يزور الرعاة كثيرا للتعرف على قصصهم حتى قيل في اوساطهم عنه، انّ اباه قد ولد ابنا نجيبا.


وكان يخاطب، وفرقته، خرائب المحلة مبشرا اياها باستعادة ايامها تماما كما سيحصل ل"زبلون ونفتالين" . لما لا ورسول الرأي العظيم قادم الى العالم كي يفك المكبلين ويقصي الظالمين ويعيد الحياة الى الخراب ويقيم مملكة العدل التي لا تفنى!!


لقد عشق الصبي عيش احداث الكتاب المقدس وشخصياته، فقد احسّ ان ذلك يعطي قيمة لوجوده.
ثمّ صار في كل سنة يكبر قليلا، ومع تقدمه في الايام تتبدل مفاهيم الميلاد عنده. فاضحى مع الايام يعي ان المغارة هي قلبه، وانّ مريم هي البشرية، وانّ هيرودس المتسلط هو متغيير، يتجدد مع كل عهد.

وادرك انّ مملكة رسول الرأي العظيم ليست في دنيانا. الا انه اختار ان يكون شاهدا لرسول الرأي العظيم. فراح يكتب. وامسى مع كل ميلاد يحضّر قلبه لاستقبال الطفل الالهي، في عالم يحكمه عزرائيل.

احبّ عمانوئيل لانه اله الرجاء، وهو كان غارقا في الاحباط والخطايا والاشياء الصغرى. وكان يصلي كي يثبّته المولود الالهي في الرجاء، فيبدد احزانه.


امسى الميلاد له آيات من اشعياء وترنيمات. كما اضحى في يقينه محطة يسترجع فيها نضالاته واخفاقاته في سبيل عالم افضل.

هذا ومازال الشاب يستلّ سيفه الخشبي كي يدافع عن "رحيل" واخواتها كل ما استطاع الى ذلك سبيلا. واضحى مع كل ميلاد، يتحسّر على نفسه، لانه ليس على قدر آمال ربّ الميلاد المتجسد الذي انحدر كي يرفعه، وافتقر كي يغنيه، وتجسد كي يؤلّهه.


ادرك صاحبي انّ الميلاد بوابة العالم، اي بوابة الاقمصة. نعم، لقد ايقن انّ الميلاد حركة عامودية الى تحت، تكتمل بحركة موازية الى فوق، عبر الموت الذي يضحي صعودا الى السماء بالقيامة، ان عرف ان يعيش في حمى رسول الرأي العظيم.

فامسى يردد، في كل ميلاد، مع اشعياء: " لن يخيم ظلام على من تعاني الضيق...الشعب السالك في الظلام ادرك نورا عظيما، والمقيمون في ارض ظلال الموت يطلع عليهم نور...".
لقد تغيّر الصبي، وعالمه زال مع الطفولة، الا انّ الرجل ما ينفكّ يستضيف طيف الصبي، الذي يمثّل عمانوئيل والرجاء في مواجهة الاحباط وعزرائيل
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق