الجمعة، 24 ديسمبر 2010

غزة.. نسخة بــ «العربية الفصحى» عن هيروشيما!

العدد 13494 - تاريخ النشر 23/12/2010
تاريخ الطباعة: 23/12/2010
اطبع

________________________________________
غزة.. نسخة بــ «العربية الفصحى» عن هيروشيما!
بيروت - ليدا فخرالدين
كما لو أنك أمام نسخة عربية - بالعربية الفصحى - عن هيروشيما. الاسرائيليون في حربهم على غزة استخدموا 33 مادة مُسرطنة، من بينها اليورانيوم والكروم والمغنيزيوم. هذه المواد بدأت تفعل فعلها الآن. حرب اشعاعية لمائة عام وربما اكثر. التداعيات البيوليوجية كارثية: طفل بنصف رأس!
أيضاً نسخة عربية - بالعربية الفصحى - عن الهولوكوست. وهذا ما نستنتجه من المعطيات، والمعلومات، والوقائع التي أوردها الناشط البيئي والاجتماعي اللبناني مازن عبود، الذي زار القطاع خلال هذا الشهر. أمضى هناك 3 أيام، وعاد ببانوراما مروعة عن المأساة.
كان مفترضاً أن يشارك وزير الاعلام طارق متري في المؤتمر، لكنه اضطر للتوجه إلى قصر بعبدا باتصال من رئيس الجمهورية.
وصف عبود غزة بــ «القنبلة الموقوتة». بالطبع، المعطيات التي استند اليها تختلف عن المعطيات التي استند اليها دافيد بن غوريون (أول رئيس حكومة في اسرائيل وكان يلقب بــ «النبي المسلح») عندما وصف القطاع منذ نحو نصف قرن بالقنبلة الموقوتة، متمنياً لو ينام ذات ليل ليستفيق وقد زالت غزة من الوجود.
قنبلة موقوتة، وقد تنفجر في أي لحظة، فالعذابات اليومية تزيد في التشدد الايديولوجي للناس، وإن كانت «حماس» - كما أشار عبود - تضبط الايقاع الديني والسياسي بمنتهى الدقة.
بتهذيب جمّ، قال إن «الاجراءات» لم تسمح له سوى بالالتقاء بعدد محدود من الناس، لكنه جال في أرجاء المدينة وشاهد، وسأل، والتقى طويلاً وزير الصحة في الحكومة المقالة باسم نعيم. خلال اللقاء بدا أن غيوماً سوداً تحيط بالمكان، ليثبت أن السبب هو ذلك الطقس اليومي، حيث يتم حرق مستوعبات النفايات بعدما أصبح مكب النفايات داخل المنطقة العازلة.
أشار عبود إلى أن الحرب التي بدأت في 27 ديسمبر 2008 وانتهت في 18 يناير «لم تنته ابداً». الصواريخ والقذائف الاسرائيلية دمرت كل شيء: محطات الضخ، شبكات توزيع المياه، الثروات الزراعية، إذ جرف الاسرائيليون 17 في المائة من مساحة القطاع البالغة 365 كليومتراً مربعاً، وقضت على 1.4 مليون شجرة زيتون.

الزنزانة ازدادت ضيقاً
الزنزانة ازدادت ضيقاً، إذ إن المناطق العازلة اقتطعت نحو ثلث المساحة، بحيث إن معدلات السكان في الكيلومتر المربع الواحد ارتفعت على نحو مثير. هي 4010 اشخاص في المدينة تصل إلى 10 آلاف في المخيمات، لا سيما مخيمي جباليا والشاطئ، مما يهدد بانفجار ديموغرافي كبير.
يقول عبود إن القنبلة الديموغرافية تتدحرج الآن، إنما في وسط الشرق الأوسط.. ويدق جرس الانذار، فالحصار يأتي بنتائج عكسية. الناس يزدادون تشدداً وغضباً، وإذا كان بالامكان احتواء الوضع الآن، فمن تراه يستطيع أن يحتويه غداً؟ وهو يكشف - نقلاً عن مسؤولين في القطاع - عن ان غزة أصبحت تحت الأرض. شبكة هائلة من الأنفاق بعد تجربة الأرض المكشوفة (والمحروقة) أمام الطائرات الاسرائيلية.

الدورة البيولوجية
وتحدث عبود عن التقرير الذي وضعه فريق ايطالي ضم عدداً من اساتذة الجامعات والخبراء والناشطين في مجال حقوق الانسان. التقرير حمل العنوان التالي: New Weapon Report. هنا الكارثة الحقيقية حين يتبين أن الدورة البيولوجية في القطاع مهددة، فالفريق تحصّل على 95 عيّنة من شعر السكان (ومن الجثث) ليظهر أن المواد المسرطنة أدت إلى تدمير الأنسجة، والأخطر أنها تؤثر في هرمونات الولادة. وقد سجل ارتفاع ملحوظ في معدلات العقم، وهو الارتفاع الذي سيكون أكثر مأسوية «ولعلنا أمام مشهد من مشاهد الابادة المقنعة». هذا الذي حدث، خصوصاً أن المواد إياها، وبعضها اشعاعي، اصبح موجوداً في الهواء وفي التربة، وأيضاً في الخلايا وفي العظام أيضاً، ومن دون أن يأبه الاسرائيليون بالقانون الدولي.
لا، بل إن عبود سمع في غزة أن الاسرائيليين الذين ألقوا هناك 3 ملايين كيلوغرام من المتفجرات، أي بمعدل كيلوغرامين للشخص الواحد، يلاحقون في ايطاليا نفسها أعضاء الفريق الايطالي لمنعهم من نشر الحقائق المرعبة، التي عادوا بها من هناك.

منظمة الصحة
دعا عبود وسائل الاعلام العربية إلى «تحريك» منظمة الصحة العالمية لمعاينة الأوضاع في غزة وتقديم المساعدات اللازمة «لأننا أمام كارثة حقيقية»، ويزيد في كارثية الوضع أن سرعة الهواء هناك قد تكون الأخف في العالم. وهذا يؤخر عملية «غسل الهواء» وبقاء معدلات التلوث لفترة طويلة.
لكنه، يلاحظ أن ما يساعد هو عدم وجود مرتفعات أو جبال في القطاع، والا اختنق القطاع «وكنا أمام غرفة مقفلة على سكانها».

تناقص المياه قد يفضي إلى ترحيل السكان
آبار المياه في القطاع دمرت ومع اتساع المشكلة كما لو أن الاسرائيليين وضعوا خطة مستقبلية لترحيل أهل غزة، إذ إن القطاع يستهلك 140 مليون متر مكعب في السنة، فيما لا تزيد كميات المطر عن 40 مليون متر مكعب.
بعد سنوات لن تكون هناك مياه في القطاع، رغم تنفيذ خطط التقشف، والاستعاضة عن المزروعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه (الورود والأزهار) بالزيتون والنخيل. وثمة مشروع وضع لزراعة مليون شجرة زيتون، ونصف مليون شجرة نخيل.
وفي كل الأحوال، يشير عبود إلى ان المياه المستعملة الآن، بما فيها مياه الشفة، غير صالحة بنسبة 90 في المائة.

مزارع بحرية للأسماك
عبود قال إنه للمرة الأولى يرى مزارع بحرية لتربية الأسماك، ليبدي اعجابه بالسكان هناك والذين يعملون، على نحو خارق، من أجل البقاء. وللمثال، فهم انتجوا سماداً عضوياً من بقايا نباتية، انه سماد نظيف برائحة نباتية. كما انه اختراع فلاحي اهل غزة بما تعنية الكلمة...

ماذا لو تكررت تجربة القطاع في لبنان؟
الناشط البيئي يطرح هذا السؤال: ماذا لو نقل الاسرائيليون تجربة غزة إلى لبنان؟ ليشير إلى أن لبنان مهدد، في أي وقت بحرب ضده، ولهذا فهو يدعو اللبنانيين والعرب، إلى ان يرفعوا الصوت من اجل غزة، إذ لا شيء يقف ضد اسرائيل التي تقفز فوق القانون الدولي ليس فقط من أجل أن تزرع الخراب إبان الحرب، وإنما من أجل أن تزرع الخراب لمائة عام.









________________________________________
جريدة القبس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق