الاثنين، 11 مايو 2009

القدس والنفط والمياه ثلاثة عناوين لأزمة واحدة

لا حلول عملية وواقعية للصراع العربي - الاسرائيلي إلا بمعالجة جدية لملف المياه
الثلاثاء 03 آذار 2009 - السنة 76 - العدد 23628 جريدة النهار
لطالما ارتبطت المبادرات الدولية لايجاد سلام شامل ودائم في الشرق الاوسط بمشاريع حلول عملية للازمات المائية. وما موقف وزير الخارجية التركي حول رغبة تركيا في استعمال المياه كآلية لنشر السلام، عشية استضافة بلاده لمؤتمر دولي حول المياه في الشهر المقبل، الا في مثابة تأكيد لصحة هذه النظرية وفعاليتها في اي مفاوضات. فالمياه هي الحياة، وهي روح اي ارض. ومشروع المبعوث الامريكي الى الشرق الاوسط السفير جونستون، المعروف بمشروع جونستون المائي في العام 1955، هو خير مثل عن ارتباط قبول عروض السلام بحلحلة المشكلات المائية. هذا ويعتبر بعضهم انّ الشروع في بناء سد اليرموك بين الاردن وسوريا كان وراء احتلال اسرائيل هضبة الجولان. كما انه عمليا، ممنوع على لبنان الاستفادة من طاقاته المائية (رفض البنك الدولي وسائر المؤسسات المانحة توفير التمويل لمشاريع السدود) قبل ايجاد حل لقضية الشرق الاوسط.اشارة الى انه في كل مرة تتحرك فيها المسارات التفاوضية، تبرز مشكلات المياه ومشاريع الحلول مجددا الى الواجهة. لذا، فانّ هذا الموضوع عاد الى التداول اليوم على اثر افول نجم الرئيس السابق للولايات المتحدة الاميركية جورج بوش ووصول الرئيس باراك اوباما - الديموقراطي الى الموقع الاول في الولايات المتحدة الاميركية (وبالتالي العالم). فوصول الجمهوريين الى الحكم عادة في امريكا يؤدي الى حروب وأزمات نفط في الشرق الاوسط، اما وصول الديموقراطيين فنتيجته مشاريع سلم وملفات مائية. وفي هذا الاطار تنشر جريدة "النهار" معلومات احد المهتمين بالملف في حقبة الرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون. معلومات هي على جانب من الاهمية، ولم يتم الاضاءة على بعضها من قبل.
بيل والسلام والمياه
لقد عرف الرئيس كلينتون، ومنذ لحظة وصوله الى البيت الابيض، انّ موضوع الصراع العربي-الاسرائيلي لا يمكن حله الا عبر ثلاثة محاور هي: مدينة القدس، المياه، والنفط. وموضوع المياه كان من اقدم الملفات في الشرق الاوسط، اذ انه حلّ بندا خلافيا على مائدة سايكس-بيكو التفاوضية بين فرنسا وانكلترا. فلبّ المشكلة وقتها كان موضوع ضم الاراضي في جنوب نهر الليطاني الى فلسطين، كونها تشكل حاجة حيوية لديمومة دولة اسرائيل، التي كانت تحضّر في رحم اروقة الدول المنتصرة. وفي كل مرة تتجدد المساعي لارساء سلام شامل ودائم في الشرق الاوسط تظهر الملفات المائية. فمثلا في المرحلة التي تزامنت والاعداد لمفاوضات كامب دايفيد الثانية ابرم لبنان اتفاقية مع اليابان تمخضت عن مجيء بعثة JAICA أي الوكالة اليابانية للتنمية في العام 2000 (بدايات عهد الرئيس اميل لحود) لمساعدة لبنان ظاهريا على تنظيم وارشفة الدراسات المائية المتوافرة لديه. فكان ان نظّم فريق الخبراء اليابانيين الدراسات والمستندات المتوافرة لدى الدولة اللبنانية في هذا الاطار، الا انهم اصدروا تقريرا افضى الى اعتبار حوض الليطاني مرتبطا جوفيا بحوض الاردن، معيدين بذلك احياء نظرية جونستون الداعية الى تدويل مياه الليطاني كي تستعمل في تحفيز السلام في الشرق الاوسط. كما حدد اولئك الخبراء على ما يبدو علميا وبدقة (ووفق معطيات دولتنا) كميات المياه التي يمكن لبنان ان يوردها الى المحيط.
رجل اعمال ومياه وسلم
وكان لي ان تحدثت الى رجل اعمال من اصل لبناني عرف بعلاقاته الاقليمية والدولية، وهو على اطلاع ببعض القضايا المرتبطة بالصراع من اجل الشرق الاوسط، وخصوصاً تلك المتعلقة بالمياه. التقيته صبيحة يوم شباطي مشرق، كي يتلو علي بعضا من معطياته. ومعطياته كانت خلاصة عمره وزبدة خبرة كوّنها في اسفاره ومغامراته في مدائن العالم من باريس الى جنيف الى بوينس ايرس وموسكو وغيرها...فراح يتسابق مع عصافير شرفته، المقفلة الزجاج والمطلة على قصر بعبدا، كي يشرح لي ما ادركه حول السلام وامراء المنطقة واسرائيل والمياه. فهو قد عرف الشرق الاوسط من تحت بوصفه رجل اعمال قديم العهد. لم يخف ذلك المصدر المطلع فرحته بعودة اطياف آل كلينتون الى البيت الابيض بشخص هيلاري زوجة الرئيس بيل كلينتون، الذي ما زال يعتبره اهمّ رئيس عرفته الولايات المتحدة الاميركية في القرن العشرين، وذلك رغم ارتباط شخصه بفضيحة مونيكا لوينسكي.
مشروع المياه للسلم
واعجاب الرجل بالرئيس الاسبق للولايات الامريكية نبع من اهتمامات الرئيس كلينتون بارساء سلام مستدام في الشرق الاوسط يرتكز على نظرية الماء للجميع، حيث انّ الرئيس كلينتون كان مزمعا على تأسيس شركة للاستثمار في الثروات المائية، قوامها حكومات الدول المتحاربة في المنطقة (سوريا ولبنان واسرائيل والاردن)، ويترأسها هو شخصيا، على ان تكون مدتها الزمنية 99 سنة، وعلى ان تطرح اسهمها في البورصة العالمية. وقد اطلق على المشروع وقتها تسمية شركة "المياه للسلم في الشرق الاوسط". ويعتبر الرجل انّ توقيت الانسحاب الاسرائيلي من 800 كيلومتر مربع من الجنوب اللبناني والابقاء على مزارع شبعا (وهي 200 كيلومتر مربع من الاراضي تحتوي مخزوناً مائياً جوفياً على عمق 100 متر يقدر بـ 800 الف متر مكعب من المياه المتجددة يومياً، انما اتى تلبية اسرائيلية لرغبة اميركية، وذلك بغية افساح المجال امام مشروع الرئيس كلينتون الذي رغب في انهاء ولايته بنجاح مدو. نجاح يهلّل له التاريخ من باب جائزة نوبل للسلام. ومشروع الرئيس كلينتون يرتكز على قاعدة أنّ الجميع في الشرق الاوسط يسعى الى تأمين حاجاته المتزايدة من المياه التي يذهب بعضها هدرا الى المتوسط. وقد قدرت حصة لبنان من ينابيع الوزاني والحاصباني وبانياس التي يصب قسم غير يسير منها في بحيرة طبريا، بمليون و400 الف متر مكعب من المياه غير المستعملة او المسروقة من اسرائيل. فيكون المجموع الاجمالي للمياه المتوافرة للمشروع من المياه اللبنانية ما قدره مليونان و400 الف متر مكعب يومياً (المياه الجوفية لشبعا + مياه الحاصباني والوزاني وبانياس). اضف الى ذلك مياه سد اليرموك المزمع بناؤه ما بين سوريا والاردن والذي يوفر ما يقدر بـ 800 الف متر مكعب يوميا. سد لم يتمكّن الجانبان السوري والاردني، من انفاذه لخلافات تنوعت بين السياسة وغياب التمويل واحتلال الجولان وخلافه. كما بقي موضوع تكرير مياه الحمة المعدنية الواقعة اسفل الجولان وجبل الشيخ ضمن الاراضي التي ضمتها اسرائيل اليها عام 1967، رهنا بالمفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية. فيكون بذلك اجمالي الكميات المتوافرة للاستعمال من المياه العذبة قد تجاوز المليونين و400 الف متر مكعب يوميا. على ان يتم احتساب ثمن بيع المتر المكعب من المياه بنصف دولار. فيحصد لبنان جراء ذلك ما يقدر بأكثر من مليون ومئتي الف دولار يوميا نتيجة بيعه من دول المنطقة المحتاجة فائضه المائي، تستعمل لزوم سد فاتورة دينه العام المتزايدة يوما بعد يوم.
نهاية حلم كلينتون
لقد كان هذا المشروع الطبق الرئيسي لمفاوضات كامب دايفيد الثانية للسلام حول الشرق الاوسط، مشروع عاد فتعثر خوفا من التطرف. تجدر الاشارة الى أنّ اسرائيل (باراك) كانت تنازلت خلال تلك المفاوضات عما يقدر بـ 92 في المئة من اراضي الضفة الغربية، كما عن الاماكن المقدسة الاسلامية والاحياء العربية في القدس لمصلحة الفلسطينيين، وذلك لزوم تأسيس سلام عادل وشامل في الشرق الاوسط. وانتكاسة المشروع تلك اتت من كلا الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني. بحيث ان الرئيس ياسر عرفات ابلغ الرئيس جاك شيراك في إفطار في قصر الاليزيه في باريس أنه يفضل قطع يده على التوقيع على مشروع يحرم فلسطينيي الشتات حق العودة، وذلك مخافة اغتياله على يد احدهم. كما ابلغ رئيس وزراء اسرائيل ايهودا باراك ممثلي 17 جمعية يهودية في الولايات المتحدة، أنّ توقيعه على هكذا اتفاق في مثابة حكم اعدام بحقه. فكان ان تمّ اقتراح سيناريو لتصفية مشروع كلينتون للسلام، وذلك عبر منح أرييل شارون الاذن بالدخول بمظاهرة لانتهاك حرمة المسجد الاقصى. خطوة اشعلت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في ايلول من العام 2000، فكان ان قضت على احلام بيل كلينتون وطموحاته.
التطرف وسراب السلام
هذا وقد عاد رجل الاعمال فأكد لي انّ الخوف من الاغتيال والمتطرفين لا يزال العائق الاكبر امام حصول اي تسوية سلمية في الشرق الاوسط، معتبرا أنّ الحواجز امام السلام تزداد يوما بعد يوم. ثمّ استرجع الرجل اجواء "المنتدى الاقتصادي" في عمان في العام 1996 الذي دعاه الملك حسين اليه يومها، فشهد لتقاسم السيدين عرفات واسحق رابين جائزة نوبل للسلام في حضور زعماء العالم العربي والدولي. فرسم لي بأقتضاب طلة عرفات المتواضعة ومحياه الغريب، الذي اعتبره غير قابل للتسويق مطلقا في العالم الغربي، مقارنة بطلّة رابين العسكرية ولغته الانكليزية الراقية واناقته البالغة. ثمّ توقف الرجل عند لغة الزعيم الفلسطيني الانكليزية الركيكة ولكنته الهزلية غير المفهومة، مقارنا اياها بقدرات رابين التخاطبية. فكأنه مقصود ان يسوّق العرب الى العالم عبر صورة ابي عمار، ويسوق اليهود اليهم بطلّة رابين. واعتذر الرجل مني سلفا عن تحليلاته ورسومه السوداوية لشخص عرفات (بالمقارنة مع نظرته لزعيم العدو)، معتبرا أنّ ذلك قد يكون نابعا من كرهه الزعيم الفلسطيني الراحل جراء ما صنع في لبنان.ومن المعروف انّ رابين بدأ خطابه وقتها بمقولة: "لقد استغرق سفري من القدس، العاصمة الدهرية لاسرائيل الى عمان، عشرين دقيقة...". مقولة قال عنها رجل الاعمال أنها استفزازية وقد دفعته الى الاحتجاج لدى العاهل الاردني (الى مائدة العشاء التي دعاه اليها على اثر انتهاء المؤتمر). فعبارات رابين اعتبرت من كثيرين دليلا صارخا على غطرسته ورغبته في تحدي العالم العربي والاسلامي، وليس رغبة منه في صنع السلام. ويقول الرجل أنه لم يدرك لماذا تصرف رابين بمثل هذه الطريقة في تلك المناسبة التاريخية، اذ انه قلما قدر لزعيم اسرائيلي ان يحاور العالم الاسلامي والعربي. فكان جواب الملك حسين لتساؤله وقتها: "لا شك في انّ رابين رجل محب للسلام، انما يتوجب فهم كلمته في اطار حماية نفسه من الاغتيال حصرا". ويقول الرجل أنه، وعلى اثر اغتيال رابين، تلقى اتصالا من الملك حسين الذي اعاد تذكيره بما دار بينهما وقتها".انّ التطور الدراماتيكي للحوادث في الشرق الاوسط لا يخدم الا التطرف. لم لا والتطرف ضرورة لاستمرار قيام دولة اسرائيل وتبرير وجودها امام المجتمع الدولي؟ ومن غير المستبعد صحة نظرية بعضهم حول دور بعض الاحزاب الاسرائيلية اليمينية في تقوية "حماس"، وذلك لانّ الدولة العبرية ليست جاهزة بعد للسلام وللتنازلات المؤلمة عن الاراضي. وانّ مسخ الانتفاضة السلمية الاولى في فلسطين الى انتفاضات مسلحة لم تحقق شيئا لهذا التاريخ، هو ضرورة حيوية لبعضهم في اسرائيل بغية تبرير اكلاف ادارة هذا الكيان. والخشية ان يبقى موضوع استفادة لبنان من مصادره المائية شائكا حتى حلول السلام في الشرق الاوسط.
مازن عبود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق