الثلاثاء، 27 مارس 2012

الزكّور

مازن ح. عبّود • الثلاثاء 27 آذار 2012 لقد كان الزكّور من بيت البونجور وهو كان يفخر بانتمائه الى بيت عروبي، كره "الغرب وتغريبه وفرنسا وسايكس بيكو". والكره كان له اسبابه المحلية، كره الانتداب لأنّ "الكواتلي" احبّوه وهو كان "روماً" من مستقيمي الرأي. وكنت اذا ما حيّيته او احد افراد عائلته بعبارة "Bonjour"، حصلت مشادة بينك وبينه، ونهرَك قائلا: "اخرس. وتأدّب يا صبي. أما عندك لغة؟؟ أما عندك وطن، كي تقولها بهذه اللغة - لغة الانتداب؟؟". فتختلط عندك الامور، وتحتار من تصرّفه، اذ انك ما قصدت اهانته او شتمه مثلا. ما كان الـ"Bonjour" كنية العائلة بالاساس، الّا أنّ بعض مجلس مستهزئي المحلّة اطلقوا عليهم هذا اللقب لإثارتهم، وقد لازمهم نكاية حتى يومنا. كما أطلقت على عائلات أخرى في تلك المحلة "المحفوظة من الله" القاب مختلفة. فاختفت الاسماء الاساسية لصالح الالقاب، الّا من سجلّات القيد. وصار يلزم الأمر مختصّين لدراسة تطابق الالقاب مع التسميات الواردة في السجلات ازمنة الانتخابات. مهمة أتقنها "الزكّور"، حتى أضحت شغلته ومصدر رزقه. و"الزكّور" كان من فلاسفة قومه وديكاً من ديوكهم، له آراؤه في السياسة والدين والعلم والادب، على رغم انه ما تخرّج الّا من مدرسة "الحياة"، فقد كان يقول إنّ معرفته كانت تأتي مباشرة من المصدر، أي "الله" عزّ وجلّ. و"زكّور" ابن "Bonjour" لم يكن يأتي بيت الله الّا في الجنازات والمناسبات. فهو كان لا يتناغم مع القارئة "فوتين" ابنة "قيافا"، كما كان يقول. وعائلة القارئة لم تكن في الاساس "قيافا"، بل انّ مجلس المستهزئين نفسه منح اللقب لتلك العائلة التي اشتهرت باتقان الطقوس، لكن من دون ان تبان على أفرادها ثمار الروح من محبة ووداعة وغيره، حتى قيل في القارئة نفسها، يوما: "تِسلم فوتين التلبيسي هالتقيّة القدّيسي للّي بتربح بالقرش ميّة وبتصلّي بالكنيسة". الّا انّ "زكّورا" وافى الكنيسة مرّة في زمن الصوم كي يسطلي من عاصفة، بعد ان صادف وجوده مشيا في محيطها. فكان ان امتعض من سماع انحياز "فوتين" والخوري لبيت "بو ابراهيم" وفروعهم من آل "اسحق" و"يعقوب". بحيث تمّت الاضاءة عليهم مرارا في صلاة النوم الكبرى. فاهتزّ، وراح يركل الحائط، لمّا وصّف المزمور نسل اولئك ايضا "بالصديق"، لاعناً ذلك النسل "الخبيث". وكان ان شعرت به المرأة القارئة، فتلعثمت في تلاوة "يا رب ارحم" اربعين مرة، كما كتب. فحصلت جرّاء ذلك في الكنيسة عكرة كبيرة، وكان ان احتدم الوضع ما بين عائلة "Bonjour" من جهة وبني "قيافا" و"بيت بو ابراهيم" و"أجبابهم" من النسل الصديق من الجهة المقابلة، نتيجة ذلك. فحصلت مجابهات ومشادات ما بين الفريقيين بالالسنة الغليظة، أردَت الكثير من البشر جثثا متحركة. وكان ان طالت الخوري "طنسى"، الذي قرّر ان يخاطبهم بنشوة الراعي من الباب الملوكي. فكان ان ردّد بداية عن ظهر قلب جملا متناثرة جمعها من كتب مختلفة في بحر نضالاته الطويلة مع القراءة. فسُرَّت الرعية بفصاحة كاهنها المستجدّة، قبل ان يصرخ بهم: "عظيم هو "الله، اله إبراهيم ويعقوب واسحق ونسلهم الصديق"، الذي ان حرمكم من نعمة العقل ما جاد عليكم بالشجاعة والرجولة، والّا لكانت هذه المحلة "المحروسة من الله" قد امتلأت دماء". ووقف راهب خرّ عند الباب صامتا يتأمّل كل ذلك، ويصلّي سائلا ربّه المغفرة، رافضا التعليق امام الناس عمّا جرى، قائلا ما كان يردّده بابا الكرازة المرقسية الراحل شنودة الثالث: "اصمت كي استمع الى ربّي متكلّما".  • كاتب وعضو معهد الصحافة العالمي (فيينّا(

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق