الأربعاء، 11 أبريل 2012

نبيل الجسر في صبي المحلة

< الديار الفكري 10-4-2012 لطالما عرفت مازن عبّود كخبير بيئي وناشط اجتماعي، الا اني وبعد أن قرأت كتابه «ذكريات صبي المحلة» وجدتني أمام أديب واعد وفنان بالقلم والصورة. لقد اراد أن يجرَّني مازن إلى ملعبه كي أتحدث عنه في الكتاب!!! فبحثتُ عنه في ثنايا العمل، ولم أجدْهُ. لم اجده، لانه أخلى الساحة لأبطال قصصه وانسحب كالمخرج الذي ترى بصماتِهِ على كل جوانب العمل دون أن تراه. لم يقرر مصائر أبطال حكاياتِه كما في المسرح أو الرواية بل تركها تنسابُ بين أصابعِه وتتسللُ إلى الصفحات البيض كما تشاء. «صبي المحلة» يتذكّر المحلة والأماكن والوقائع والأشخاص خوفاً من الموتِ الذي سيأتي لا محالة ويلتهم كل العناصر. هذه الصور من الماضي محزنة بقدر ما هي مفرحة. ليس جمالُ صور الماضي هو ما يحزن القلب الجريح من صور الحاضر، بل كون الحاضر، ذلك الذي كان مستقبلاً موعوداً، لم يكن إلا خدعةً. قراءةُ هذا الكتاب أشبه برحلةٍ شيقة بين طقوس الأعياد، من الميلاد والغطاس إلى الفصح وبين حكايا القرايا ودروب العالم والعالم الآخر. أكثر ما لفتني هو أن مازن عبود نادراً ما يصف الأشخاص والأمكنة. فلا ندري مثلاً إذا كان «أبو الزفت» طويلاً أم قصيراً ولا نعرف شكل «أبو السمك» ولا هيئة «السنكوح». ربما افترض الكاتب أن القارئ يعرف، مثله، هؤلاء الأشخاص فلا حاجة لوصفهم. أو ربما كانت ذاكرة الكاتب تزدحم بالأحداث والوقائع فلم يعد فيها متَّسع للصور والرسوم. حتى المحلة التي يتذكّرها الصبي لا ملامحَ خاصةً لها. هل هي فعلاً «دوما» أم «عين كفاع» أم هي قريةٌ أخرى من قرى لبنان المعلقة بين الأرض والسماء. تغيبُ الملامح وتغيبُ الألوان كأن شريط الذاكرة هو بالأبيض والأسود حتى عندما يتذكر الصبي ألوان فساتين «فكتوريا». لفتني أيضاً بُعد الكاتب عن السخرية وميلُه إلى الطرافة. فصبي المحلة يحترم شخصياتِهِ ولا يطلق عليها أحكاماً. فكأنَّ الصبي الذي يتذكر هو نفسه الصبي الذي يكتب. هذا الصبي الذي فُضَّت بكارة طفولته عندما أخبرته العجوز أن بابا نويل مجرد كذبة ما زال حتى آخر صفحة من كتابه، يبكي على حلمه الذي جرى اغتياله. صبي يتذكر الأحداث والوقائع ويترك للقارئ أن يتخيل الأشكال والألوان. ليس بالضبط كذلك. لأن الكتاب يزخر بالصور الفوتوغرافية الجميلة التي تقطع حبل المخيلة وتصوب بوصلة القارئ. كتابٌ يشبه المونتاج من التصوير والرواية والشعر والموسيقى. قراءة الكتاب تدفعني الى زيارة دومتك، علني اعاين الأماكن التي ذكرتَها واتعرّف على من بقي من شخصيات كتابِك على قيد الحياة. سأتركك يا مازن تتذكر إذا كانت النتيجة مثل هذا الكتاب الجميل. سنتركك ونترك «أم رعيدي» تنظف منزلها كلما هطل المطر. وإذا تذكّرتَنا وذكَرتَنا في كتابك القادم، نتمنى أن تكون ودوداً كما كان «صبي المحلة». المهندس نبيل الجسر رئيس مجلس الانماء والاعمار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق