الاثنين، 2 يوليو 2012

ذاك «المتمرّد» الذي كان من جماعة «هتلر»

يقول إنّ المانيا لا يمكن ان تنساه، فهو السائق المعروف والمحبوب الذي عمل على خط باريس- روما- برلين. يقول إنّ صداقة جمعته بـ"الفوهرر" والبابا و"الجنرال بيتان". اعتقد انه ادّى دورا في التواصل ما بين اولئك الزعماء، وكان مقتنعا بكلّ ذلك طبعا. نقل عنه أنه مرة لمّا توقف في ساحة اسبانيا في روما للتبضع، توقفت قربه دراجتان سبقتا سيارة "عرمرمية". ففتحت نافذة. اطلّ منها شيخ وقور بلباس أبيض، ودعاه الى تناول القهوة في دارته من دون ان يلتفت هو او يحرّك ساكنا. ولمّا سأله "الدوماني" مَن يكون، عرف انه البابا الذي انتفض مناديا ايّاه: "ما بالك يا "دوماني" أيعقل ان تكون قد نسيت بابا رومية؟؟ عرّج عليّ بالله عليك. فعندي "جوز كلام" اصرّح به لك. ننتظرك في الحاضرة على التلة. فثمة أمور كبيرة اريد ان أتشاور فيها معك". وبلغني انه كان يقول: "قال لي "الفوهرر" كذا. ونصحته بكذا، لكنه لم يقتنع". وكنت كلما التقيته، يسألني: "أتحب "هتلر" يا صبي؟ أم شوّه التاريخ المنحول والعلم عقلك؟؟ مرّ بي كي أعطيك كل الاسرار. نظرته للتاريخ أدّت الى حصول خصومة ما بين اهل بعض التلامذة من اصحابه وادارة المدرسة حول بعض المسائل، كالنظرة الى "هتلر وموسيليني وفرنكو". سمّى نفسه "الدوماني" انما تواضعا ليس الا، كما كان يردد. على رغم انّ اهل المحلة اطلقوا عليه لقب "الالماني". اشتهر بخفة الدم ولباقة الكلام، فحرص ان يعطي كل كلمة من كلامه، وَقعها. عرفه الاولاد بداية بعدسة "نانو" نسيبي، الذي كان مقتنعا بأنّ الرجل هو عظيم. صوّره لنا جميعا عموداً من أعمدة سماء بلدتنا التي كنّا نعتبرها نحن محفل الاولاد اكبر من "اوقيانيا" وأعتى من "اميركا" واعرق من "اليونان" وارقى من "سويسرا". هذا وقد سرت شائعات مفادها انه ايضا "يوسف الرامي" الذي التمس من "بيلاطس"، وبكلّ شجاعة، جسد المسيح بعد صلبه. فبمحيّاه وشواربه كان يشبه الشخصية الإنجيلية المرموقة. في إحدى نظرياته، افاد انّ اغتيال الناصري كان ضربا من ضروب المؤامرات الصهيونية، بتواطؤ من الحلفاء. واعتبر أنّ الله اقام يسوع نكاية بهم. واعتقد بأنّه لو سلّمت الى اليهود، او الى ناطور قبور على قدر المقام، مهمة نطارة جسد يسوع مثلا، لَما كان قد قام. وكان يقول إنّ جنود "موسيليني" ايضا قد تغاضوا عنه كي يتم حدث القيامة. فكان أن جلب لعنة الكنيسة عليه بشخص الخوري "طنسى" الذي اعتبره رمزا للحضارة السفلية يتوجّب عَزله وعدم الاستماع اليه مخافة الوقوع في التجربة. أمّا هو فقد كان يعتبر أولئك القوم "صعاليك" في دنيا البقاء. كان يقول إنه يحب موسيقى "فاغنر" الذي سمّاه "مغرن"، وقد بلغه الكثير عن جودتها. الا انه ما احب الاستماع الّا الى "الميجانا" و"العتابا". كان "الفهد" صاحب القصص والاساطير المتضاربة. جرّاء كل ما بلغنا حوله، صرنا نعتبره، ولو لفترة وجيزة، عجائبياً. ورحنا نستشيره في كل شاردة وواردة. قيل فيه مرة انه كان نديم هتلر الايام الصعبة، وحكي عنه انه كان مغامرا ملأ القارة الهرمة بمغامراته. مغامر قال عن نفسه يوما انه فرّ من المانيا، على أثر احتلال المارشال "زوكوف"- قائد الجيش الاحمر- محيط برلين. وقد تحوّل مع تبدل الايام الى سائق تاكسي يعمل على خط دوما-طرابلس. لقد انسحرنا بطلّة بطل "نانو" الأبية وشاربيه الأبيضَين، وتاكسيه الاخضر العريق المتوجّه من والى طرابلس محمّلا بالاحباء والاطايب حتى في احلك الظروف. وصرنا نتجمهر لتحيته اذا ما سمعنا "زموره". فننظره من بعيد، من غير ان نقترب مخافة ملامسة الاسطورة. فثمّة مواضيع في الدنيا لا يمكن الاقتراب منها كثيرا. ادركت "الفهد" بطلا من نسج خياله. تحدى واقع حاله بمخيلته الوقّادة. فصار مزيجا فريدا من اللاوعي الجماعي والخيال والواقع المر. حزنت لَمّا كبرت فاكتشفت سره، وتمنيت لو لم اعلم. فالذكاء والمعرفة يعكران صفو حياة الانسان احيانا، ويحرقان القصص الجميلة. هكذا كان "الفهد". ولو لم يكن، لكان الناس جعلوه منه ما ارادوا. فالحياة عند البعض لا تكتسي معنى الّا بالحلم والخرافة، وهو كان كلّ ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق