الثلاثاء، 7 يونيو 2011

والدة الاله



والدة الاله
الديار الفكري 6-6-2011

تربى على حب "مريم العذراء" التي انشدها نغما رقيقا علق في ذاكرته. وكان في كل مرة ينظر الى الايقونة التي ابلغته جدته بأنها " لوالدة الاله وام النور" يشعر بالدفء والحنان، فيروح يتأمل عميقا في سرها وفي ولدها.

ظنّ بداية انّ "والدة الاله" امرأة عادية تحظى بمحبة جدته كما "ام سلوما" لكنها غادرت كعمه "ميشال" الى بلاد الاغتراب، فعلقت لها صورة تعويضا عن الحضور الجسدي، الا انه عاد فأكتشف انها مثّلت اكثر من ذلك بكثير على ما يبدو. وكان ينشده لسحر الانوار المنسكبة من الكوب الملون الذي وضع قبالة "ام النور" والذي قطنه، بصورة غير مدركة لديه، لهب انتصب على طبقة من زيت زيتون كرم "المنطرة" تتطربشت على ماء كما ابلغ.


لقد عرف "مريم" رائحة ندية لبخور بيزنطي من خدمة "المدائح" التي كانت تطول، فينال ان صبر وصمت قربانا لذيذا مندّى بماء الورد ومطعّم برموز. كانت مريم، التي قيل فيها انها الكنيسة، اصداء ناقوس او جرس. فقد مثّلت لقومه ميناء الامان ورمز الخير والتواصل ما بين الارضيات والسماويات، وقد كانت صديقة جدته وشفيعتها لدى الله.


علقت "مريم" في رأسه، ترنيمة : "عذراء يا ام الله، يا طاهرة نقية... افرحي يا عروسا لا عروس لها". وام الاله كانت جليسة جدته ومشكى ضيمها اذا ما اهتزّت الدنيا من حولها. كانت "مريم" ملجأ جدته ام "ابراهيم" التي كان هو بدوره يلتجأ اليها، اذا ما احسّ بجور او ظلم طاله من الوالدين. فاستنتج بأنها كانت اكثر اهمية من جدته، التي كانت الاهم بالنسبة اليه.


ثمّ اكتشف الصبي انّ جدته كانت تناجي صاحبة الايقونة بشكل منفرد يوميا، وتبكي عندها كطفلة. واكتشف حينها انّ الكبار يبكون في السر بمرارة اكثر من الصغار ولاسباب غير مكشوفة.


ثمّ انّ جدته كانت تستاء كثيرا، اذا ما علمت انّ احدا تطاول على شفيعتها "سيدة العالم" وامّ "يسوع الناصري". فكل من يتعرض لمريم يتعرض لها شخصيا. فظنّ وقتها انّ جدته كانت من الناصرة، وابنة غير معلنة ل"مريم ام الاله". فكان ان فاتحها بالامر، فأجابته انّ "مريم" ما كانت امها وحدها بل ام الفادي وام العالم ايضا، وبأنها ما كانت من الناصرة التي احبت لو قدر لها ان تزورها.

وكان ان راح منذ ذلك اليوم يرصد تحركات جدته كي يتنصت على حوارها مع "ملكة العالم" التي كانت تشرق عبر الايقونة، فتنظر ولا تتكلم. شفيعة عرف عنها انها تستجيب، ولا تتكلم، الا نادرا...
فاحتار في ذلك كثيرا!!

فكان ان سأل "ام سليمان" التي اوضحت له بانّ علة تعلق جدته ب"مريم" قد يكون نتيجة قدراتها العجائبية. فقد ارجعت "ام يسوع" مرة يدا مقطوعة لكاتب ايقونتها وهو جدنا "يوحنا من الشام". فاضحى منذ ذلك التاريخ يتفادى زلة اللسان في المحيط كي لا يحاسب.

رغب ان يحظى بشرف سماع صوت امرأة جدته التي لا تشيخ ولاتتبدل ابدا. وسئل في عمق نفسه لما كل نساء الكون مغرمات بالكلام، الا "مريم تلك" صاحبة جدته؟؟ فكان ان كلمته بالحلم مرة.

وراح يكتشف مع كل عام انّ مريم هي مختلفة بالفعل. فهي اكثر جمالا من كل نساء محلته واكثر رصانة وحنانا. لقد كانت تشبه جدته وامه وكل امرأة احبها على سطح بسيطته التي ما تعدت مساحتها البضع كيلومترات مربعة في طفولته، الا انها كانت اجمل وابلغ واحسن!!!

ورحلت جدته زمنا بعد ذلك، و"مريم" ما انفكت تنتصب ايقونة في تلك الغرفة. فاضحى هو يوافي بدوره الى تلك القر نة من ذلك البيت القديم، وينحني امام الايقونة مناجيا اياها. فقد اختزلت مريم في ايقونتها عبق جدته ودفء محبتها له. كما اضحت في يقينه هو ايضا امّ العالم.

وراح يواظب على حضور خدم المدائح المخصصة لها، ويقف امام ايقونة الام الملكة، المشيرة الى طفلها، متأملا صامتا. اضحى يصمت طوال الخدمة لا كي ينال قربانة معطرة بماء الورد بل كي يعاين عند نهاية كل "مديح" جدته توافيه قائلة :" لقد كنت صبيا رائعا، انا فخورة بك يا بني... انك تستأهل بالفعل نعم والدة الاله"!!!
مازن عبّود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق