الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

في وداع الدوماني الكبير

في وداع الدوماني الكبير
بقلم مازن ح. عبّود

اسمه "يوسف" وقد لقّب ب"الدوماني". اما اللقب فنتيجة اسفاره وحمله لاسم بلدته عاليا، كما يقال.


عرفت "يوسف الدوماني" بعدسة "نانو" نسيبي، الذي صوره لي عامودا من اعمدة سماء بلدتنا، التي كنا نعتبرها نحن محفل الاولاد اكبر من "اوقيانيا" واعتى من "امريكا" واعرق من "اليونان" وارقى من "سويسرا". لقد عرفنا نحن جماعة اولاد "حي الوادي" "يوسف الدوماني" على طريقتنا. فظننا انه "يوسف الرامي" الذي التمس من بيلاطس، وبكل شجاعة، جسد المسيح بعد صلبه.


كان "يوسف" مختلفا وكانت لنا دومتنا، وقصصنا واساطيرنا حول الراحل وسواه، ولكم تعددت تلك القصص وتضاربت!!


فقد كان في يقيننا انّ "الرامي" قد تقمص جسد "الدوماني" الذي اضحى لاحقا نديما ل"هتلر" في ايامه الصعبة، ومغامرا ملأ القارة الهرمة (اوروبا) بمغامراته. مغامر يقول عن نفسه انه فرّ من المانيا، على اثر احتلال المارشال "زوكوف"- قائد الجيش الاحمر لمحيط برلين. وقد تحوّل مع تبدل الايام الى سائق تاكسي يعمل على خط دوما-طرابلس. "يوسف الدوماني" رجل المغامرات التي كنا ننشده لها ونتناقلها في مجالسنا في كل حين.

ولكم انسحرنا بطلة بطل "نانو" - يوسف الدوماني، الابية وشاربيه الابيضين، وتاكسيه الاخضر العريق المتوجه من والى "طرابلس" محملا بالاحباء والاطايب حتى في احلك الظروف. وكنا نتجمهر لتحيته اذا ما سمعنا "زموره"، فننظره من بعيد، من غير ان اقترب مخافة معاينة الاسطورة التي رسمت في بالنا عنه.

ثمّ رحت اكبر، وراح الدوماني يشيخ. فاضحت المسافات بيني وبينه تنقص. فاحببت ان اكتشف شخصيته عن قرب، فكان ان عكفت على ملازمته ما استطعت الى ذلك سبيلا، بغية الاستماع الى قصصه المثيرة. وكان ان قصّ علي كيف عمل على مقاومة الاقطاع وارساء التغيير. لقد كان شهابيا على طريقته، رغبة منه ببناء دولة يعيش فيها اولاده بكرامة كما كان يقول.

"يوسف الدوماني" رجل يوصفه "عبد النور" نسيبه، بالشهم والمتمسك بكل ما يعتبره حق. اما انا فقد مثّل لي قصص طفولتي وتخيلاتي وعوالمي المختلفة. رسخ في بالي بطلا من صنع نسيبي يتحدى الواقع ويتخطى الحدود. كان مزيجا فريدا من ال"لا وعي" الجماعي والتاريخ المقدس والواقع.

رحل "الدوماني" في عزّ تموز بعد ان اشبع من وقع السنين. رحل وسنتذكره دوما، دومانيا وابيا يقود مركبته الجميلة والنظيفة والانيقة والقديمة في شوارع البلدة. ستبقى في ذاكرتنا رجلا تحلى بخفة دمه ودماثة خلقه، فعاش حياته "على الاصول" كما يقول "منير الدوماني".
"يوسف" رحلت واخذت معك الكثير من اشيائك التي تميزت بها دومتنا!!!
لما لا، فالزمان يسترجع مع كل مرحلة، ومن مسرح الحياة، اشيائه واناسه. "يوسف" انت مضيت ونحن معشر من عرفناك قد خسرنا طلة ومغامرات وحكايات شتوية.

"يوسف"، اني عالم، انك، وفي يوم رحيلك الكبير، كنت تنظر الى استعراض افواج المغاوير على "الشير" بابتسامة، معتبرا انها ما اتت بلدتنا بالصدفة او لعيد الجيش حصرا بل كي تحيي انتقالك. اتت تحيي جسدك كما في وداع ابطال قصصك المحببة.

وداعا "يوسف" لا بل الى اللقاء...
وداعا ايها "الدوماني" بالنيابة عن فرقة اولاد "حارة الوادي" مقيمين ومغتربين، ولك منّا كل الشكر على قصصك ومغامراتك التي اتحفتنا بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق