الثلاثاء، 17 أبريل 2012

ظلّ وأيقونة قيامة

مازن ح.عبّود الثلاثاء 17 نيسان 2012 وقف رفيق دربي، ذلك الظلّ المتأرجح ما بين النور والظلمة، امام خشبة القيامة، وراح يتمتم قبالتها بتنهّدات، راقصَتها أنوار مصباح متمايل، قيل إنه أضيء بأنوار مقدسية، وكان كلما هَمس انتصبت الانوار. ثمّ راح يحدّق برسم الهه الذي انحدر الى تحت الارض، الى حيث سبقه "اوديسايوس" فوجد أمّه ورفاقه قديما في حالة انتظار وكآبة. كان الظلّ فخورا بإلهه المنتصر، الذي عبده اهل اثينا قديما من غير ان يعرفوه. فأطلقوا عليه لقب "الاله المجهول". انشده به يتمنطق برداء من نور. وقد امسك آدم وحواء بيديهما (رمز البشرية)، محرّراً إيّاهما من غلالهما. سُرّ بمحق الاصفاد والاغلال. فرح بالحرية. انتشى لِمّا عايَنَ الموت مقيّدا، مرميّا. اما سرّ تعلق الظلّ بذلك الاله هو انه أراحه من الفراغ. وقد مثّل له ايضا "ادونيس- تموز" الكنعاني قديما، لمّا استفاق من سباته. ومن غير ذلك الاله، قد حرّره من كابوس الموت الذي كان فراغا وتصحرا وخوفا؟؟ احبّه لأنه شعر انّ التاريخ كان يمشي اليه بصراحة. فهو الضابط الكل!! انه سيدّ حرّر البشرية، من غيلغاميش وصولاً اليه، من ربق الموت القتّال. ثمّ راح الظلّ يصدح في تلك الغرفة، حيث الايقونة: "لقد صُرعت يا موت. صرعك إلهي الى غير رجعة. صرعك الهي المتجسد، بالصليب. وانا سأهزمك. سأحمل صليبي بصبر كي أتحرّر من ربقك يا كافر. سأتألّه فالهي قد تجسّد. وسأقوم، لأنه قد قام". ونظر الى نفسه، وقال: "لِم انت ضعيف انت يا عودي وساقط، على رغم شحمك ودسمك! انك تحكمني وتشدّني الى اسفل!!". ثمّ راح يصرخ: "يا عوداً ملعوناً، يا نفسي. يا تينة، لِم لا ترتدعين من شرورك!!". وتَلا من عظة القديس إيبفانيوس في سبت النور، عن المسيح لآدم: "قم أيها النائم، لأنني لم أطلّقك لتقيَّد هنا. قم من الموت، أنا حياة الميت. قم يا جبلَتي يا شكلي، يا من خُلقت على صورتي كشبهي. تعال هيا بنا نذهب من ههنا، فأنت فيَّ وأنا فيك، وكلانا شخص واحد وحيد بلا انفصال". ثمّ راح الظلّ يبكي بكاء الاطفال، ويتنهّد. إذ أدرك مدى عظمة سيّده وحنانه ورأفته وتواضعه، هو الذي جعل منه ابناً. وانخطف في سحر الالوان، مع المسيح الى الجحيم. فأدرك تقهقر العتمات وتصدّع الاغلال. الا انه خاف لمّا تذكّر ما يجري في الشرق. فنهره ربه، قائلا: "ما بالك يا ابن آدم. ألا فاعلم اني قد غلبت العالم. دُست الخوف. دست الموت. افرح لأنّ القيامة رجاء... أما قرأت كيف انّ اثني عشر صيادا قد غلبوا العالم وغيّروه؟ تصدّوا للظلم والقهر والاضطهاد؟ أما بلغك كيف أفحم اولئك البسطاء فلسفة فلاسفة ذلك الدهر. اني بالشهادة غلبت العالم. يا ابن آدم، قد تجسّدت كي أصلب فأرفعك معي. ألا فارتفع، كي تصبح الهاً. لا تخف ممّن يقتل الجسد!! فإنّي قد غلبت الموت. لا تقع في تجربة. إنّ الخوف يأسرك الى التجربة والموت. إنّ الخطيئة هي الموت. إنّ الكذب هو الموت. إنّ الفتور هو الموت. فحذار!! ألا فاعلم اني اله الحياة والنور والرجاء. فمَن معي لا يخاف ابدا. بل ينتفض لكلّ مظلوم، ولكل معذب، ولكل محروم. ثق يا ترابي بأني قد غلبت العالم". فخرّ الظلّ امامه، باكياً وقائلا: "يا رب ارحم ضعفي وقلّة ايماني". وقد سمع من بعيد أصداء ترنيمة "إنّ الملاك تفوّه نحو الممتلئة نعمة". فانتقل لبرهة الى اورشليم الجديدة حيث السيّد والقيامة والملاك والقبر الفارغ وأراوح الصديقين.  •كاتب وعضو معهد الصحافة العالمي (فيينا)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق